د.يحيى الكبيسي احد النوابغ التي ابدعت في مجالات بحوث القانون والمواد الدستورية، وهو يعد احد الخبراء في القانون العراقي لما يمتلكه الرجل من خبرات قانونية وفلسفية غاية في الدقة والبراعة، ما يؤهله ان يضع أمام العراقيين جميعا تشخيصا دقيقا للثغرات والالغام التي قامت عليها الدولة العراقية منذ عام 2003 حتى الان وبخاصة ماجرى من مداخلات ابداها بشأن ما سمي بوثيقة عمل الحكومة وعلاقاتها مع الكتل السياسية الاخرى التي سعت معها الى تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تقوم على الشراكة الوطنية وتغيير منهج هذه الدولة..وادناه اهم الملاحظات التي يمكن تأشيرها على ملاحظات الدكتور يحيى الكبيسي على هذه الوثيقة وقضايا أخرى مهمة:
1. كان الباحث والاكاديمي القدير د.يحيى الكبيسي وهو احد رواد المركز العراقي للدراسات الستراتيجية قد أشر ملاحظات قانونية غاية في الاهمية، كان على سياسي المكون العربي او من تم اطلاق هكذا تسمية على مكونهم السياسي ان يختاروا شخصيات قانونية بهذا المستوى الرفيع من الخبرة بشؤون التفسير القانوني للوثائق والمواد الدستورية، اذ كشف تناقضا فاضحا في مواد هذه الوثيقة وتعارضها حتى مع الدستور على اكثر من صعيد، وخصوصا في مجالات التعاون بشأن نقاط خلاف كثيرة ومنها قانون العفو العام والمساءلة والعدالة وقضايا خلافية اخرى كثيرة يحتدم الجدل بشأنها في سبل تنظيم علاقة تحظى بالقبول بين الحكومة والمكونات الاخرى.
2.ابرز الباحث الكبيسي تناقضا حتى في نصوص تلك الوثيقة وكيف استخلصت نصوصا دستورية وعدتها بصياغة انشائية دون ان يشار الى انها مادة اصلا في الدستور ولا يمكن اعتبارها بندا من بنود تلك الوثيقة ، التي تعد صياغة انشائية لاتعني شيئا، وهي التي تتعلق بشكل تعامل الدولة مع مواطنيها من المدنيين والعسكريين في الحقوق والواجبات، مشيرا الى التناقض بين طرح موضوع الخدمة الاتحادية والتعارض مع الدستور الذي لاينظم شكل العلاقة مع موظفي الدولة، بل اقتصر تنظيم تلك العلاقة مع العسكريين وقوى الامن الداخلي اكثر من كونها تهتم بتنظيم الحياة المدنية وسبل قيام وتظيم الوظائف العامة وكيفية توزيعها.
3. تعكس فقرات الوثيقة الغاما كثيرة في شكل العلاقة مع المكونات الاخرى وان صياغات تلك الوثيقة التي لاتخرج عما كان في عهد المالكي من اشكال لهذه العلاقة حتى ان محل المكونات الاخرى من الاعراب بقيت مثار تفسيرات بشان نوع النظام السياسي وشكل الحكومة، في وقت تكرس الوثيقة هيمنة الحكومة على سلطة القرار ولا تمنح مرجعية قانونية لجهة محددة يمكن الروج اليها في تفسير منطوق هذه الويثقة، وعدها كلملة صياغة انشائية لاترقى ان تكون وثيقة قانونية تحقق المطالب المشروعة والتي يعد حتى الاعتراف بتلك الحقوق مثار شبهات، اذ لم يتم تحديد الطريقة التي تعاد بها تلك الحقوق وكيف تطبق ومتى ينتهي من تطبيق فقراتها وكيف وعلى أي الأسس والقواعد، ما ابقاها عرضة للتنكيل بها من قبل الحكومة واطرافها متى شاءت، وبهذا تفقد تلك الوثيقة صفتها االقانونية كونها فضفاضة ومضطربة وعامة ولا تعطي كلمات محددة لشرح معنى تطبيق تلك الفقرات ولا سبل التعامل مع الاخر مستقبلا، وليس بمقدور الطرف الاخر ان يضمن ايا من حقوقه التي طالب بها، واذا ما اراد نسفها بالامكان العودة الى الفقرات الدستورية لاظهار تعارضها مع الدستور ما يعطيه الحق للتريث في تطبيقها او رفض تطبيقها اصلا.
4. لم يتم حل مشكلة الميليشيات في الدولة وبقيت علاقاتها مع الحكومة عضوية وتحت لوائها اما الطرف الاخر فلم يضمن لنفسه سبل الدفاع عن مكونه، وترك الشرعية للحكومة لكي ترعى الميليشات تحت علمها ولوائها حتى وان حملت مسمياتها الخاصة بها، الا ان الدولة تكفل لها الغطاء القانوني لاستمرار نشاطها وبقي المكون الاخر مجردا من حق الدفاع عن نفسه ومواطنيه، وبقيت المشكلة تتسع مخاطرها يوما بعد اخر، ففي الوقت الذي توجد للكرد وللجماعات الدينية من التحالف الوطني حق انشاء الميليشيات والمظاهر العسكرية غير النظامية وغير القانونية يكون الطرف المحسوب على المكون العربي الذي يقي مصير مكونه مكشوفا ليس لديه الحق المماثل للدفاع عن نفسه بوجه الاخطار التي تهدده ، وليس بمقدوره ان يشكل كيانات مماثلة لتلك التي تشكلها الجهات السياسية من المكون الاخر لهذا سبيقى دوره هامشيا وليس بمقدوره الدفاع عن نفسه بوجه المخاطر التي يتعرض لها.
5. ان في العراق خبراء قانونيين كثيرين وهم لديهم خبرات قانونية تعد مفخرة لهذا البلد وفيهم من يعملون في مجالات قانونية في الخارج اذكر منهم الدكتور محمد الشيخلي والذي له باع طويلة في صياغة الاطر القانونية لسياسة الدولة وسبل التعامل مع الدستور ومع القوى السشياسية ونوع النظام السياسي، اضافة الى اساتذة قانون في قمة الرقي الابداع في الجامعات العراقية من كبار المختصين بالقانون الدستوري ودراسات القانون بشكل عام ان تتم الاستفادة منهم عند صياغة اية وثقية سياسية تتعلق بالتعامل بين الحكومة والكتل السياسية حتى لاتضع هذه الكتل نفسيها في مواقع الاحراج امام جمهورها ولكي تأخذ حقوقها وتفرض التزاماتها بطرق قانونية لاتقبل اللبس والتأويل، اذ ان ما اشار اليه الباحث الكبيسي يلقي بضلال كثيرة من الشكوك والمخاوف وحالات القلق المستقبلية التي تنجم عن هكذا وثيقة اعدت صياغاتها بطريقة انشائية مطاطة وعامة لاترقى ان تكون وثيقة يعتد بها وسرعان ما يمكن الاختلاف بشأنها بعد اسابيع واشهر من بدء تطبيق بنودها، وسيعاني الطرف الاخر من مشكلات لاتقل خطرا عن الفترة السابقة من حيث تهميش المكون العربي وتعريض مستقبله لمخاطر جملة، والعيب الاساس يقع على القوى السياسية المحسوبة على اتحاد القوى العراقية التي لم يحسن اساليب التعامل مع الاخر بما يضمن حقوقه وسيقع بعد فترة في اشكالات كثيرة ربما تكون تبعاتها اخطر مما جرى في المرحلة التي سبقتها بكثير وستبقى حتى المطالب التي تقدم بها حبرا على ورق لن يكون بوسع احد تطبيقها، وكثيرا ما يجد الاخرون لها موادا تفسيرية لالغائها وافشال تطبيقها.
هذه ملاحظات عامة وضعها امامنا الباحث البارع د.يحيى الكبيسي في برنامج تلفزيوني شهير في احدى القنوات الفضائية العراقية على شكل حلقات ، وكانت ملاحظاته القانونية في غاية الاهمية والخطورة، التي ينبغي على ساسة المكون العربي وهم الذين وهبهم الله برجال من خبرات قانونية متعددة ولا يعتدون بها للاسف، مما اوقعوا انفسهم في مطبات امام جمهورهم واشكالات كثيرة لاحصر لها كان يمكن تجنبها لو اهتدوا الى اصحاب الخبرة في القانون بمختلف فروعه وبخاصة في القانون الدستوري، ولما غفلوا عن اشراك كل تلك الخبرات قبل الموافقة على وثيقة سياسية تتعلق بمستقبل شعب ومصير مكونات مازال مستقبلها مجهولا حتى الان، واسرفوا كثيرا من وقتهم في المفاوضات على سرعة تشكيل الحكومة اكثر من اهتمامهم بحقوق مكونهم، ما تضعهم الاقدار مرة اخرة امام مستقبل مبهم، لم يتم وضع خارطة طريق واضحة لمعالمه، وربما اعتمدت على خبرات بسيطة ليس لديها خبرات قانونية يعتد بها، وكان همها الحصول على المغانم والمكاسب وكراسي السلطة اكثر من اهتمامها بمعاناة شعبها وما يتعرض له من حملات ابادة، ومحاولات تعريض مستقبل مكونهم لمخاطر الازاحة من الوجود، وهم مثل اخوة يوسف الذي سيكون امام الجمهور من انهم تركوا يوسف عند متاعهم فأكله الذئب وهم عنه غافلون.