في تاريخ العرب حوادث تسربلت بالدم ولكن بشرف , كان العرب أصحاب كلمة ووفاء وعهد , ويوم حصلت معركة داحس والغبراء أستمرت أربعين عاما تقريبا , وأخذت تسميتها من فرسين لزعيمي قبيلة عبس وذبيان , فداحس حصان لقيس بن زهير الغطفاني والغبراء فرس لحذيفة بن بدر الغطفاني , راح من شباب العرب العدد الكبير , ومن الرجال المعروفين لجيلنا هذا, الشاعر الفارس عنترة بن شداد والشاعر الرقيق عروة بن الورد ملك الصعايك ومفجر اسس نظرية عبثية الحياة وتمرد الإنسان على الموروثات
ورغم تعدد الأسباب التي خلقت المشكلة كانت في أساسيتها هي ضمان تجارة النعمان بن المنذر من قطاع الطرق , ومن عملاء الفرس و عملاء الروم . يوم كان ملكه يسبب الإزعاج للدولتين ويسعيان لكسب وده تارة ولي عنقه تارة أخرى .
كانت معركة داحس والغبراء واحدة من ملاحم الصراع الذاتي والموضوعي بين العرب , وربما الصراع للبقاء ولكن بشكل أقوى وأعز وأمنع . وفي تاريخ العرب الحديث معارك وملاحم لعل في مقدمتها حروب الأرض وكرامة الأمة التي هُدرت على أيدي الصهاينة بتأسيس دولتهم على حساب القيم الإنسانية والدولية بغض النظر عمن يتضرر وعمن يخسر وجوده وحياته .
لقد خاض العرب معاركهم المجيدة بدماء أبناء هذه الأمة حتى صارت فلسطين قضية الإنسان العربي بغض النظر عن هويته ودينه ومع خسارتنا جولات الحرب بسبب الخيانة , ويبدو أن من خلق إسرائيل ما زال قلقا عليها من تنامي الفكر الرافض للإحتلال ليس من أبناء الأمة العربية بل من أبناء الامم كافة , حتى الأمة اليهودية فاليهودية شيء والصهيونية شيء آخر. ولعل سياسة العمل التجسسي لم تفد في كل العهود وشراء ضمائر الحكام لم يوازي حالة الرفض لهذا وجدت دوائر الغرب أن أسهل مهمة للنيل من الأمة هو تخريب دينها ومعتقدها , هذا الدين الذي ظل أحد أسباب وحدة العرب وسلامة لغتهم وتوجههم , فكان الفكر السلفي وكانت أذرعه ومسمياته المغطاة بلباس الإسلام , وتلك مشكلة المشاكل أنها الداء الذي يسري مع الدم وعملية التفريق ليست بالسهولة خاصة وقد تكلفت وجوه لها أثرها في عقول الشباب وهذا هو الهدف ولعل آخر مطاف الصنعة داعش , من يتصور تنظيما دينيا أحادي التوجه يستطيع بليلة وضحاها أن يتمدد على أرض تعادل مساحة فلسطين المحتلة , ومن يتصور أو يتقبل فكرة أن هذا المخلوق الكسيح هو صنعة غربية والغرب أكثر خوفا من الدين وتنظيماته ؟ ولكن هو الواقع فعلى مواقع الإتصال تجد البغدادي قبل سنتين بدشداشته السوداء وعدد من أقرانه بإجتماع مع السناتور جان مكين عام 2003 في تركيا , وتجد حديث طويل وموثق لأدوار سنودن : أن داعش هي فكرة بريطانية كانت بإسم عش الدبابير تلقفها الموساد ليصنع منها دويلة بدين جديد ولكن بشعارات إسلامية . ليس مهما هذا الكلام حقيقة و غير ذلك ,لكن تصرف الدواعش وسرعة إحتلالهم الأرض وتحكمهم بأرواح البشر وذبح الطوائف والتلويح بذبح المسلمين سنة أو شيعة طالما لا يدينون بدينهم تعطينا فكرة ان هذا المخلوق اللقيط هو الهدف الكبير, وهو ليس مخاض صراع أطراف مع دولة من أجل حكم ديمقراطي لأن سلوكه يتناقض مع أبسط مقومات الديمقراطية .
لقد أستمرت معركة داحس أربعين سنة وأخذت زهرة شباب العرب بالسيف والرمح فما تصورك ما ستذهب من أنفس مع تطور أداة أالفتك والقتل . تلك بين العرب أنفسهم وهذه بين المسلمين أنفسهم .