هذا ما نطق به لسان الفطرة عند الأعرابي عندما سُئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: البعرة تدل على البعير .. والأثر يدل على المسير .. فسماء ذات أبراج .. وأرض ذات فجاج .. ألا تدل على العليم الخبير.. سبحان الله .. فالعقل قاضٍ بأن الموجود لابد له من مُوجد .. وأن المخلوق لا بد له من خالق .. وفي كل شيء له آية *تدل على أنه واحد فهذا مثلا “قس بن ساعدة الإيادي” حين كان في الجاهلية .. قبل الإسلام .. يركب ناقته.. ويسير إلى السوق يخاطب الناس بكلمات تفكرية بحثية عقلية إيمانية .. يقول لهم: “أيها الناس .. اسمعوا وعوا .. من عاش مات .. ومن مات فات .. وكل ما هو آت آت .. ليل داج .. ونهار ساج .. وأرض ذات فجاج .. وسماء ذات أبراج .. ونجوم تزهر .. وبحار تزخر .. أفلا يدل ذلك على الله الواحد القهار؟!!!!
عندما يذهب شخص الى الطبيب يجتهد الأخير بتشخيص المرض وحالته وكيفية إشفاء المريض منه وما لا ويصف الدواء الناجع لعلته. إلا ساسة العراق فلهم رأيٌ ومنهجٌ مغاير. فزعماء الطوائف وأمراء الحرب والماسكين بخيوط اللعبة لا يستفيدون من رأي ولا تجربة ولا تاريخ .فهم لا يرون إلا ما يرون. ويسبحون عكس التيار. ويحِلّون الحرام ويحرمون الحلال. ولا تهمهم النتائج ولا يعتبرون بالعبر أبداً.
وعندما تبتلي أمة بمحنة وكوارث ودواهي يجلس عقلاء القوم فيشخصون أسباب المحنة بتمعن . ويضعون الحلول والبرامج التي تُخرِج الأمة من الكوارث والمحن. فتنهض الأمة من كبوتها. وتصبح كوارثها ومآسيها درساً بليغاً من دروس التأريخ والعبر. وما يحدث في بلادنا اليوم يدل عكس هذا وخلافه. فلا حاجة لتشخيص ولا علاج والرأي والقرار لسلاطين الزمان.
وما ضربته من أمثال على لسان هذا الأعرابي وعلى فطرته وما قاله قس بن ساعدة الأيادي ,دليل على صحة ما أقول.
إن سبب كوارث العراق ومآسيه وفقدان أمنه ,وضياع نصف أرضه, وتهجير ثلث شعبه ,,وضياع مليارات الدولارات من أمواله هو المحاصصة وسوء الأدارة ,وما نتج عنهما من سوء حال البلاد . فهل يجوز لنا تكرار ذات التجربة وإستنساخٍ جديد لحكومة السيد المالكي بأسماء ووجوه أخرى ,فتكون المحصلة حكومة ضعيفة مفككة ,غير قادرة على أي إنجاز. ورئيس حكومة لا سيطرة له عليها . فما هي إلا ديكور ومباوس لحى ,وولائم بما لذَّ وطاب وتقاسم للكعكة, التي شاطت رائحتها وإحترقت. وإحترق الشعب معها. ألا يعلم من خطط لتشكيل هذه الحكومة إن البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير؟ وتكرار التجربة السابقة جريمة بحق العراق والعراقيين.
لقد سمعنا من السيد الدكتور حيدر العبادي إنه ينتظر من الكتل السياسية تقديم أسماء وزرائها . وهذا يعني إستمراراً للمحاصصة. وسنغرق في مستنقعها وسنحترق بأوار نارها. وسؤالنا المشروع من أي كتل تنتظر الوزراء دولة الرئيس؟ أليس هي ذات الكتل التي لم تتعلم الدرس. ولا تجيد سوى خلق الأزمات, دون حلول .ألم تسمع بقول الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قومٍ يمر بهم على جيف الكلاب.
وقيل:
إذا كان الغراب دليل قومٍ سيهديهم الى دار الخراب
كان الأجدى برئيس الوزراء المكلف أن يعيين نائباً له من كل كتلة يراقب ويحاسب الوزراء. وهذا نموذج جيد للشراكة في الحكم , وعلى السيد العبادي أن يستوزر وزراء تكنوقراط أكاديميين من خارج هذه الكتل ومن ذوي الأختصاص والأستقلالية السياسية, لا وزراء محاصصة وتقاسم كعكوي.
إن الظروف التي يمر بها العراق تقتضي أن يكون رئيس الوزراء حاكماً بإسم كل العراق .ويتخلى منذ ساعة توليه عن أي إنتماء حزبي . لا أن يكون ممثلاً لحزب أو تحالف مهما كان إسمه وإنتمائه الطائفي والعرقي. وكذلك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والوزراء .فلا بد أن يتخلوا عن أي إنتماء طائفي أو عنصري او حزبي. فالمناصب السيادية تتعدى القومية والطائفة والحزب.
يبدو أنَّ أحداً من هذه الطبقة السياسية لم يتعلم الدرس ولم يعتبر. وستكرر التجربة أربعة سنين أخرى. والكارثة مستمرة. وما أدرانا قد إنهم لم يعوا فنسوا بأنه من عاش مات ومن فات فات ,ليلُ داج, ونهار ساج, وأرض ذات فجاج ,وسماءٍ ذات أبراج , ونجوم تزهر, وبحار تزخر, أفلا يدل هذا على الواحد القهار؟ وأن في المحاصصة الدمار أم إنهم كفار؟.
فمن البعرة؟ ومن البعير؟