21 ديسمبر، 2024 8:43 م

شيعتنا من سلمت قلوبهم

شيعتنا من سلمت قلوبهم

الاسلام تلك الشريعة السمحاء التي أراد بها المولى للبشرية ان تسير نحو هدف الخلق السامي ، وجمع فيها ارقى ما وصله وسيصله العقل الإنساني . لذلك فالإسلام دين حيّ ، يمكن لكلّ العلوم المعنوية والمادية وكل الحركات ألنهضوية ان تعيش بنبضه . وقد اختار الله جلّ شأنه أسمى خلقه لتبليغ هذه الرسالة الهادية ، فكان محمد صلى الله عليه وآله النور الذي أضاء مسيرة اهل العقول النقية . وقد كان اهم ما اختار الله محمدا هاديا هو مفهوم ( الرحمة ) ، فمحمد كان رحمة للعالمين  {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } . لذلك كان على الأمة التي تحمل رسالة محمد عليه السلام ان تكون أمة رحيمة .

وبعد تقادم السنين وسلطنة اهل الجور والفسوق تغيرت احوال هذه الأمة ، فصار نشر الاسلام بالسيف والجور ، وكأنما لم يقل الحقّ تعالى ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، بل ان أولياء الطاغوت صاروا اليوم يدعون للطاغوت باسم الله . وكان لكل قطرة دم تقطر عن سيف ( داعية ) ان تنتزع الرحمة اكثر فاكثر ، حتى أعلنت وحوش الغاب اليوم دولة باسم الاسلام ، خليفتها من دعاة النقمة .

ولم ينجُ من هذا البلاء الا القليل من اهل الاسلام ، كان أهمهم شيعة ال محمد عليهم السلام ، الذين كان خلقهم القران . فكان واحدهم امّة في الدعوة الى الحق . حيث التزموا كتاب الله الغني ، فكانوا يتنفسونه ، ومن ثم ينشرون طيبه . عن الامام الصادق(عليه السلام): ( لقد تجلّى اللّه لخلقه في كلامه، ولكنّهم لايُبصِرون ) . وحين يتجلى الله جلّ وعلا تتجلى الرحمة لا شكّ . والرحمة هي منهج الدعوة الى الله ومن ثم صلاح البشرية .

انتشر مذهب الحقّ ( الاسلام المحمدي العلوي ) ببركة هذه الأنفاس الملكوتية ، مستنيرا بكتاب الله ، وقويا بالحجة والبرهان ، ومستشفعا بما مثّله ال محمد وأشياعهم من رحمة ونبل . فازدهر وملأ الارض ، حتى لا نكاد نسمع اليوم بمدينة في أقصى الشرق او أقصى الغرب الا وفيها عبق هذه الشريعة وتراث ال محمد عليهم السلام .

عن الامام علي(عليه السلام): ( ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه: ألا إنّ فيه علمَ ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم ونظم ما بينكم )، من هنا كان هجر القران بداية الفوضى .

وهجر القران فرديا واجتماعيا يعني الابتعاد عن الله ، وبالتالي التيه في صحار النفس والشيطان ، ومن ثم يصبح الناس فريسة لذوي المآرب والمشاريع الاستعبادية .

مع المقدمات أعلاه نجد ان الاسلام هو ذاته مذهب الحق العلوي ( التشيع ) ، وبالتالي هو من يقع على أفراده رسالة ( الرحمة الإلهية ) لهداية البشرية . ومن هنا سوف يؤدي انسلاخ الشيعة عن قرآنهم وتيههم في عالم المادية الى عرقلة هذه المسيرة الإصلاحية الكبرى .

وللأسف تأثر الكثير من شيعة اهل البيت بمغريات العصر ، وانساقوا الى غابة الشهوات ، وتدافعوا تدافع السباع على الجيف . لا كلهم ، بل الكثير منهم ، وهذا الكثير صار من حيث لا يريد عائقا بوجه مشروع ال محمد عليهم السلام .

وللعقائد الحقة الربانية وجهان لانتشارها ، احدهما يتمثل في قوتها الذاتية ومدّها الرباني ، والآخر يتمثل في سمو الأفراد الحاملين لرسالتها . ومن سنن الله ثبوت العقائد الحقة ، لكن من السنن أيضاً تغيير الأفراد والمجتمعات التي تنحرف عن مهمتها الرسالية . ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) .

ان مجتمع بني اسرائيل اصطفاه الله لحمل رسالة التوحيد والسير بمشعل الإصلاح ، وكان الرب معه ناصرا ومستنقذا ، وقد أراه من آياته الكبرى ، لكنه حين خضع لتأثيرات المادية ، والإغراءات القارونية ، والرهبة من التيار الفرعوني ، حتى انغرست تلك البذور السيئة في عمقه ، استنقذ الله الصالحين ، ومن ثم استبدل هذا المجتمع بمجتمع رسالي اخر . ( 43 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ ) متى ٢١ ، هذا ما أعلنه المسيح في الهيكل وهو يخاطب كبار الكهنة اليهود الذين أصبحوا دعاة الانحراف عن الإرادة الإلهية .

ولرحمة الله بهذه الطائفة ، ببركة الأنفاس الملكوتية لائمتها والأوتاد من رجالاتها ، شاء المولى جلّ شأنه ان تصمد ، حاملة لمشعل الإصلاح ، قرونا متوالية ، وهي تعاني الحزن والضيق والتضييق ، صابرة محتسبة . لكنّ ذلك لا يمنع ان تنطبق سنن الله فيها على مستوى الأفراد والجماعات ، فيستبدل الله تبارك وتعالى أقواما وأفرادا بأعيانهم ، ثم يأتي بقوم يحبهم ويحبونه ، ينتصر بهم لدينه الحقّ .

( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )

( إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

ان أفراد هذه الطائفة المحمدية العلوية ملزمون بارتداء حلّة الإيمان والتقوى ، فهم اليوم من يمثّل رسل الله الى البشرية ، ويقع عليهم من الواجب ما انسلخ عنه غيرهم . حيث لابد ان يراهم الناس في المشرق والمغرب في أتم بيان وأبهى صورة وانقى سريرة ، الدين فيهم كالدم وكالنَفَس ، كلامهم القران وعملهم الإحسان ، يبدؤون بالخير ، وينتهون الى الصلاح . فالعالم – وهو قرية صغيرة اليوم – سيحتسبهم على الأمل المنتظر ، امام الحق المهدي ، وعلى ما يأتون من سلوك سوف يقيس منهجه ، فكيف بعدئذ يأتون من المنكر ما يبعد الناس عن ذلك المشروع الرباني ، الذي يقوده صاحب العصر ؟! .

لكن للأسف عمد الكثيرون ممن ادعوا الولاء لآل محمد الى مسايرة الباطل واتيان الذنوب ، تهاونا وغفلة ، فكانوا في ذلك سببا للكثير من البلاءات الدنيوية والأخروية .

لعل اول هذه البلاءات هو ما ترتبط نتائجه بتأخير الظهور المبارك لصاحب الامر عليه السلام ، من عدة جهات :

١ – ان غيبة الامام كغيبة الشمس إذ سترها السحاب . ( إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سر اللَّه ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله ) . والسحاب كما يُفهم من بعض الروايات قد تكون الذنوب ، التي تحجب الانسان عن المعصوم . فكما هو واضح ان الانتفاع امر نسبي بين مكان ومكان ، من الشمس ، بمقدار يحدده سمك ذلك السحاب . وقد أشار الامام عجّل الله فرجه لذلك في رسالته للشيخ المفيد حيث ذكر : (  … فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون … ) ، فالإمام يوضح ان الذل إنما يصيب شيعتهم – المدعين لذلك – بما أتوا من السلوك الذي رفضه سلفهم . وقوله أيضاً : ( فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبّتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته .. ) . ثم يعطي الامام القواعد البيّنة لمن أراد التشرف بنصرته في غيبته وأعانته على أمره : ( ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين ـ أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين ـ أنّه من اتقى ربّه من إخوانك في الدين، وأخرج مما عليه إلى مستحقّيه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته.

ولو أنّ أشياعنا ـ وفّقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم؛ لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم. والله المستعان .. ) .

٢ – ان العالم حين يرى من سلوك المدعين التشيع لآل محمد عليهم السلام – سلبا او إيجاباً – سيقترب او يبتعد عن هذه المدرسة بالنسبة ذاتها التي ينتجها سلوك الشيعة . وإيمان الناس بقضية المهدي عليه السلام قبل ظهوره الشريف من مقومات نهوضه ، لذلك قد يكون لسلوك واحد منا غير جيد ان يتسبب في ابتعاد عن الآخرين عن هذا المشروع الرباني ، وبالتالي نكون من المتسببين بتأخير الفرج .

٣ – ان الذنوب والمعاصي تحجب الدعاء . يُنقل عن أبي جعفر عليه السلام: ( إن العبد يسأل الله الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطئ، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك تعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي ، واستوجب الحرمان مني ) . وحيث ان الدعاء – كما ورد في الأثر – من موجبات تعجيل الفرج ، فان حجب الدعاء بالذنوب يستلزم تأخير ذلك الفرج أيضاً .

يُنقل عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ) .

ثم ان للذنوب واتيان المنكر وارتكاب المعصية آثارا اخرى قاسية :

١ – التيه عن الله . حيث يبتعد الانسان عن الهادي المرشد والدليل عند الحيرة ، فيعيش غربة فردية واجتماعية ، ليتخبط في الظلماء ، التي أوجدها بذنوبه . وكذلك يعيش المجتمع ككل غربة وتيها وتخبطا عاما ، يستغله الأعداء والشياطين ، ليزداد الانسان والمجتمع العاصي بعدا عن الله ، وبالتالي ذلا وهوانا .   ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) .

٢ – ان البلاءات الواقعة هي نتيجة حتمية لما كسبت أيدي الناس ، ومن ثم بزيادة الذنوب والمنكرات تزداد البلاءات والمحن ، وتكون الشدائد ، اما لتكفير تلك الذنوب ، وأما لمعاقبة المجتمع او الفرد العاصي . ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) .

وقد يعيش بعض الغافلين التراخي والدعة أنّ العقوبات هي فقط في الآخرة – وأهل الدنيا يحسبونه هيّنا – ، لكنّ القران الكريم يفيد ان هناك من العذاب ما يقع في عالم الدنيا ، بسبب تلك الذنوب والمعاصي . ( فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) . ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) .

لذلك لابد لشيعة ال البيت اليوم وهم يعيشون فتنة القتل والتشريد والتنكيل والتضييق ان يعيدوا حساباتهم ، والّا يقيسوا النصر والهزيمة بقياسات دنيوية مادية بحتة ، بل عليهم العودة الى الله جل جلاله وعظمت الائه ، فهو من سيدفع عنهم أعدائهم . لكنهم آذاما ظلوا مكبّين على دنياهم ، تاركين كتاب الله وراء ظهورهم ، يتنافسون على الحطام ، يظهرون من الطاعة والدين ما لا يطابق ظلماء داخل الكثير منهم ، فانهم لن يكونوا بدعا من الامم ، ولن يجدوا من دون الله ملتحدا .

( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) .

( أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) .

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) .

( ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) .

( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

ويُنقل عن قال الباقر (ع) : وجدنا في كتاب رسول الله (ص) : ( إذا ظهر الزنا من بعدي ، كثر موت الفجأة . وإذا طُفّف المكيال والميزان ، أخذهم الله بالسنين والنقص . وإذا منعوا الزكاة ، منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلّها . وإذا جاروا في الأحكام ، تعاونوا على الظلم والعدوان . وإذا نقضوا العهد ، سلّط الله عليهم عدوّهم . وإذا قطعوا الأرحام ، جُعلت الأموال في أيدي الأشرار . وإذا لم يأمروا بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر ، ولم يتّبعوا الأخيار من أهل بيتي ، سلّط الله عليهم شرارهم ، فيدعو خيارهم فلا يُستجاب لهم ) .

وعن الصادق عليه السلام يُنقل ما مضمونه : ( يا مفضل إياك والذنوب، وحذّرها شيعتنا، فواللّه ما هي الى أحد أسرع منها اليكم، إن أحدكم لتصيبه المَعَرّة من السلطان، وما ذاك إلا بذنوبه، وإنه ليصيبه السقم وما ذاك الا بذنوبه، وإنه ليحبس عنه الرزق وما هو إلا بذنوبه، وإنه ليشدد عليه عند الموت وما هو إلا بذنوبه … ) .

يُضاف الى ما أحدثته وتحدثه الذنوب والمعاصي وما ينتجه القيام على المنكرات والتساهل في امر الدين وانخفاض العامل الأخلاقي ، تماشيا مع تيار المغريات وفتنة دنو اللذة المنكرة وسهولة استعمالها ، ما يعيشه الواقع الشيعي من ( تعدد القيادات ) ، وتفاوت مستواها ، واختلاف فكرها . فهي غالبا تقود الناس بآليات الدنيويين والماديين ، زاعمة انها تصل بهم الى اهل بيت العصمة والسمو والعالم الملكوتي ! . فيما يعيش الناس من اتباع اهل البيت – اسما – غشاوة الجهل ، وانخفاض مستوى التشخيص للقيادات الصالحة ، للغفلة التي أنتجتها ذنوب ومعاصيها الكثير منهم .

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .

ان العودة الى الله وحدها كفيلة بتعجيل الفرج ، وردّ العدوّ . ونحن بأنفاس ودعاء الامام وحده صامدون ، ولولا لوجوده لكان ما كان ، فوق الذي يجري اليوم . فيا لله ، أيُّ الذنوب ارتكبنا ! ، وايّ أسى على قلبه الشريف أدخلنا .

قَالَ رَجُلٌ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ . قَالَ : ( اتَّقِ اللَّهَ ، وَ لَا تَدَّعِيَنَّ شَيْئاً يَقُولُ اللَّهُ لَكَ كَذَبْتَ وَ فَجَرْتَ فِي دَعْوَاكَ ، إِنَّ شِيعَتَنَا مَنْ سَلِمَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ كُلِّ غِشٍّ وَ غِلٍّ وَ دَغَلٍ ، وَ لَكِنْ قُلْ أَنَا مِنْ مَوَالِيكُمْ وَ مُحِبِّيكُمْ ) .