أعادت المباحثات الحكومية مع وفد البنك الدولي الذي يزور عمان، التأكيد على الضرورة الملحة لوجود برنامج وطني لإنقاذ الاقتصاد يعمل جنبا الى جنب مع برنامج البنك الدولي وصندوق النقد؛ إلى الوقت الذي نتمكن فيه من التخلص من الرعاية الدولية حيث تعد هذه المؤسسات الدولية واحدة من أكبر الدائنين للأردن، إضافة الى ما يقدمانه من ضمانات لقروض أخرى؛ الأمر الذي جعل الأردن يخضع لوصفات البنك والصندوق وبرامجهما منذ الثمانينيات من القرن الماضي عبر سلسلة من البرامج. وعلى الرغم مما تتمتع به هذه المؤسسات من خبرة وثراء في تجارب الإصلاح الاقتصادي وبعيدا عن الجدل الأيديولوجي فإن هناك الكثير مما يتحدث عنه خبراء البنك نحن بحاجة له، وهناك أمور أخرى لا تلائم الاقتصاد والمجتمع ولا دور الدولة في الحالة الأردنية.
وضع الصندوق وصفته الإصلاحية العام الماضي في ضوء تفاقم عجز الموازنة العامة وتفاقم الديون الخارجية وتراجع المساعدات الخارجية وضغوط اللاجئين؛ والوصفة العريضة لصندوق النقد الدولي تتطلب تخفيض حجم الدين بالمقارنة من الناتج الوطني خلال ثلاث سنوات بحث يتصل الى 79 % بدلا من 93 % من النتاج الوطني الإجمالي. اليوم يتحدث البنك الدولي عن خمس أولويات اتفق مع الحكومة الأردنية عليها تتمثل في إصلاح قطاعات التعليم، والبنية التحتية والاستثمارات فيها، والحوكمة وتحسين الخدمات الحكومية، وتعزيز بيئة الأعمال للقطاع الخاص، وضمان وجود شبكة أمان اجتماعي فعالة؛ المشكلة الجديدة القديمة أن إصلاحات البنك الدولي عادة مرتبطة بقروض جديدة وتتمثل المساعدة التي يقدمها بما يسمى القروض الميسرة، وبالتجربة فالكثير من الإصلاحات المرتبطة بالقروض لم تفعل شيئا أكثر من تراكم المزيد من الديون مع استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي أي زيادة المشكلة. وهنا تبدو مقاربات البنك الدولي أقرب إلى بذور تزرع في أرض غير ملائمة لها.
كل ذلك لا يتعارض مع الضرورة الملحة لوجود برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي يشتغل على حزمة من الأولويات الكبرى العابرة للحكومات تتمثل في، أولا؛ وقف القروض الخارجية بكافة أشكالها الميسرة وغير الميسرة لمدة ثلاث سنوات على أقل تقدير حتى لو تطلب ذلك وقف الإنفاق الرأسمالي في الكثير من القطاعات، ثانيا؛ تطوير مقاربة وطنية جذرية للضريبة العادلة. إن مدخل الضريبة العادلة يستقيم أن يكون مدخلا للحديث عن المواطنة وبناء الدولة القوية المستقلة التي تعتمد على جيوب مواطنيها، وتضمن هي بدورها شروط الحياة الكريمة لهؤلاء المواطنين، إذا ما توفرت شروط العدل المتمثلة في تفعيل تصاعدية الضريبة، وإعادة تعريف الشمولية. وإلا ستبقى قصة قوانين الضريبة والتذكير بالتهرب الضريبي في كل مرة، مجرد لهو سياسي لا أكثر. لقد حان الوقت لوضع مسألة التهرب الضريبي في مكانها الحقيقي، وإعادة تعريفها بوضوح. ثالثا؛ الاستدارة نحو الاقتصاد المنتج وذلك بتطوير رؤية وطنية ترتكز على سد الفجوة التنموية في المحافظات بتحويلها الى بيئات منتجة وفق ميزات تنافسية وتكاملية، والتركيز على زيادة حجم مشاركة النساء في سوق العمل. رابعا؛ وضع أجندة وطنية لتنظيم القطاع الاقتصادي غير المنظم الذي يحتل مساحة واسعة ولكنه كتلة هلامية غير واضحة، فتنظيم هذا القطاع يعني الكثير من المكاسب في تحسين سوق العمل وإحداث إزاحة نحو توسيع فرص التشغيل في القطاعات المهنية وتقليل حجم التهرب الضريبي وتحسين جودة الخدمات. خامسا؛ تطوير خطاب سياسي يدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته في ملف اللاجئين السوريين.
بدون برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي يحمل أولويات واضحة عليها إجماع وطني سنبقى ندور في الحلقة المفرغة.
نقلا عن الغد الاردنية