عندما نشاهد افعال وردود افعال اغلب القوى السياسية المتبنية للإسلام السياسي ( بشقيه الشيعي والسني ) أستحظر ايام الدراسة في كلية القانون وتحديدا درس قانون العقوبات ، حينها علمنا أستاذنا الفاضل الدكتور فخري الحديثي ، أن السلوك الجمعي مانع من موانع المسؤولية الجنائية !!
وقد يسأل البعض أو يتساءل، كما تساءلنا في حينها ، ماذا يعني بالسلوك الجمعي ، وكيف يكون مانع من موانع المسؤولية الجنائية ؟
ماتزال كلمات الاستاذ الدكتور الحديثي ترن في أذني وهو يقول ( لا تستغربوا ذلك أولادي فالإنسان في احيان كثيرة تسلب إرادته وتسيطر عليه إرادة العقل الجمعي ، وإذا ما أرتكب جريمة وهو تحت تأثير العقل والسلوك الجمعي فلا يحاسب !والقانون يعد هذا الامر مانع من موانع المسؤولية الجنائية )
وكنا نقول له كيف ذلك ، اضرب لنا مثلا للتوضيح كون الحالة كانت تبدو لنا غريبة وصعبة الإدراك في حينها .
فكان يقول …. تخيل انك تريد أن تشارك في تظاهرة وكل هدفك هو أن ترفع يافطة تحمل مطالبك التي تريد إيصالها ، ولكن اذا كانت التظاهرة كبيرة وفجأة اتخذت منحاً عنيفاً ستجد نفسك جزء من حالة العنف دون أن تدري وقد تجد نفسك بدلاً من أن ترفع هذه اليافطة قد رفعت عصى وأصبحت جزء من حالة العنف التي يمارسها العقل والسلوك الجمعي …
وحينها أدركنا ماذا كان يعني الاستاذ الحديثي ..
والمتابع للمشهد العراقي سيكتشف إننا كثيراً ما نكون أسرى أو ضحية السلوك الجمعي …
اذكر على سبيل المثال لا الحصر كثيرا من مواقفي في مجلس النواب في الدورة السابقة كانت تجابه باحتجاجات من قبل أغلب كتل الاسلام السياسي الشيعي ، احتجاجات وصلت الى حد الاعتداء بالأيادِ كما حدث عندما رفضت أن تُدنَس شوارع بغداد الحبيبة بصور الخميني ..
ولكن المستغرب أن أغلب نواب التحالف الوطني كانوا يهمسون بأذني سراً ليقولوا ( بارك الله بيك أستاذ حيدر !!! والله حجيت الي بگلوبنا ) وفي البداية كنت أستغرب ذلك وأعدها ازدواجية في المواقف و الشخصية ، التي كثيرا ما أنتقدها الباحث علي الوردي رحمه الله ، ، ولكن كلام أُستاذنا وشرحه لنا لمسألة السلوك والعقل الجمعي ، جعلنا ندرك إن أغلب نواب وسياسيّ التحالف الشيعي ، هم أسرى للسلوك والعقل الجمعي الذين ساهموا أصلا في بلورته وتنميته تحقيقا لمصالح سلطوية ،
وقد توج تأثير العقل والسلوك الجمعي عليهم في قضية الرواتب التقاعدية للمسؤولين ، فأغلب التحالف الوطني إن لم نقل جميعه قد صوت لصالح قانون التقاعد وامتيازات المسؤولين ، ولكنه سرعان ما نددوا بالقانون الذي صوتوا له ونكلوا عن عملية التصويت بعد إن كان هنالك سلوكا جمعياً قادته المرجعية رافضا لتلك الامتيازات ، مما دعاني في وقتها الى القول ( اذا كل التحالف الوطني لم يصوت فمن الذي صوت اذاً !!!!!!!!!!
كذلك يقودنا هذا الأمر الى التركيز والتمعن في ماهية الشخوص والأحزاب التي هبطت علينا من علياء الغربة فترسخ في عقلها الباطن انها لُفظت من مجتمع كان عقله الجمعي حينها قد رفضها ولفظها بعيداً بحجة خيانتها وعمالتها للوطن والأمة.
فساهمت هذه الشخصيات والأحزاب التي جاءت من خارج العراق بعد ٢٠٠٣ بخلق حالة العقل الجمعي المتخوف من عودة البعث ( ولذلك يجب ان نجتثه ) والخائف من السنة ( فيجب تشكيل مليشيات لصدهم ) وضرورة مجابهة حقد دول الخليج من خلال المزيد من الارتماء بأحضان ايران ، وكل ذلك لم يكن واقعيا وإنما جعلته احزاب الخارج واقعاً في عقول عموم الشعب من اجل خلق بيئة يستطيعون النفاذ من خلالها الى السلطة كون أغلبهم لم يكن معروفا لدى عموم الشعب العراقي ، وكأنهم نسو يوماً سيصبحون به أسرى لهذا العقل الجمعي الذي زرعوه في أرض العراق وفرضوه أمراً واقعاً علينا .
من كان يعرف جواد المالكي؟؟ على سبيل المثال ( الذي اتضح بعد مرور ثلاث سنوات إن أسمه الحقيقي نوري وليس جواد !!!!!)
من يعرف حينها ابراهيم الجعفري؟؟ ( بالمناسبة لقب الجعفري حركي وليس حقيقي ولكنه مازال متمسكا به )
من كان يعرف بيان جبر صولاغ؟؟ ( الذي لحد الان وبعد مرور ١١ سنة مازلنا نعرف أسمه الحقيقي هل هو بيان ام باقر؟ )
ولذلك كان السعي لزرع الخوف في عقول العراقيين بصورة عامة والشيعة بصورة خاصة ضرورة بالنسبة لتلك الأحزاب والشخصيات في هدفهم الساعي الى السلطة .
واليوم أصبح العقل الجمعي عبئاً على الحزب الحاكم ولا يمتلك القدرة والقابلية للخلاص منه .
عندما أصدر المرجع الديني السيد السيستاني فتوى الجهاد أول مرة ، خرجت الى الاعلام وقلت الفتوى غير صحيحة وممكن أن يستغلها البعض لإشعال حرب طائفية يذهب ضحيتها الدم العراقي ، وهذا ما دعا مكتب المرجع بإصدار ملحق للفتوى عالج من خلاله بعض ثغراتها، اقول اتخذت هذا الموقف كوني متحرر ولا اقبل أن أكون أسيرا لأحد ، ولكن السيد رئيس مجلس الوزراء مثلا كان رافضا للفتوى بل ومنتقدا لها ( وهذا ما سمعته منه شخصياً) وعدها استهانة بالدولة ، ولكنه لا يستطيع المجاهرة بذلك ، كونه يخشى العقل الجمعي ، الذي أصبح يقدس شيء أسمه المرجعية ، بغض النظر عن الموقف الذي تتخذه .
والأمثلة والشواهد تكاد لاتعد ولا تحصى حول تأثير العقل الجمعي على الحياة السياسية في العراق اليوم .
ولذلك ونحن ننشد ونترقب التغيير ، علينا أن ندرك إن تغيير المالكي لوحده غير كافي ، وعلى رئيس مجلس الوزراء القادم ، أن يبادر الى التصدي لتغيير المزاج العام وإنهاء مأتم زُرع في عقول الشعب طيلة السنوات الماضية من أوهام وأكاذيب ،
وأن يكون قائدا حقيقياً …يستطيع أن يقود لا أن يُقاد ..
وعليه ان يكشف زيف من كان يتحدث عن الفجوة والمخاوف بين الشيعة والسنة ، ومن كان يروج لأكاذيب ( ترة السنة قاعدة وبعثيين راح يذبحوكم ،،،، او ترة الشيعة كلهم عجم صفويين لازم انخلص العراق منهم ) كون كل تلك الأكاذيب كانت مدروسة من اجل التشبث بالسلطة ، فلا السنة قاعدة ولا الشيعة صفوين ، بل نحن شعب واحد متجانس ولكن لعن الله الأحزاب الاسلامية التي مزقت الدولة وفرقت الشعب من اجل مكاسبها السلطوية .