يتفق خبراء النظم السياسية على ان ابرز الحلول للازمات السياسية تظهر من متغيرات الوقائع على الأرض، ولحظات الازمة العراقية في تشكيل الحكومة المقبلة تبدو ممكنة الحل، وسط متغيرات تهديد دولة داعش للأمان الكردي النسبي، لاسيما بعد عمليات سهل سنجار والمواجهات الساخنة المتوقعة في غيرها من المناطق .
وكما هو حال التحالفات السياسية الهشة، تبدو افاق الهدوء المشوب بالحذر على حدود إقليم كردستان التي تطول حتى الف كيلومتر، فان عمليات سنجار الأخيرة تؤكد على ان هذا الهدوء قابل للانفجار مثل برميل بارود، يمكن ان يغير العلاقات المتناقضة بين بغداد واربيل.
وإذ تبدو ازمة العلاقة بين الإقليم الكردي والحكومة الاتحادية غير قابلة للحل وسط جدال محتدم على الصلاحيات بين الطرفين، فان التهديد المشترك لدولة داعش المتجددة ، وبوجود الضغوط الإيرانية والأميركية لفتح سبل التعاون الفعال بين قوات البشمركة والقوات الاتحادية النظامية، فان الرد الاولي لخبراء الامن المغردين في سرب حكومة بغداد، ترى بان هذه المواجهات “خدعة ” لاستحصال البشمركة على السلاح الأميركي كنسبة مستقطعة من التجهيزات العسكرية اتي تقرر واشنطن تصديرها للحكومة الاتحادية ، في مقابل وجهات نظر أخرى ترى ان تهديد داعش الواقعي للامان الكردي في سهل سنجار سيجبر ليس الاكراد فقط بل جميع الأطراف الإقليمية على التعامل مع هذا التهديد بموضوعية اكبر لتجاوز الخلافات مع بغداد من خلال تأجيل التعامل مع نظرية ” الهلال الشيعي” ، وما يحدث في لبنان نوعا من أنواع هذا الانتشار لتهديدات داعش ناهيك عن تقارير غربية تفيد بان أسوأ كابوس يمكن ان يتنشر وساط البطالة وفادي السكن في عواصم اوربية هو الدعوة للجهاد ضد حكوماتهم بالطريقة ايت يمكن ان تستورد من خلال عودة بعض العناصر التي جندت لقتال في العراق وسورية وهناك تقديرات أولية لمراكز مراقبة امنية غربية تقول بان هذا العدد يتجاوز الخمسة الاف مقاتل او يزيد !!
مشكلة الكثير من الجهات العربية والإسلامية ذات العلاقة بموضوع ظهور داعش ومن قبلها تنظيم القاعدة او جبهة النصرة ، في العراق وسورية ، تتمثل في عدم إمكانية الفصل ما بين المصلحة الوطنية كاستراتيجية عليا وبين التكتيك لمحاربة الإرهاب، مرة بكون العقيدة الدينية لهذه البلدان اما تقفد في خندق طائفي لا يمكن للساسة تجاوزه وفقا لعقيدة الدولة المذهبية ، ومرة أخرى لان هناك تشجيعا لظهور هذا النموذج من السلفية الجهادية تعبيرا عن اجندات سياسية معروفة ، ومرة ثالثة لأسباب مذهبية مضادة ، ولكن الحقيقة المطلقة التي تعصف بالإنسان العراقي ، الذي لم يعرف معنى الطائفية السياسية على الأقل في نصف القرن الماضي ،بانه اليوم مطلوب منه ليس فقط التعريف بهويته الطائفية تجاوزا لانتمائه الوطني بل ان يقف في الخندق المناسب لها والا فانه لن يتلقى الحماية المطلوبة في محيطه السكاني ، وهكذا يبدأ من جديد مسلسل النزوح والتهجير ، لكن بنماذج اقسى مما حصل عامي 2007 و2008 بعد تفجير المرقد العسكري سامراء ، لان هذا التجهير المتجدد يرسم جغرافية الطائفية السياسية للأقاليم العراقية المطلوب رسمها من قبل امراء الحرب وهم اليوم اكثر قسوة واعلى قدرة على الإطاحة باي قرار حكومي يمنع تداول السطلة خارج مؤسسات الدولة بعد ان اضحوا دولا داخل جسد الدولة المهترئ .
في ظل هذا الوقاع المتغيير ،لم ترتفع أصوات التخويف من السلفية الإسلامية في كردستان العراق مثلما هي في مرحلة التحضيرات التي تقوم بها حكومة الإقليم لشن حربها على تنظيمات داعش ، ويبزر في هذا السياق التحذير الذي اطلقه ملا بختيار القيادي في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقوله ” ان الفكر السلفي التكفيري لا يزال معشعشا في كردستان،وان المعلومات التي تتوفر لديهم تقول ان نحو 500 كردي من الاقليم التحقوا لحد الان بتنظيم (داعش)، معتبراً ذلك دليلاً على بقاء جذور الفكر السلفي التكفيري في الاقليم”.
يضاف الى ذلك ان ان قائد الكتائب الكردية في تنظيم (داعش) هو شاب من اهالي حلبجه التحق بتنظيم القاعدة قبل ثلاث سنوات في سوريا ولقب بـ”أبو أمين”، ورقي الى منصب امير على الكتائب الكردية لمعرفته بأصول الشريعة، لأنه كان ضمن مجموعات الشباب السلفيين في حلبجة، مؤكدة على ان الاجهزة الامنية تتابع الكرد الموجودين في تنظيم (داعش)، وان قيادياً اخر في مدينة الحسكة هو كردي من منطقة كرميان، فيما كشف مسؤول محور حمرين للاتحاد الوطني الكردستاني، ان بين مسلحي (داعش) في المنطقة العديد من العناصر الكردية.
والسؤال: كيف يمكن مواجهة التطرف السلفي في الإقليم الكردي ؟؟
الواضح ان الميول الكردية القومية القائمة على قبول جميع الأطراف باختلاف ميولها السياسية تحت هدف قومي شامل يواجه احتمالات الصراع الحزبي من جديد ، بما يذكر بسقوط هذا الصراع تحت جناح الحرب الاهلية من جديد كما حصل عام 996 ما بين حزب الرئيس طالباني ” الاتحاد الوطني الكردستاني” وحزب مسعود برزاني ” الديمقراطي الكردستاني” فانتهى الامر الى قبول فرضية التقاسم بالمناصفة للمناصب والموارد المالية في حكومة إقليم كردستان ، ولكن اليوم تأخذ هذه الصراعات نموذجها الفكري المعقد ، بظهور النموذج المتجدد للتنظيمات السلفية بعد ان تشكلت الجماعة في ديسمبر 2001 بعد اتحاد جماعة جند الإسلام بزعامة أبو عبد الله الشافعي مع حركة انفصلت من الحركة الإسلامية الكردستانية وكان زعيم هذه المجموعة المنفصلة هو نجم الدين فرج احمد الملقب بملا كريكار حيث يعيش في النرويج منذ 1991 كلاجئ سياسي.
وربما ابدأت بهذه الجماعات بالظهور في جبال كردستان الشرقية والتي عدت ملاذا امنا لتنظيم القاعدة ونقطة التقاء حدودية لمصادر التمويل بالأسلحة والرجال، وكان القبول الكردي بوجودها نوعا من التسهيلات للمخابرات الإيرانية بدخول وخروج عناصر تنظيم القاعدة عبر تلك المناطق الوعرة التي ضربتها الطائرات الأميركية بعد “تحريرها ” العراق عام 2003.
لكن خارطة برلمان إقليم كردستان تؤكد هذا الوجود” السلفي” كما هو حال برلمان بغداد الاتحادي، ومحاولة الحزب الإسلامي وغيره من التشكيلات السياسية ولعل “حماس العراق ” أبرزها، الفصل ما بين عقديتها الفكرية وتطبيقاتها السياسية تتعارض كليا ما بين المبادئ والتطبيق، الامر الذي يؤكد ان حسابات الحقل لا يمكن ان تتطابق مع حسابات البيدر الفكري دائما
مشكلة الجميع الان انهم على محك القبول بالمواقف الأميركية الداعية الى الإصلاح السياسي من خلال علمنه الدولة، وهي إجراءات مرفوضة عند جميع الأحزاب الإسلامية، شيعية كانت ام سنية، سلفية ام على مبدأ “ولاية الفقيه”، ومشكلة الجميع في كيفية إدارة معركة العقائد بينهم وبين ما يعرف بالخلافة الإسلامية التي دعت أئمة الجوامع لمبايعة خليفتها المنتظر !!