22 نوفمبر، 2024 11:46 م
Search
Close this search box.

السياسة … مرآة مقعرة

السياسة … مرآة مقعرة

تمثل السياسة  مجموعة من السلوكيات والأنماط النابعة من عروق المجتمع بهدف إدارة شؤون الناس و تدبير أمورهم بانسياب , وتعمل السياسة بشكل أساسي على تنظيم ثروات البلاد والمحافظة عليها بما يضمن  بناء الحياة وتطويرها .وهذا ما تقوم به سلطة الدولة حيت تمتد جزرها ..

كـ/ ظاهرة اجتماعية  ولا مكان لها خارج النظام الاجتماعي كما لا يستقيم هذا النظام ولا يستقر بدونها  وهي تعتمد في الأساس على رضا المحكومين بها وهذا الرضا هو الذي يؤكد شرعية السلطة ويمكنها من الوفاء بواجباتها  .

كـ/ ظاهرة سياسية  لكي تؤدي وظائف المجتمع  السياسي من الناحيتين الداخلية والخارجية  حيث أن السلطة السياسية تكون مسئولة عن كافة الشؤون التي تتعلق بالشعب والإقليم  .

 كـ/ ظاهرة قانونية لابد من سلطة قانونية تشرف على مؤسسات الدولة لبسط النظام فيها وتسيير شؤونها في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ,حيت يمثل القانون سلاح السلطة في حماية أمن المجتمع وتوجيهه نحو تحقيق أهدافه .

كما هو معلوم إن نظام الحكم في العراق ديمقراطي نيابي أي أن رأي الأكثرية يسري على الأقلية  ويلزمها وهذا أمر حتمي حتى لا يختل النظام في الدولة , لا سيما والديمقراطية تعمل على صهر النظام السياسي في بودقة النظام الاجتماعي حيث يكون الشعب هو مصدر السيادة والسلطة . وهو يحكم نفسه عن طريق ممثلين عنه في المطبخ السياسي أي ما يسمى( مجلس البرلمان ) حيث تشكل منه الدولة هيئتها من جانب كما ويحضر فيه مجمل القوانين والقرارات التي تهم الدولة من جانب آخر..

في الحقيقة استوقفتني بعض المشاهد الاجتماعية لما أرى من تطابق حيثي لها في المشاهد السياسية بحيث تبدو الأخيرة وكأنها صورة مكبرة من المجتمع  مما أمكنني التوصل إلى نظرية مفادها : السياسة …مرآة مقعرة                                     

·        في مطبخ بيتنا حدث ذات مرة بأنني أقبلت على تقشير الخضروات اللازمة لإعداد وجبة الطعام وإذا بوالدتي هلعت إلية مسرعة وصرخت بوجهي : من طلب منك فعل ذلك و بدون استشارتي  حتى ؟ عملتي هذا  كي تتباهي وتقولين أنا من أعددت الطعام ! وذلك على اعتبار إن المطبخ بمثابة مجلس الحكم لربة الأسرة حيث تقدم إلينا خدماتها وتعرض فيه أنشطتها وإبداعاتها بما تطيب له نفوسنا لكن بتفرد شبه تام بعيدا عن أيادي الجماعة .

·        في دائرة العمل لا أجد الموظفين يتناقشون بمضمون العمل  وسبل تطويره وإدارته بل أراهم  مهمومين في الشؤون المالية  فقط  ( رواتب سلف علاوات الخ… ) ويصرفون وقت العمل في الإجازات والعطل غير المبررة , ومن جهة أخرى نجدهم جميعا يحومون حول منصب المدير أو مسئول القسم لكنهم منشطرين إلى نصفين :كتلة المظلومين يستخدمون سياسة دس الدسائس ونصب المكائد لإطاحة بمرؤوسهم لكي يستبدلوه بآخر من صنفهم يكون أكثر مرونة وطراوة مع سياساتهم , في حين الكتلة الأخرى تسمى المستفيدين الذين يستخدمون سياسة التملق والتعتيم مع مرؤوسهم في سبيل نيل الرضا والمكاسب لتسيير أمورهم .

إذن تحجيم دور الآخر ومحاولة إقصائه والبحث عن المصلحة الشخصية والسعي للحصول على المال فقط  وتطنيش الحقيقة وتزييف الوقائع جميعها هرمونا ت اجتماعية محفزة على إفراز تلك  السلطة السياسية العقيمة المتناحرة على المناصب والمكاسب فيما بينها ,بفضل الأداء النيابي المتكتل على طبقة الحكم المتكون أساسا من العقلية الرجعية الراسخة في وضع المجتمع العام   الذي لا يميل نحو الكفاءة الفردية والحرفية المهنية بل يرجح نظام الجماعة وسيدها لذلك فهو يبدي صوته ويخول أمره إلى قادة سياسيين لا يمدهم إلى الولاء الوطني بصلة سوى إنهم يحملون ماركات سياسية توارثوها عن آبائهم وأجدادهم أما بسبب ما يملكون من عرق ديني أو تأريخ جهادي في قديم الزمان ,بحيث جاء هؤلاء النائمون للظهر وأسسوا باسمهم  كتل صغيرة وأخرى كبيرة جمعوا فيها بضع من مهرجين السياسة ليصعدوا على أكتافهم إلى قبة البرلمان وبالتالي حاصصوا مؤسسات الدولة فيما بينهم (فترى كل حزب بما لديهم فرحون ) واخرسوا القضاء وسيسوه وفق أهوائهم وفتحوا مدنهم للطامعين والأوباش أضفى بالنتيجة إلى سفك الدماء واستباحة الأعراض ونزوح الضحايا وتهجير الأبرياء وتهديم المعالم الحضارية وسرقت الكنوز النفطية والأثرية إلى ما وراء الحدود ,حتى أمسى المواطنون والمواطنات في العراق الجديد يعيشون على أمل أن تظهر وجوه وطنية صالحة تستطيع أن تنشل أشلاء الوطن وترمها من جديد…

(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

أحدث المقالات