عندما ظن العراقيون أن أمريكا أتت لهم بالديمقراطية بعد غزوها عام 2003 وأن هناك نظاما جديدا برموز جديدة وسياسيين جدد أتوا مع الاحتلال وبعده وبعد أن أجريت أول انتخابات ثم استفتاء حول دستور ما ثم انتخابات ثانية، تبادر لأذهان البعض أن الانتقال الديمقراطي قد بدأ بالفعل بالرغم من بعض الهفوات التي اعتبرت طبيعية في بلد عانى من أنظمة عسكرية شبه دكتاتورية ومنذ عام 1958 لغاية 2003. فالدستور من ديباجته لغاية آخر مادة فيه كان غامضا ومثيرا للجدل كما ان الانتخابات الاولى والثانية أتت وبقدرة قادر بنفس الحزب ولكن بوجوه كالحة مختلفة، وكأن ديمقراطية الاحتلال أصبحت ديمقراطية الحزب الواحد وكأنه لا حزب ديمقراطي في (العملية السياسية) المستوردة سوى حزب الدعوة المعروف بتاريخه ومكان تأسيسه وقادته المؤسسين وتبرؤ السيد محمد باقر الصدر منه وكثرة انشقاقاته وانشطاراته وتنوع تبعيته ومدى عراقته بالعمالة والإجرام على مدى سنوات وجوده وعملياته الارهابية وتفجيراته في بغداد وبيروت والكويت وغيرها. فهذا الحزب الذي تأسس ايرانيا وعلى أسس طائفية بحتة لا علاقة لها بالوطن او الوطنية غدا بعد الاحتلال حزبا مزدوج الولاء والتبعية فكان خيارا ايرانيا أمريكيا بامتياز وتبينت هذه الحقيقة في الانتخابات الثالثة التي جرت عام 2010 والتي فازت بها القائمة الوطنية العراقية ولكنها مع ذلك تعرضت لضغوط من دولتي التحالف الاحتلالي أمريكا وإيران لتأتي مرة ثالثة بنفس حكومة الحزب الواحد ونفس الوجه الكالح المختار من قبل هاتين الدولتين ليكون بحق مختارا لعصر ديمقراطية الضغوط الاحتلالية.
ولم يجد العراقيون من تلك الحكومات أية ممارسات شبيهة بالديمقراطية المزعومة انما كانت السلطة الحاكمة تتصرف بدكتاتورية الحزب الواحد باسم الطائفة الواحدة بدعوى أنها حكومة منتخبة، وكأن الناس أنتخبوها (إن فعلوا حقا على افتراض عدم وجود التزوير الفعلي والتأثير الكهنوتي) لتكون نظاما دكتاتوريا للحزب والطائفة، تتصرف بالعراق وثرواته كيفما اتفق دون اية رقابة نيابية او رادع من هيئة نزاهة مستقلة او قضاء مفترض الاستقلالية. فزاد الفساد والإفساد ونهبت أموال الشعب العراقي وثرواته وتشكلت مؤسسات الدولة المزعومة على اسس طائفية حسب هوية الحزب الحاكم فالجيش مليشياوي التأسيس والبرلمان المنتخب على مبدأ الواقع الافتراضي ايضا كان ضعيفا وعديم الفعالية والتأثير وغالبا ما تم تجاهله من السلطة التنفيذية الحاكمة. بل ان هذا البرلمان كان عنصرا آخر للإفساد ومطبخا للفوضى السياسية. وهكذا كانت كل المؤسسات التي قامت عليها دولة الاحتلال فلا نزاهة حقيقية ولا مفوضية انتخابات ولا قضاء مستقل عادل ولا حقوق انسان ولا اهتمام بالشعب ومعاناته بل ابتكرت وسائل لا حصر لها لخداع هذا الشعب المبتلى وممارسة النصب والاحتيال عليه وانتهاك حقوقه وحرماته وزادت السجون والمعتقلات السرية والعلنية، الرسمية وغير الرسمية وغصت بالأبرياء من المعتقلين والمعتقلات ظلما وعدوانا ومورست انواع الاضطهاد والتعذيب الوحشي والقتل الممنهج بحقهم، والحجة التبريرية لذلك هي بدعة (مكافحة الإرهاب)!!… وكان دليلهم على وجود هذا الارهاب هو التفجيرات التي تقتل المواطنين بالجملة في كل انحاء البلد والتي لم تنقطع او تتوقف طيلة السنوات العجاف التي تسلطت فيها حثالات الاحتلال هذه، والتي انكشفت لاحقا على أنها تفجيرات مفتعلة من قبل سلطة الخسة والعمالة فمعظم الوحدات العسكرية والأمنية تبين أنها تحتوي على معامل لصنع العبوات الناسفة المستخدمة في هذه التفجيرات كما تأكد مؤخرا بعد انهيار هذه المؤسسات وسيطرة ثوار العشائر ومجاهدي الشعب عليها. فكان واقعا أن حاميها حراميها بل قاتلها وسفاحها بكل جبن وغدر وعهر وخيانة للأمانة.
فضج الشعب وضاق ذرعا بممارسات السلطة الحاكمة وتخريبها المتعمد ولصوصيتها العلنية وقمعها الوحشي وانتهاكها لكل الحرمات وعمالتها المفضوحة… فكانت التظاهرات والاعتصامات السلمية لأكثر من عام وصبر العراقيون بكل جلد كل تلك الفترة التي برهن فيها الشعب العراقي بأنه أكثر ديمقراطية من سلطة الفشل والإجرام وأكثر رقيا في اسلوب تعامله مع السلطة التي قمعته بكل حقد ونذالة… فكان رد السلطة على هذا الفعل وعلى المطالبات المشروعة بحقوق كل العراقيين هو ارتكاب المجازر وإطلاق تصريحات طائفية رعناء واتهامات ممجوجة باطلة وتهديدات بالويل والثبور لمن يعترض على هذه المسيرة التدميرية التخريبية. فتارة توصف الاعتصامات السلمية بالفقاعة وأخرى تهديد ببحور من الدم وأخرى اتهامات بالإرهاب والبعث وداعش وتارة بأنهم قتلة الحسين (ع) وأن سلطة الدعارة والفساد والظلم هم معسكر الحسين، وكل الشعب العراقي المنتفض هم معسكر أعداءه… وهكذا تقلب الحقائق رأسا على عقب فالظالم يدعي أنه من معسكر المظلوم والمظلوم يتهم بالإرهاب الذي تقوم به السلطة وأجهزتها الامنية من تفجيرات ما فتأت تزهق أرواح العراقيين دون ازلام النظام ومطاياه… أما داعش وما أداراك ما داعش… فقد استخدمت من قبل ايران والتحالف ألاحتلالي لتشويه ثورة الشعب العراقي كما استخدمت في سوريا لتشويه ثورة أحرارها.. اضافة لتشويه الاسلام وإظهاره بدين التخلف والممارسات الوحشية الشاذة بتعمد وسبق اصرار فاضح لا يتناسب مع واقع الاحداث، فالخلافة المزعومة تعلن غلى عجل وفي غمار وذروة المعارك التي لم تحسم بعد، وتهديم المساجد يتم قبل بسط السيطرة التامة على زمام الامور، وتهجير المدنيين بضمنهم المسيحيين والضجة المفتعلة والغيرة المزعومة على إخواننا المسيحيين كانت حركة مكشوفة للصهاينة وأعداء الاسلام لزرع الحقد والفتنة بين ديانتي الاسلام والمسيحية وادعاءات ختان النساء ونكاح الجهاد لم تكن سوى افتراءات وبهتان مبين القصد منها الاساءة للإسلام الحقيقي ومبادئه السامية السمحاء.
قد تنطلي تلك الاكاذيب الاعلامية والاتهامات الباطلة على بعض الناس (خاصة منهم الجهلة والسذج المغرر بهم)، لبعض الوقت …. ولكنها لا يمكن أن تنطلي على كل الناس كل الوقت. فبعد أن تطورت الاحداث في المنطقة وكشفت حقائق في الاعلام العالمي مثل تصريحات (ادوارد سنودن) العميل الهارب في وكالة الامن القومي الامريكية بأن داعش هي صنيعة لثلاثة مخابرات دولية (الامريكية والبريطانية والاسرائيلية) – مع عدم تجاهل الدور الايراني في استغلالها- وكما يظهر في الرابط التالي:
http://goingglobaleastmeetswest.blogspot.ca/2014/07/snowden-isis-leader-al-baghdadi-is.html
فاليوم وبعد أحداث غزة وجرائم الكيان الصهيوني ضد المدنيين العزل يبدو واضحا الفرز الواقعي الحقيقي للمعسكرات المتقاتلة، فالشعوب العربية المنتهكة حرماتها (الفلسطيني والسوري والعراقي) والثائرة والمقاومة للاحتلال والتعسف في معسكر واحد شديد الوضوح، وأعدائهم في المعسكر الآخر غدوا معروفين ومعلومين لكل أعشى أو حتى فاقد للبصر والبصيرة وهم الحلف الصهيو-أمريكي-الصفوي وعملائهم المأجورين في نظامي الفشل والفساد في سوريا والعراق المحتل. فقد أظهر الله سبحانه جلت قدرته وبوضوح تام كل من الطيب والخبيث وفرز زبد البحر عن ماءه الخالص النقي وكما في قوله عز وجل (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) … فمهما بلغت قوة الباطل وجبروته ودعايته التضليلية فلا بد للحق أن يظهر ويعلو ولا يعلى عليه. فالباطل من الشيطان و (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) والحق من الحق تبارك في علاه (قل جاء الحق وزهق الباطل وما يبدئ الباطل وما يعيد) و (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)………. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يـعـلمـــــــون. فمن يختار غير سبيل المؤمنين فلا يلومن إلا نفسه …. والله خير الشاهدين.
فاعتبروا يا أولي الألباب.