شكلت معادلة الحق والباطل والخير والشر ثنائية أزلية ،ولدت صراعا اخذ اشكالا عدة ، وتبادل الناس فيه الادوار والمهام تبعا لطبيعة وشكل هذا الصراع ، والذي ساهم في اعطاء زخم معنوي لديمومة واستمرار الحياة ، منذ ان صرع قابيل اخيه هابيل ، طلبا للدنيا وملذاتها ..وظهرت الديانات السماوية كضرورة تاريخية وانسانية لتأصيل نهج الخير والحق والعدل وكل القيم النبيلة والسامية ، مقابل رغبات الانسان وطموحاته الغير مشروعة ، والتي هي الركيزة الاساس لكل خطيئة ارتكبت على هذه الارض ، ولأشاعة روح السلام والتاّخي ونكران الذات في مابين الناس بعد ان سحقتها الانا ..فكان الاسلام فكرا ونهجا خير ما مثل هذه القيم السامية النبيلة ،بغض النظر عن ما شاب تاريخه وتراثه من تشويه للحقائق وانحراف وتدليس دسته المنظومة الحاكمة للدولة الاموية والعباسية في هذا الدين الحنيف ، خدمة لمصالها الشخصية الانية ..فأنشأت دين جديد لايحمل من الاسلام غير الاسم ، وبدء هذا التحول الخطير في مفاهيم الدين منذ خلافة معاوية بن ابي سفيان 41 هجرية ، الذي أستهل حكمه بالدم وتسليط سيفه على رقاب المسلمين ، فكان اول ضحاياه الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي الذي قال فيه الحاكم النايسبوري في المستدرك على الصحيحين ..( كان حجر بن عدي راهب اصحاب محمد (ص) ) .. والذي كان موقفه المبدئي اتجاه السلطة الغاشمة يمثل تجسيدا لأزلية الصراع بين المثل العليا والانحطاط ، فيذكر الطبري في ( تاريخ الامم والملوك الجزء الخامس ) ..ان معاوية بن ابي سفيان امر واليه على الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد بأرسال حجر بن عدي وثلة من اصحابه الى مقر الخلافة في الشام ، بعد ان رفض الاخير البراءة من علي بن ابي طالب (ع) ، وقبل وصوله الى دمشق امر معاوية جلاوزته بقتله في منطقة يقال لها مرج عذراء .. وجاء في رواية المرزباني الخرساني بكتابه (مختصر اخبار شعراء الشيعة ) ..ان حجر بن عدي قدم ابنه بين يدي الجلاد ليقتل قبله خوفا من يحس بحرارة السيف فيبرء من علي بن ابي طالب (ع) ..ويذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب الجزء الثاني ان ام المؤمنين عائشة قد وبخت معاوية على فعلته هذه بقولها له ..(اين ذهب حلمك من حجر بن عدي فقال لها ..لم يحضرني رشيد )…ويذكر الشيخ عبد الكريم الخطيب في كتابه (علي بقية النبوة وخاتم الخلافة ان مفتي الازهر محمد شلتوت قال (ثلاثة من الموبقات لمعاوية ،محاربته لعلي وقتله لحجر بن عدي وتولية ابنه الفاسق يزيد على رقاب المسلمين)..ويعلق الشيخ عبد الكريم الخطيب على معنى الموبقة بقوله (الموبقة هي الخطيئة التي تكب صاحبها على وجهه في النار )..ثم اكمل معاوية مسلسل الدم بأرساله بسر بن ارطأة الى المدينة لقتل شيعة علي على الظنة ..كما ذكر السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه الفصول المهمة ..(دخل بسر بن ارطاة الى مدينة رسول الله (ص) ..فهدم بيوت لشيعة وقتل من قتل ثم قال لولا وصية معاوية لما ابقيت محتلم فيها قط)..ان استهداف معاوية بن ابي سفيان لمحبي علي بن ابي طالب (ع) الغرض منه هو اجتثاث هذا النهج المحمدي الاصيل الذي سعى هو لتحريفه وتشوييه ليسهل له السيطرة على رقاب المسلمين والتحكم بمقدراتهم ..وعلى اساس هذا النهج المنحرف شكل الامويين منظومتهم الدينية والفقهية والاخلاقية التي حمكوا فيها الامة الاسلامية ، فأنتجت فرقا ومذاهب ساهمت في تخلف المسلمين وأشاعة نزعة القتل والغدر والاقصاء، صبغت تاريخنا بالدم والمظالم ، فجاء ابن تيمية بعد سبعة قرون من هلاك معاوية ليتبنى هذا الفكر الضال ويضع منهاجه الذي اسماه (منهاج السنة )..وهو لايمت باي صلة لسنة محمد (ص) بل هو منهاج معاوية ليؤسس لاسلام جديد لايعرف غير لغة التكفير والاقصاء والقتل ..وفي كتابه (بيان الفرقة الناجية )..نجد انه كفر فيها الامة باسرها عدى اتباعه ..فأحل قتل الشيعة وسلب اموالهم وسبي نسائهم ، واعتبر اهل السنه من اشاعرة وماتوردية وصوفية على ضلالة وانحراف ..فأحدث شرخا كبيرا في وحدة المسلمين فرخ بعد خمسة قرون اسلاما غريبا على المسلمين نهجا وقولا وتطبيقا صنعته دوائر الاستكبار العالمي لشق وحدة المسلمين ، وهو الفكر الوهابي السلفي الذي احيا فيه مؤسسه محمد عبد الوهاب سنة الجهاد لكن هذه المرة على المسلمين انفسهم فاستباح فيه الحرمات وهدم المقدسات .. ليتجذر هذا الفكر في مغارات تورا بورا ومعسكرات كويتا الباكستانية وبرعاية واشراف امريكي مباشر فينتج (السلفية الجهادية )..وما نراه اليوم من الافعال التي تقوم بها داعش وجبهة النصرة في العراق وسورية ، من هدم للمساجد ومقامات الانبياء والكنائس وجرائم قتل وذبح وتهجير يندى لها جبين الانسانية ما هو الا تجسيد لاسلام معاوية ..وان اليد التي امتدت على قبر حجر بن عدي ونبشته بعد هدمه هي نفس اليد التي قطعت رأسه قبل اربعة عشر قرن ..فالقوم ابناء القوم ،وما يحدث اليوم في مدننا المستباحة من قبل هذه الجماعات المتطرفة ماهو الا تعبير عن مدى ضئالة وانحطاط هذا الفكر واشارة واضحة على طبيعة اسلامهم الذي يؤمنون به ..وبالمقابل نجد ان الشرفاء من ابناء العراق بسنتهم وشيعتهم يقفون في الخندق المقابل ليصدوا هذه الهجمة البربرية مضحين بأرواحهم واموالهم من اجل تحقيق هذه الغاية النبيلة ..ومدن الوسط والجنوب تفتح ذراعيها لاستقبال النازحين والمهجرين ليحلوا ضيوف كرام على اهلها ، على الرغم من العوز وقلة الخدمات التي تعانيها هذه المدن ، لكنهم ابوا الا ان يتقاسموا رغيف الخبز مع اخوتهم في الدين والوطن ، وهذا هو اسلامنا ..اسلام محمد (ص) وعلي وعمر ، لا اسلامهم ..اسلام معاوية وابن تيمية ومحمد عبد الوهاب .