العراق الجديد أنجب رجال سياسية جدد، ورغم ان اكثر هولاء السياسين كانوا يعيشوا حياة المهجر مرة ، والمعارضة مرة ثانية ، ولكن الغريب في الامر شيئين :-
الاول : لم يظهر لنا رجال المعارضة الأوائل الذين كانوا بحق حريصين اشد الحرص على مستقبل العراق وشعبه وكان لهم الموقف الرسمي من جميع المواقف المعادية للشعب العراقي والمساندة لحكم البعث آنذاك .
الثاني : انهم عكسوا صورة سيئة للغاية للإسلام من جهة والأحزاب الذين يمثلونها وطبيعة تعاطيهم السيء مع الواقع الاجتماعي للشعب العراقي .
حزب الدعوة عكس صورة سيئة لهذه الأحزاب ، كما انه عكس تاريخا مليء بالمتناقضات والسلبيات في تاريخه ، اذ نجد ان كبار علماء الدين تركوا هذا الحزب بعد ان انكشفت أفكاره التي كانت غير واضحة وتشوبها الكثير من علامات الاستفهام في التعامل مع قضايا الامة الاسلامية .
بعد سقوط النظام لم يكن هناك بروز لحزب الدعوة على مستوى العمل السياسي بل كان الشخصية الأبرز على الساحة السياسية هو السيد محمد باقر الحكيم (رحمه) والذي كان الخيمة التي جمعت كل شخصيات المعارضة ليست الشيعية فحسب بل كل المعارضة في الخارج ، ليؤسس بعد ذلك بتشكيل سمي بالمجلس الاعلى ، وأصبح نواة العمل السياسي في الخارج ، وأصبح الممثل الأبرز للمعارضة امام المحافل الدولية .
بعد سقوط النظام البائد لمع نجم حزب الدعوة كمنافس للمجلس الاعلى على الساحة السياسية ، بعد ان كان الحاضن والراعي للعملية الاساسية ، ناهيك عن العداء الذي كان يكنه التيار الصدري للمجلس الاعلى ، والوقوف بوجهه طيلة تلك الفترة ، اذ كان يعتبر المجلس الاعلى عدوا مفترضا في كل الأماكن والمواقع ، وضربت مقرات المجلس الاعلى في اكثر من مرة وفي اكثر من مكان .
هذا العداء بين الطرفين ، والذي استغله حزب الدعوة جيدا في بروزه على الساحة السياسية ليكون ندا قويا وينافس الآخرين في السلطة ، وكلنا يعرف ظروف اختيار الجعفري رئيساً للوزراء امام منافسه عادل عبد المهدي ولولا أصوات التيار الصدري التي كانت للجعفري على أساس تفاهمات وتنفيذ مطالب امام عبد المهدي الذي لم يعد احدا بشي ، سوى انه سيكون وفق الدستور والقانون .
المفاجأة كانت بعد المواقف الرافضة للسيد الجعفري إبان انتخابات ٢٠٠٦ لإعادة انتخابه رئيساً للحكومة ، واتهامه بإثارة الطائفية بين المكونات السياسية ، الامر الذي جعل الكتل السياسية ترفض تولي الجعفري رئاسة الوزراء ، وهنا ظهر البديل المفاجأة الأ وهو المالكي الذي كان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس النواب آنذاك ، وبرز نجمه كبديل عن الجعفري ،ليبدأ مرحلة ثانية في تاريخ العراق الجديد كانت الأسوء في تاريخة منذ تأسيسه .
ابتدأ السيد المالكي حكمه بضرب حليفه الاستراتيجي التيار الصدري ، وشن عملية كبيرة جدا سميت “صولة الفرسان ” في جميع محافظات العراق ، راح فيه العشرات من الضحايا ، فبدا مسلسل المواجهة مع التيار الصدري وإنهاء نفوذه السياسي.
المالكي اختار عدوا اخر له ،وهو المجلس الأعلى والذي سعى الى إنهاء اي دور سياسي له وان يجعله احد موسسات المجتمع المدني ، وأبعاده عن اي دور في العملية السياسية، كما ان مرض السيد عبد العزيز الحكيم الأثر الأكبر في تراجع اداء المجلس الاعلى ، ناهيك عن الظروف الاخرى التي جعلت المجلس الاعلى يتراجع في الأداء السياسي في البلاد .
كان المالكي يسعى الى بناء منظومة متكاملة في السلطة ويكون هو على راس هذه المنظومة ، والتمهيد لتغيير الدستور وأعلان النظام الرئاسي ليكون بذلك بداية التسلط وبناء ديكتاتورية جديدة في العراق يحمل لوائها المالكي وحزبه .
السيد المالكي في تعاطيه مع الملفات والكتل يستخدم أسلوب الاجندات ، ويوحي للآخرين ان هناك أجندة هو من يقودها وينفذها ، ناهيك عن الملفات التي يملكها لبعض السياسيين ، الامر الذي جعل موقف الطرفين قائم على أساس ضعيف يقوم على الانتفاع المتبادل دون النظر الى مصلحة العملية السياسية والمشروع الوطني .
المالكي برغم نشاطه السياسي المبكر الا انه اخترق جميع الآدبيات والسياقات السياسية ، وشكل محوراً خطيرا على المشروع الوطني والعملية السياسية ، فالازمات مشروعه والصراعات أجندته حتى وصلت الحال الى ان يكون العراق في مهب الريح في اكثر من أزمة ألمت به في طل حكومة فاشلة فاسدة ، ووزارات بلا وزراء ، ودولة يحكمها الأطفال والصبية والمراهقين والبعثية الذين اوغلوا في قتل الشعب العراقي تقتيلاً وذبحا ً.
الأزمة الاخيرة كشفت حجم التامر الذي يقوده المالكي على العراق وشعبه ، وتسليمه البلد للإرهاب في حال لم يتسلم ولايته الثالثة ، والتهديد بأكثر من مناسبة اما انا او الطوفان من بعدي .
واقع فاسد ومولم جدا يعيشه العراق اليوم ، فثلاث محافظات سقطت بيد الارهاب الأسود والتحالف البعثي الإرهابي الذي تشكل من ١١ تشكيل إرهابي في إسقاط محافظات مهمة واستراتيجية أهمها الموصل لتبدأ مرحلة جديدة في العراق الجديد، عراق المالكي ودولة القانون .
أمام هذا المشهد المأساوي الذي يعيشه الداخل العراقي والمفتوح على كل الاحتمالات ، مما يتوجب على الدول الإقليمية النظر لمصالحها الخاصة من خلال تدخلها المباشر لصالح قوة أو فئة يتم الرهان عليها في حمايتها لمصالحها بظل حالة التشرذم والتفتت الذي يعيشه العراق وبظل الهيمنة والسيطرة المفروضة عليه من قبل الأجندات الإقليمية ، والسعي إلى رفع شعار الوطن والمواطن لا شعار الحزب أو الكتلة ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العملية السياسية ، ومحاسبة المقصرين الذي أرادوا الشر بالعراق وأهله .