حديث الدكتور فؤاد معصوم امام الرلمان عن نفسه يوم انتخابه رئيسا للجمهورية كان عاديا ومقتضبا كونه كان يسرد سيرته الذاتيه ببساطة . لكنه عندما تحدث عن بدايته السياسية حينما كان مراهقا ملئه الزهو والفخر وامتلأ وجهه حمرة وهو يقول انتميت الى الحزب الديمقراطي الكردستاني وانا في عمر الرابعة عشر وازداد فخرا وزهوا وهو يقول شاركت في تاسيس الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975 وناضلت الى جانب رفاقي في هذا الحزب الذي يقوده المام جلال ، شعرت وكان التاريخ يمر على شكل فلم سينمائي من امام عيني هذا الرجل الذي يعيش في الخريف السادس والسبعين من عمره وحينها شعرت بالغيرة والحصرة والقهر والخجل ليس على نفسي فقط وانما على جيل كامل لان لا احد منا ان سنحت له الفرصة عند الكبر ان يتحدث عن نفسه سواء كان امام جمع من الناس او امام ابناءه او احفاده او وهو يكتب مذكراته ان يتحدث بهذا الطريقة و يملئه الزهو وهو يتحدث عن حزب قد انتمى اليه وناضل معه بشبابه او نهج سياسي قد تبناه بسبب انتماءه لهذا الحزب او ذاك .
كلمات رئيس الجمهورية هذه جعلتي افتح مع نفسي ملف الاحزاب السياسية المتسيدة اليوم للمشهد السياسي العراقي حيث يشكل الانتماء اليها من لدن شبابنا المثقف اشبه بالعار ان لم يكن العار نفسه ولا يشكل الانخراط في صفوفها مدعاة للفخر ولا يعدو الا كونه وسيلة للحصول على وظيفة او عقود وصفقات اقتصادية او للحماية من اي استبعاد قد يطاله ان كان في منصب وظيفي او عسكري .
ولذلك فلا اعتقد ان هناك ممن ينتمي اليوم الى هذه الاحزاب لاسباب ايدلوجية او قيمية او ايمانا بمشروعها السياسي اللهم باستثناء عوائل الشهداء لانهم يملكون ارثا من التضحية قدموه قربانا لهذا الحزب ولا يمكنهم التنازل عنها بسهولة .
وبالاضافة الى ما تقدم فان النظرة من الخارج الى هذا الاحزاب تبدوا انتهازية ونفعية من الجانب السياسي تقتات على الطائفية والقومية وتفتقر للوطنية وليس لها مبادئ بل ان الجمهور يحملها مسؤولية الدماء التي سالت نتيجة للنزاعات الطائفية والقومية التي شهدتها البلاد منذ انهيار النظام المقبور عام 2003 ومنذ تلك اللحظة وهذه الاحزاب دقت اسفين الا علاقة بينها وبين الشعب كما ان هذه الاحزاب في كل موسم انتخابي تتحول الى اسمالك كبيرة تقتات على الاسماك الصغيرة عندما تستقطب احزاب نكرة او حديثة النشوء الى قوائمها الكبيرة طمعا بعشرات الاصوات التي ستحصل عليها اشباه الاحزاب هذه يوم التصويت حتى اننا نفاجئ في التسجيل لخوض الانتخابات وجود اربعمئة حزب او اكثر تعمل في العراق وهو رقم يثير الذهول ولا يوجد نظيره حتى في الهند .
اما تنظيميا فتبدو احزاب العراق السياسية كارتلات عائلية او تشكيلات (مهلهلة) او تنظيمات مبهمة .
فالكارتلات العائلية يسودها التوريث والهيمنة على ممتلكاتها المادية ولا يسمح بتراسها من غير ابناء العائلة المهيمنة وبدء هذا ينجر على الاحزاب الكردية العريقة المعروفة بلبراليتها رغم توجهها القومي وهذا واضح من دخول ابناء المام جلال والسيد البارزاني على خط القيادة وتأثيرهم بقراراتها .
او انها مهلهلة فهي احزاب مرتبطة باشخاص ان زالوا زالت معهم كما في حركة الوفاق والمؤتمر الوطني العراقي والدليل على ذلك تبخر حركة الديمقراطين مع مغادرة عدنان الباجة جي الذي يتزعمها المشهد السياسي .
او تجدها احزاب مبهمة وضبابية رغم سطوتها في القرار السياسي فلا يعرف الجمهور من هم مفكروها السياسيون او مكتبها السياسي وكيف تم انتخابهم وماهي اليات المنافسة على زعامة الحزب وكيف يقدم مرشحيه للانتخابات .
وهناك احزاب انتجتها ظروف الوجود الامريكي في العراق وتبنت حمل السلاح وتجد اليوم صعوبة في الانخراط بالعمل المدني سيما من قبل قواعدها الشعبية ولم تضع في ادبياتها كيف يمكن معالجة هذه المشكلة .
وقبل هذا كله لم تفصح هذه الاحزاب عن رؤيتها او مشروعها لبناء الدولة وما هي هوية الدولة التي يحكمونها هل يريدونها اسلامية ام مدنية اشتراكية ام راسمالية وغياب هذه الرؤيا انعكس على الدستور الذي اظهر العراق بلد مكونات فيها اراض يتنازعون عليها يعتمدون الاسلام في تشريعاتهم مراعين عدم ( زعل ) الديمقراطية .
هكذا ارادتها الاحزاب الاسلامية التي تجد ولائاتها العقادية تتقدم ولائاتها الوطنية خصوصا وان هذه العقائد عابرة لحدود الدولة .
وامام هذه الصورة فنحن جيل لا يملك احزاب تنمي قدراتنا الفكرية وتجذر روح المواطنة في داخلنا فترانا لانملك في خلفياتنا التاريخية السياسية ما يملكه فؤاد معصوم .