19 ديسمبر، 2024 7:36 ص

لعبة احتلال العراق وتقسيمه!

لعبة احتلال العراق وتقسيمه!

نعم كان أحتلال العراق لعبة! وأية لعبة لعبتها أمريكا ومعها دول الغرب ودول الجوار والدول الأقليمية للعراق بكل مكر وخبث وحقد، نعم أنها كانت لعبة وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق(بوش الأبن)! عندما أسقط الجنود الأمريكان تمثال الرئيس السابق (صدام حسين) في ساحة الفردوس(the game is over now) ومعناها (الآن أنتهت اللعبة!). ولكن أرى ومن وجهة نظري أن اللعبة لم تنتهي! بل هي قد بدأت! وأن ما قصده الرئيس (بوش) كان أنتهاء لعبة القضاء على صدام ونظامه بعد أن كان عميلا لهم!! والتي بدأت فصولها منذ منتصف ستينات القرن الماضي عندما كان لاجئا سياسيا في مصر برعاية وأشراف المخابرات الأمريكية!! وهذه الحقيقة يعرفها الجميع ولم تعد سرا وأكدها وذكرها الكثير من الكتاب والسياسيين والرؤوساء ومنهم الرئيس المصري الراحل (جمال عبد الناصر)!. ثم بعد ذلك بدأت لعبة تفتيت العراق وتمزيق نسيجه الأجتماعي وتحويله الى ساحة حروب وتصفيات عربية وأقليمية ودولية، وبيئة للأمراض والجهل والتخلف والطقوس الدينية ومكب لدفن المخلفات النووية التي تعد السبب الرئيسي للأصابة بمرض السرطان!، وجعل العراق عنوان كبير وعريض للسرقة والفساد والفاسدين، حتى بات يتصدر قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم في كل تقييم سنوي من قبل المنظمات العالمية المختصة. نعم أنها كانت لعبة خبيثة قادتها أمريكا لتحطيم العراق وشعبه، عندما خدعوه بديمقراطية وحرية كاذبة! مستغلين خلاصه بعد 40 عاما من قبضة واحد من أكثر الأنظمة دكتاتورية وأستبداد في العالم.نعم أنها كانت لعبة عندما خدعوه بكتابة دستور يعد واحد من أسوء الدساتير في العالم، حيث تسكن الشياطين! كل فقرة من فقراته وبنوده. نعم انها كانت لعبة عندما خدعوه بالفدرالية التي دقت أول مسمار لتقسيم العراق، لا سيما وأن تاريخ الكورد معروف بالرغبة بالأنسلاخ من العراق وتحقيق حلم أقامة الدولة الكوردية منذ بداية القرن الماضي!. نعم أنها كانت لعبة عندما خدعوا الشعب بالحكومة التوافقية بين الأحزاب السياسية، وفي حقيقتها لم تكن ألا محاصصة طائفية وسياسية دمرت البشر والحجر على السواء!،وجعلت الطريق سالكا لوصول المنافقين والسراق واللصوص والمزورين وأنصاف المتعلمين ومثلهم من المثقفين والفاسدين والطائفيين والجهلة والعشائريين. ومن الطبيعي أن صعود مثل هذه الطبقة الفاسدة التي ملئت كل دوائر الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية لا يكون ألا على حساب أبعاد الشرفاء والوطنيين والذين يحبون العراق بصدق وأخلاص من مدنيين وعسكريين، وأقصائهم تحت حجج سياسية وطائفية وأيضا بالتصفيات الجسدية!.نعم أنها كانت لعبة عندما جعلوا

نظام الحكم برلمانيا وليس جمهوريا، الذي أثبت فشله الكبير والذي تصر الأحزاب الكبيرة والمتنفذة على بقائه لضمان بقائها في السلطة!. ولابد لنجاح مثل هذه اللعبة الرهيبة والتدميرية هو وجود أعداء من الداخل ومع الأسف كم كانوا كثيرين!! ،أن كانوا سياسيين أو أناس عاديين مدنيين أم عسكريين، أن كانوا من العرب أو من الكورد أو بقية القوميات الأخرى شيعة كانوا أم سنة. ولأن هذه اللعبة الدولية الرهيبة التي جندت لها أمريكا كل أمكانياتها السياسية والأعلامية والعسكرية والأمنية والمخابراتية حتى وصلت كلفت تدمير العراق ووصوله الى الفصل الأخير من نهاية لعبة التقسيم قرابة الترليون دولار!! تقوم على أساس تمزيق نسيجه وبنيته الأجتماعية، فكانت أحداث السنوات ال(14) التي مرت على العراق بكل تفاصيلها السياسية والأجتماعية والطائفية والأمنية كافية لتمزيق النسيج الأجتماعي والأخلاقي والتربوي والديني والمذهبي والطائفي للعراق. فبعد أن كان العراق معروف بتنوعه الديني والقومي والمذهبي الذي كان أشبه بشدة الورد، وبعد أن كان بيت أبن الأنبار والموصل والفلوجة ملاذا آمنا لأبن العمارة والناصرية والنجف وكربلاء!، أنقلبت هذه الصورة الأجتماعية الأنسانية الجميلة الى صورة مغايرة تماما تحمل كل معاني الكره والحقد والثأر!، فصار أسم بيجي والشرقاط والأنبار وتكريت والموصل بقدر مايثير القرف لدى أبن الجنوب والوسط فأنه يثير لديه الخوف والرعب والعكس صحيح!، بسبب ما أفرزته سياسة الحكومات والأحزاب السياسية التي قادت العراق بعد سقوط النظام السابق واحتلال الأمريكان له. بعد كل هذا لم يعد أمر تقسيم العراق مخفيا على أحد بل صار وكأنه أمرا واقع لا مفر منه! يتكلم به السياسيين وغيرهم حتى الداخل العراقي صار يتكلم ويجاهر ويطالب به! بعد أن أصبح الكل لا يطيق الكل، ولا بد أذا من الأفتراق!، وما كلمة العراق الموحد التي نسمع بها هنا وهناك من هذا السياسي وذاك المسؤول ويتحدث عنها رؤوساء الدول الغربية والأقليمية والعربية بما فيهم أمريكا فهي الكذبة الأكبر! ويأتي الكلام عنها من باب الأستهلاك السياسي لا غير وكجزء من سيناريو اللعبة!، فتقسيم العراق بقدر ما هو مغنم كبير للمصالح القومية العليا للدول الكبرى وعلى رأسهم أمريكا، فهو أيضا مغنم أكبر لدول الأقليم ( أيران-السعودية-تركيا)!. وما المؤتمرات الأخيرة التي تعقد في دول الجوار والأقليم وآخرها المؤتمر الذي عقد في تركيا وحضرته شخصيات وقادة الأحزاب السنية فقط!، وقبلها مؤتمر جنيف، وحتى المؤتمر الذي عقد في الجامعة الأمريكية في السليمانية والمؤتمر الذي دعت امريكا لعقده في واشنطن خلال هذا الشهروالذي ستحضره اكثر من 68 دولة بما فيهم دول التحالف الدولي لمناقشة كيفية القضاء على (داعش) وماذا سيكون بعده؟! لا سيما وأن جميع قادة الأحزاب السياسية العربية والكوردية والتركمانية السنية والشيعية منها تتكلم منذ

فترة عن عراق ما بعد (داعش)؟!. أن كل هذه المؤتمرات التي عقدت والتي ستعقد هي في الواقع تعقد لوضع اللمسات الأخيرة لخارطة العراق ما بعد الأنتهاء من عصابات(داعش)!! بين الدول الأقليمية (أيران- السعودية –تركيا) وبأشراف أمريكي وبريطاني وغربي!، وأن تجري بعض التعديلات على سيناريو التقسيم فهو لا يغير من الأمر شيء!. من جانب آخر لا يوجد عيب في السياسة بعرف الدول الكبرى وأطماعها!. فكم من مرة سمعنا من قادة وسياسيين كبار في أمريكا ومنها ما جاء على لسان (كواندليزة رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بأن (ما وصل أليه العراق من هذا الحال السيء،بسبب آلاف الأخطاء التي أرتكبوها في العراق!!)، وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا ماذا أنتم فاعلون وماذا تريدون؟، فهو حكم القوي على الضعيف كما يقال! وما أضعف العراق اليوم عن أمسه القوي!. المأساة في أمر تقسيم العراق تكمن في أن الأقليم الكردي والسني سيكون تحت رعاية امريكية بريطانية غربية سعودية قطرية خليجية تركية، وستكون قبلة الأنظار في الأعمار وأعادة البناء في زمن بسيط!(يتحدث الكثير من المتابعين للشأن العراقي أن القرض البريطاني الأخير للعراق والذي يقدر ب (12) مليار دولار هو مخصص لأعمار المناطق الغربية والموصل بعد القضاء على داعش!!). أما الأقليم الشيعي فمن الطبيعي سيكون تحت أشراف وسيطرة ايران! والسؤال هنا: هل سيعاني الأقليم الشيعي من الأهمال مثلما هي عليه الآن المحافظات الجنوبية والوسطى التي ستشكل الأقليم، أم سيكون قبلة للأعمار وأعادة البناء هو الآخر؟!. أخيرا نقول: أن مشروع أحتلال العراق وتقسيمه ليس بالأمر الجديد!، فقد نقل عن (سبينغو بريجنسكي) مستشارالأمن القومي فترة الرئيس الأمريكي الأسبق (كارتر) أنه في عام 1982 قال: (أننا وبعد عشرين عاما سنحتل العراق ونقسمه!!). أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من الأحداث ولربما المفاجأت أيضا! لننتظر ونرى.

أحدث المقالات

أحدث المقالات