يبدو لي ان المحادثات الشاقة داخل المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني وفشله في اختيار مرشح الكرد لرئاسة العراق ، كانت صراعا بين جناحين من اجنحة الحزب ، والتي تقرّ قيادة الاتحاد بوجودها . جناح كان قد تفاهم بشكل من الاشكال مع ائتلاف دولة القانون ، حول تشكيل الحكومة العراقية المقبلة ، ومن وراء ظهر التحالف الكردستاني والقوى السياسية الكردستانية الاخرى ، بعضها او كلها ، وهو الجناح المتنفذ ، على ما اعتقد ، والذي تقوده السيدة هيرو خان عقيلة السيد الطالباني ومعها السيد نجم الدين كريم محافظ كركوك والسيدعادل مراد رئيس المجلس المركزي واخرون . وجناح اخر يضم اغلب اعضاء المكتب السياسي ومنهم نائبا الامين العام السيد كوسرت رسول والسيد وبرهم صالح ، ويرى هذا الجناح ان التحالف مع القوى العراقية يجب ان يكون باجماع القوى الكردستانية ، ولا ينبغي الدخول في التحالفات العراقية بصورة منفردة ، وبمعنى عدم تشتيت الموقف الكردي الموحد .
طالت مباحثات المكتب السياسي كثيرا دون التوصل الى اختيار مرشح ، وفي خضم المناقشات اعلن عن وصول السيد جلال الطالباني الى كردستان بعد اكثر من عام ونصف قضاها في مشفى الماني لوعكة صحية المت بع وغابته عن المشهد السياسي، وخشي الكثيرون ان تكون حالة مام جلال الصحية غير ملائمة لخروجه الى الملأ ، او ان لا تسمح له باستقبال زائريه ، او ان يجري فرض طوق عليه ،وبالتالي ان تستغل هذه الحالة للاعلان باسمه عن المرشح الكردي لرئاسة العراق . لكن ظهر ان الرئيس السابق في حالة صحية جيدة ويمتلك كامل وعيه ،واستقبل العديد من رفاقه والضيوف وتبدد الخوف من التحدث واصدار القرارات من اخرين باسمه .
عارض الجناح المتنفذ ترشيح السيد برهم صالح بصلابة ، واوعز الى السيد نجم الدين كريم بترشيح نفسه بصفته الفردية ، فقدّم طلبه الى مجلس النواب العراقي من غير تكليف من المكتب السياسي الذي يحوز على عضويته ، وكان ممكنا ان ينافس مرشح المكتب السياسي في حالة اختيار برهم صالح ، والحصول على دعم قوي من ائتلاف دولة القانون مقابل تعهده بتكليف مرشحها لرئاسة الوزراء .
مع ان الجناح المتنفذ يسيطر على الموارد الاقتصادية للاتحاد ، ويمتلك ولاء الشبكة الامنية ، الاّ انه لم يتمكن من اقناع المكتب السياسي باغلبيته حالة تكليف المالكي فانه لن يجد حلفاء تمكنه من نيل ثقة البرلمان . وان ازمة الاتحاد الوطني الداخلية ستتفاقم اكثر اذا انضم جناح منه الى حكومة يرئسها المالكي ، وليس بعيدا ان تحدث انشقاقات قاتلة . وان تحدث مشاكل جدية لحكومة كردستان .
لقد اعترف الرئيس انه يتعرض الى ضغوطات لتكليف شخص معين بتشكيل الحكومة ، وبديهي ان المالكي لجّوج في طلباته بهذا الصدد ، لكننا لا نعتقد ان الرئيس يحسب حسابا لضغوطات ائتلاف دولة القانون ، حتى يهدد بالاستقالة . بل انه لا يعيرها اهمية باعتباره ممثلا عن المكون الثاني في العراق . اعتقد انه منزعج جدا من ضغوطات الجناح المتنفذ في حزبه ، والذي ربما تذكرّه بانه مرشحه للرئاسة ، ولذلك وكما اعلن صراحة في لقائه بممثلي المكونات والقوى السياسية العراقية انه قد يستقيل ، ولكنه لن يرضخ للضغوطات ولن يكلف شخصا لرئاسة الوزارة يفتقر الى تأييد القوى الوطنية ومتمرد على الاجماع الوطني .
و نعتقد ان الرئيس معصوم صريح وجدي في تهديده ، وقد يفعلها اذا اضطرته جهة لان يتصرف على غير ارادته الحرة ورؤيته للعملية السياسية . فاي مصلحة في وضع العراقيل امامه ؟