لم تكن الأحداث الأخيرة التي تغير الآن وستغير واقع العراق محض صدفة، بشكل جعل المحللين والمهتمين بالسياسة يضعون سيناريوهات قد أسهب بعضها بصورة محيرة لمستقبل العراق وما ستؤول عليه الأمور.
التراكمات التي أصابت الشأن الداخلي العراقي جعلت منه يعاني من حالة شلل أو داء عضال كان من المستحيل معالجته معالجة سريعة وشاملة، فكنا نسمع دائما عن مصطلح شاع كثيرا في الآونة الأخيرة “الدعوة إلى طاولة الحوار” وطاولة الحوار تلك لم نرى يوما إنها حلت مشكلة وتجنبت خلاف، بالعكس كانت دائما سببا من أسباب اشتداد الأزمات وخلق خلافات جديدة، لأنها كانت دائما تتغاضى عن الأسباب الرئيسة وتعطي حلا مغلفا لا حلا جوهريا لازمات العراق العضال، فالأزمات تلد أزمات أخرى اشد كراثية عن سابقتها إلى أن وصل العراق إلى طريق مسدود كان السلاح ، وللأسف، الحل الكافي والوافي والحل الجذري لاقتلاع السرطان الذي ابتلي به العراق.
كانت القشة الأولى عندما حاول المالكي تصفية نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي وتلفيقه ملف إرهاب ضده وضد أفراد حمايته وأعضاء مكتبه، باعتبار أن الهاشمي كانت له شعبية سنية كبيرة، فرأى وجوب تصفيته لأنه يشكل عقبة ضد طموحاته ولقتل تلك الشعبية التي توفر له دعم لمواجهة المالكي وفضح ملف الاعتقالات والسجون السرية والتعذيب، فقد تولى عملية التحقيق حينها بملف الهاشمي وكيل وزارة الداخلية وهو كردي، وقد قام الأخير بعرض مجريات التحقيق على المالكي شخصيا واخبره ببراءة الهاشمي من التهم الموجهة إليه وبالأدلة، لكن حضرة المالكي لم يعجبه الأمر وقام بتصفيته هو الأخر عن طريق دس السم له وهو الآن يعاني من مرض غريب, و يتعالج الآن على حساب نفقة إقليم كردستان بعد أن رفضت وزارة الداخلية الاستمرار بعلاجه لعدم انصياعه بمسالة التلفيق .
القشة الثانية محاولة المالكي تصفية وزير المالية رافع العيساوي الذي لم يكن يلبي رغبات المالكي بصفقات الفساد وهدر المال العام، فحاول المالكي استخدام نفس اللعبة معه من ملفات إرهاب ملفقة وتصفية أفراد حمايته، لكن أهل السنة هذه المرة وقفوا ضد وجه المالكي الذي أحس حالا بالخطر وانكشفت لعبته القديمة الجديدة، وقد بعث عدة مرات وساطات لترضية وزير المالية وإعادته إلى منصبه وبأي شكل من الإشكال .
والأسماء السنية التي حاول المالكي اللعب معها كثيرة وهي على سبيل المثال ولا الحصر، فكل من كان يقف بوجهه ويفضح فساده وقمع أجهزته الورقية والمليشياوية كان يتعرض للتهديد والتصفية والنفي،لان المالكي على استعداد لتلفيق ملفات إرهاب ضد أنبياء الله، ولكن الغريب أن شركاؤه من القوى الشيعية كانوا يؤيدونه وكانوا يروجون لمن يتم تلفيق ملفات إرهاب ضده بأنه إرهابي أو بعثي وأنه ارتكب جرائم وانه كذا وكذا، فهم إما موهومين أو إنهم يفصحون عن نواياهم التي آدت بأهل السنة لحمل السلاح لأخذ حقوقهم عنوة وقوة، فهذا هو فلاح السوداني وصابر العيساوي خرجوا معززين مكرمين من مناصبهم، والذين أزكمت ملفات فسادهم أنوف جميع العراقيين، وقيس الخزعلي و واثق البطاط وغيرهم من قادة المليشيات الذين جعلوا من أجسام العراقيين سلعة جزارة، يقتلون كأنهم مصاصي دماء، والمالكي ووكيل وزارة الداخلية عدنان الأسدي والقضاء اللاعراقي وأية الله وحجة الله كلهم يتسترون عليهم رغما عن أنوف العراقيين.
لماذا يتهم السنة بالإرهاب والمليشيات الشيعية تقتل علنا وجهارا ولا تتهم ولا يشار إليها لا من قريب ولا من بعيد، حتى صار العالم يعرفنا بانا دولة ميليشيات وعصابات؟ ولماذا يتم تصفية السياسيين السنة بشكل مفاجئ ومذهل بحجة الإرهاب وعلى مستوى القيادات؟ بينما يتمتع السياسيون الشيعة على الرغم من ملفات الفساد والإرهاب الواضحة بحصانة من الاعتقالات والقضاء؟ .
والمسالة المفاجئة أن الحكومة التي كانت تدعي بأنها دولة قانون ومؤسسات, خرجت ميليشياتها من جحرها وصارت تصول وتجول علنا, فاضحة ادعاءات كاذبة ومزيفة أخجلت القيادات الشيعية التي لم يعد لها ملجئ سوى الميليشيات لحمايتهم من سطوة الثوار، و التي كانت تتستر عليها، فبعد إغلاق بعض القنوات العراقية التي كانت تفضحهم على الملأ، أخذت تطارد رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية لمقاضاتها، وهم موهومون طبعا، خوفا من الفضيحة على شاشات وسائل الإعلام العالمية.
إن دعابة الميليشيات خرجت إلى العلن وصارت حقيقة وسقط قناع الحكومة أو بالأحرى القيادات الشيعية التي تثبت يوما بعد يوم فشلها في إدارة شؤون العراق وتواطئهم المعلن والصريح مع حكومة الحجج والآيات والملالي في طهران، وعقليتهم الضيقة بالتعامل مع واقع العراق المعقد، فالأقنعة صارت تسقط بشكل جماعي من ملف الميليشيات وإنكارهم التعاطي والتواطؤ مع إيران ووصولا إلى تدخلهم بالشأن السوري .
الحل القادم لا يكمن بطاولة حوار هشة أو حكومة وحدة طائفية أو اختيار رئيس وزراء تسوية، بل رئيس وزراء يتفق الجميع انه كفوء ووطني وليس لديه ميول إيرانية أو طائفية، قادر على قيادة حكومة تكون للعراق وليس لمصالح أحزاب وجيوب وأرصدة وطموحات شخصية تؤدي بالعراق إلى الهاوية والحضيض، وعلى القيادات الشيعية إن تستوعب الدرس من شخص المالكي الذي كان أسوء اختيار في تاريخ العراق الحديث.