فلنبدأ الأحداث بعد 2003 وما تلاها من سقوط النظام البعثي الذي كان يستخدم أدواته في بطش شعبه والانتقام منه ، ومن يقرأ الواقع العراقي جيداً قبل سقوط النظام يجد أن هناك واقعاً مؤلماً يعيشه الشعب العراقي في سيطرة قلة قليلة على الأغلبية المستضعفة والمهانة .
بعد أحداث عام 2005 ، وتفجير قبتي الإمامين العسكريين ، بدأت ملامح الحرب العدائية بين السنة والشيعة ، فبدأ الاقتتال والتصفيات بين الطرفين ، لا نريد ان نتهم أهل السنة في قتل الشيعة ، ولا الشيعة في قتل السنة ، لان الاثنان هما ضحية ذلك الظالم المستبد الذي اوجد شرخاً لا يندمل مطلقاً بين العراقيين .
وتسارعت الأحداث بدخول عامل جديد وهو العامل الإقليمي والأجندات التي بدأت تشعر بالقلق من سير العلمية السياسية في العراق بعد سقوط النظام ، والذي أثار استغراب الدول الإقليمية هو السرعة في خطوات تثبيت العملية السياسية ، من تشكيل مجلس وطني ، والى مجلس كتابة الدستور ، والتصويت الشعبي الكبير عليه ، ومن ثم الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن حجم وثقل كل كتلة سياسية في البلاد .
التدخل الإقليمي السلبي ساهم مساهمة كبيرة في زيادة الشرخ ، وضخ الأموال الكبيرة من أجل زحزحة الأمن في البلاد هو الآخر زاد المسافة وأجج نار العداء والكراهية ، وكان هذا هو الهدف . أثارة الطائفية بين المكونات من أجل تضعيف المجتمع لكي يكون صيداً سهلاً لدول الدوار تنهش به وفق ما تريد ، وبحسب أجنداتها .
الحدث الأخير من سقوط الموصل وديالى وصلاح الدين ، كان أكمال لهذا المسلسل ، فالغرباء لا يمكنهم أن يكونوا أداة السيطرة على الأرض ما لم تكن هناك حواضن ترعى هذه السيطرة ، وفعلاً سقطت الموصل بين ليلة وضحاها بيد “الدواعش” وباقيا البعث المجرم من فدائيين ومخابرات وضباط الجيش السابق التي كانت مهمتهم السيطرة على الأرض وتسليم مدينة الحدباء بيد الإرهابيين الغرباء ، ومارست ومازالت تمارس هذه العصابات الظلامية أبشع صور التنكيل والانتقام لكل من يختلف معها ، وبدأت تتعرض لأرواح الأبرياء ، وهتك الحرمات وكل هذا بذريعة الانتقام السياسي من الشيعة
الذين حكموا اليوم باسم الحرية والديمقراطية .
ما نشهده اليوم من وضع خطير وحساس ، يختلف عن التوصيفات السابقة حيث يقف بلدنا اليوم أمام مفترق طرق ، فأما إلى الآمان ، وإما إلى مجاهيل خطيرة .
تداعيات ما حصل من انهيار امني كبير بعد 10 حزيران تمت قراءته بعدة تحليلات ولكنها لم تخرج بنتائج محسومة ، ولكن الحديث الأهم اليوم ليس هو عن الأسباب وإنما عن طرق مواجهة هذه التداعيات .
يوجد أمامنا مساران :-
الأول : المسار الأمني .
الثاني : المسار السياسي .
الأول يعني أيجاد انتصار حاسم على قوى الإرهاب وطرد فلول داعش من المناطق التي احتلتها بما يعزز هيبة الدولة ويعزز كرامة الجيش العراقي .
فيما يشير المسار الثاني إلى أهمية اعتماد خارطة طريق يتفق عليها الفرقاء السياسيون وفي إطار الأسقف الدستورية المعلنة لخطوات ما بعد الانتخابات .
ولا شك أن هناك تحديات كبيرة أمام هذين المسارين (الأمني والسياسي) ، ومن المهم تماماً تركيز الجهد المتواصل لحلحلة التحديات الماثلة أمامهما .
ما نحتاجه فعلاً اليوم ضرورة ان تكون هناك رؤية لدى الطرفين في التعايش ، وما هي آليات هذا التعايش ، والقبول بالأمر الواقع وما ينتجه الواقع من سيطرة الأغلبية على مقاليد الحكيم في البلاد ، كما يجب على الأغلبية أن تنظر إلى الجميع بعين المساواة على أنهم مواطنون عراقيون يحضون بكامل الحقوق التي كفلها ونص عليها الدستور العراقي في حماية جميع المكونات العراقية بدون استثناء .
السعي الجاد من أجل ترسيخ الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف بما يحقق الأمن والسلم الاجتماعي ، وإيجاد أرضية مناسبة من أجل أشراك الجميع في صنع العراق السياسي مع التشديد على أن لا يكون ممن تلطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي .
بناء منظومة قيمية للمجتمع ، وبث روح الأخوة وجعل المواطنة هي أصل الوجود الإنساني بين العراقيين ، وأن تذوب كل هذه المسميات في بوتقة الوطنية ، من أجل أن نبني مصداً قوياً تجاه كل التيارات التي تريد الشر ببلدنا وشعبنا الجريح .