18 نوفمبر، 2024 4:38 ص
Search
Close this search box.

ماذا زرع راشد لكي يحصد ..؟

ماذا زرع راشد لكي يحصد ..؟

راشد يحصد – رواية – للكاتب : حسن عبد الرزاق .
عن دار تموز في دمشق صدر للكاتب حسن عبد الرزاق روايته الجديدة الموسومة راشد يحصد متكونة من اثني عشر فصلا ، تحكي هذه الرواية حقبة مهمة من تاريخ العراق القلق ، باحداثها وتقلباتها ووقائعها كأنما تؤرشف تلك الاحداث التي عصفت بشعب العراق من خلال ان كل العناصر الهزيلة ( والواطئة) ذرت قرنها لتكون فاعلة لتغتصب القيادة في بلد ضاعت فيه المعايير والمقاييس للشخصية القياديه المتزنة . ومعلوم ان المادة التاريخية التي تكتب كخبر بارد بين السطور في كتب التاريخ تحتاج حتما خطابا شاعرياً ملهماً لاستعادة تلك القيمة المنسية من المشاعر كذلك رءاها حسن عبد الرزاق تستحق إعادتها كعبرة وكقيمة بتطلعات معاصرة. وبما اني اعرفه فهو يرفض تقديس الماضي، لكن تفكيك الحوادث الماضية والمؤلمة وفهم تفاصيلها وتركيبها من جديد، ومن ثم إنشاء الخطاب الروائي حولها.. كل ذلك الاسترجاع يحتاج إلى خيال كبير لتخطي الحدود إلى الرحابة المفتوحة، وليصبح التاريخ رواية كالحلم تسحر القارئ، بل يضعه الروائي المستلهم في عالم لم يعشه وهو يقرأ. و الرواية التي تتعرض للاحداث التاريخيه ، كما هو معروف تطورت وأصبحت تحمل معاني سامية، ولم نخشى عليها من ضعف الخيال الروائي الذي يعد العمود الفقري لها، وكذلك لم نخش من أن يصبح السرد الفني كالخبر، وينزلق الكاتب في تلك القيود بين جوهر الرواية والحقيقة التاريخية. وهذا بالفعل مادرج عليه الكاتب عبد الرزاق ولكن برمزيه تهكميه تزدري الحاله التي بلغها الانسان العراقي في ضل حياة سياسيه فئويه غير مستقره لا ترى افق العالم الواسع بل ينظر معظم افرادها الى الكون من خلال كوة فتحها لهم شخص مبجل وكانت من مكارمه . كما اكد ذلك في الفصل الثالث – ( فالرئيس يحتل التلفاز ويقدم لهم خطبه كيلومتريه بدلا من فلم السهره ) . وان الإنسان من وجهة نظري القاصره ، يحتاج إلى إعادة التوضيح من جديد لفهم الماهيات التي يعيشها، عن طريق التاريخ والأدب اللذين بينهما ارتباط إنساني عظيم. وبلا ادنى شك ان التاريخ هو اللاهث وراء الإنسان من عصر إلى عصر، باحثاً مستفسراً عن حقيقته ودوره في هذا الكون، لذا حين يتكبد الروائي بحثاً عن تلك الحكاية التاريخية التي ثبتت في محلها بين السطور وفي اذهان المتلقين ، متخيلاً تلك الحكاية البعيدة – القريبه – ليعبّر عن غرضه الحقيقي وهو نقل الحدث روائياً، ومن ثم نقل قول ما لم يقله التاريخ، أليس ذلك فناً جديداً ومعياراً أدبياً مبدعاً؟ سيما اذا خالطته رمزيه هي للوضوح اقرب من الغموض وبشكل ساخر يجعل ذهن المتلقي مشدودا الى المرحله السياسيه ذاتها . وعندما درسنا الروايه هذه وشرعنا في عرضها لم نسال عن التاريخ فيها ، بل عن تقنية الجمال الأدبي من صور وحركة وتشبيه وإلهام.. خاصة بعد أن تقرأ ذلك التعبير الوجداني عن هذا الإنسان وسيرته وحكاياته المؤرخة روائياً. بعد ان صنع منه الاديب حسن عبد الرزاق مسخا – انتهازيا – تافها – جبانا – متهورا – دعيا – متلونا – ديوثا – كتعبير عن وجهة نظره في تلك المرحله التاريخيه التي يصفها بشجاعه اقرب الى الدقه وباسلوب يقترب من المنلوج او الكاريكاتير في حين ان الروائيين درجوا ان يجعلوا من ابطال رواياتهم افذاذا وقدوة وتتوفر فية الحدود الدنيا من مواصفات البطل :-: وهي الشخصية المحورية في العمل الأدبي، وشخصيته دائماً ما تكون مرنة قادرة على التغير.. وتغلب عليه السمات العشر التالية والتي تُبنى عليها الرواية حتى نهايتها:

1. تعثره في الأحداث لوجود تحدي أمامه يعترضه.
2. رفضه لهذا التحدي.
3. إجبار نفسه على قبول هذا التحدي.
4. السفر في طريق المحاولات.
5. جمع القوى والحلفاء له.
6. مواجهة الشرور التي تحاول هزيمته.
7. فترات من ظلمة النفس واليأس، يأتي بعدها..
8. قوة إيمانية تمكنه من..
9. مواجهة الشر مرة أخرى، ثم فجأة..
10. ينتقل البطل من مرحلة تعلمه إلى مدرس يلقن غيره الدروس.
– وهذه سابقه لم االفها من روائي الا نادرا . فحسن عبد الرزاق حينما كون هذه الشخصيه – فانا متاكد انه كان يعالج المرحلة المضطربه بمجملها. كما ورد في الفصل الاول ص 10 – عندما اشترك راشد في مظاهرة لا ناقة له بها ولا جمل . وكان عناصرها من الذين اسماهم القاص (الشمسيون ) ويقول وبعد ان تنتهي التظاهره يحدث العراك التقليدي بين الشمسيين وحلفاءهم الجدد- وكانت لكمات مسيله للدم من الافواه والانوف وتبادل (النطحات) كتلك التي تمارسها الكباش . النصر فيها دائما لحزب السلطه –
وجلي جدا ان المطلوب من القاص أن يختفي وراء عمله وأن يترك المجال فسيحا لحركة الأشخاص بحرية ,ضن علاقات تربطها الأفعال في حركة نامية وزمن متحرك بين الماضي والحاضر أو العكس،ثم من الحاضر والماضي إلى المستقبل. وفعلا حصل ذلك من خلال معايشة الكاتب للاحداث وشخوص الحياة وما الت اليه من انحدار وتردي بشكل متصاعد. حيث يذكر القاص في الصفحة 14 ( وفي اليوم التالي اصبح راشد اخا قحبه مابونا وساقطا – حذاء وحثاله – وما الى ذلك من التعابير التى يمتليء بها قاموس المجتمع في المراحل الرديئه – اصبح كذلك من وجهة نظر رجال الامن الذين اقتادوه من دائرته تحت انظارمديره المزدريه لفعل راشد . والروايه حافلة بهكذا نوع من التردي المجتمعي الذي كان بطلها نموذجا للتزلف والتقلب والتلون والانتهازيه والانحدار . اما من الناحية الاسلوبية ، فان دراسة الأسلوب تتم بالربط بين نوايا الكاتب وأشكال اللغة التي يستخدمها . و لا يمكن القطع بنوايا الكاتب ،فلا بد من الاستعانة باستجابات المتلقي التي قد تتأثر بالأحكام الذاتية . بناء على ما سبق ،يجب الاحتكام للنص كله ، بدءا من الكلمة إلى الجملة إلى الفقرة , ليتم الوصول إلى معايير ثابتة تتضافر عناصر القصة جميعا على إبرازها ، حيث أنّ مهمة الكاتب حسب تصوري ، تتمثل في اختيار الكلمات التي تصلح لأن تكون إشارات ورموز مناسبة للتجربة التي يريد الكاتب نقلها للقراء وهذا ما حصل من خلال ما ترشح في ذاكرتي اثناء دراسة هذه الروايه لعرضها فقط وليس لنقدها . ،وبعد ذلك تأتي مهمة الناقد الذي يغوص في التراكيب والألفاظ ،بحثا عن الشحنات الدلالية فيها وعلاقاتها ببعضها ،للوصول إلى جوهر المعنى الذي يقبع خلف هذه الدلالات،وما يمكن أن تثيره من استجابات سلوكية. وقد ضربت عنه صفحا . لذلك فهو صنع رواية تنبض بالحرية لتنير العيون وتصعد الدماء في العروق، رواية بملامح محسوسة، هي صناعة جديرة بالمباركة. وهل يعلم المتلقي أن الرواية التاريخية ترسم تاريخاً مضى بآثاره وحروفه وفنونه وشخوصه، وإحياء كل تلك المشاعر والأحاسيس في كيان النص الخطابي للرواية، هو عمل فذ يستحق الاحتفاء… والحمد لله رب العالمين.

أحدث المقالات