” يحيى بن يعمر” ممن غمره نور القرآن ، فأفحم الحجّاج وجعله يلوك الخيبة والخسران واليك الحكاية :
أورد ابو الفتح الكراجكي الطرابلسي (ت 449 هجرية) في كتابه (كنز الفوائد) خبر يحيى بن يعمر مع الحجّاج … فقال :
قال الشعبي :
كُنْتُ بواسط ، وكان يوم أضحى، فحضرتُ صلاة العيد مع الحجّاج، فخطب خطبة بليغة .
فلما انصرفتُ جاءني رسولُهُ فأتيتُه فوجدتهُ جالساً مستوفزا ،
قال :
ياشعبي هذا يوم أضحى ، وقد أردتُ ان اضحيّ برجُلٍ من اهل العراق، وأحببتُ ان تسمع قوله فتعلم اني قد أصبتُ الراي فيما أفعل به .
فقلتُ :
ايها الأمير أو ترى ان تستن بسنة رسول الله (ص) وتضحيّ بما أمر به ان يُضحىّ به وتفعل مثل فعله وتدع ما أردتَ ان تفعله في هذا اليوم العظيم الى غيره .
فقال :
ياشعبي انك اذا سمعتَ ما يقول، صوّبتَ رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وادخال الشبهة في الاسلام .
فقلتُ :
أفيري الامير ان يعفيني من ذلك .
قال :
لابُدَّ منه “
أقول :
الشعبي يأتم الحجّاج ، ويستمع الى خطبته ،
ويثني عليها …
ويقدّم نصيحته للطاغية بالكفّ عما أراد من التضحية بانسان بدلاً من التضحية بشاة ..!!
غافلاً عن ان الطاغية أحضره ليكون شاهداً على ما عزم عليه من أمر فظيع، إمعانا منه في ترويضه على قبول العظائم ومحاولةً منه أيضاً للظهور بمظهر الحريص على الاسلام …. والاسلام يبرئ منه ومن أفعاله …
وهكذا ينقلب المتزلفون الى الطغاة الى شهود زور ..!!
” ثم أمر – اي الحجاج – بِنَطْعٍ فبُسط ، وبالسيّاف فأحضرُ، وقال
احضروا الشيخ فاتوا به ، فاذا هو يحي بن يعمر فاغتممتُ غماً شديداً وقلتُ في نفسي :
واي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتلَهُ .
فقال له الحجاج :
أنت تزعم أنك زعيم العراق
قال يحيى :
أنا فقيه من فقهاء العراق
قال :
فمن ايّ فقهِكَ زعمتَ ان الحسن والحسين من ذرية رسول الله (ص) ؟
قال :
ما أنا زاعمٌ ذلك ، بل قائلهُ بحق .
أقول :
انظر الى تفاهة الحجاج في نسبة ادعاء الزعامة العامة لابن يعمر من جانب، ورباطة جأش ابن يعمر وصلابته أمام الطغاة من جانب آخر حيث قال:
ما أنا زاعم ذلك بل قائله بحق ….
وهكذا يكون العلماء الربانيون
قال – اي الحجاج – :
وبأيّ حق قُلْتَهُ ؟
قال :
بكتاب الله عز وجل
فنظر إليّ الحجاج وقال :
اسمع ما يقول فانّ هذا مما لم أكن سمعتهُ عنه .
أتعرفُ أنتَ في كتاب الله عز وجل ان الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله (ص) ؟
فجعلتُ أفكّر في ذلك فلم اجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك
أقول :
وهكذا دل الشعبي على ضحالته ..!!
” وفكّر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى “
لعلك تريد قول الله عز وجل :
{ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءكم وأبناءَكُم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين }
وان رسول الله (ص) خرج للمباهلة، ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
قال الشعبي :
فكأنما أهدى الى قلبي سروراً ،
وقلتُ في نفسي :
قد خلص يحيى
وكان الحجاج حافظا للقرآن !!
أقول :
لاأدري كيف غابت الآية المباركة عن الشعبي، وهي صريحة في دلالتها على ان الحسن والحسين ابنا رسول الله (ص) ؟
” فقال له يحيى :
والله انها لحجة من ذلك بليغة ولكن ليس منها أحتجُّ لما قلت
فاصفر وجه الحجّاج وأطرف مليّا، ثم رفع رأسه الى يحيى وقال له :
انْ انت جئت من كتاب الله عز وجل بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم ، وان لم تأتِ بها فأنا في حلّ من دمك
قال : – اي يحيى – :
نعم
قال الشعبي :
فغمني قوله وقلتُ :
أما كان في الذي نَزَعَ به الحجاج ، ما يحتجُ به يحيى ويرضيه بانه قد عرفه، وسبقه اليه، ويتخلص منه ، حتى ردّ عليه وأفحمه ، فان جاء بعد هذا بشيء لم آمن ان يدخل عليه فيه من القول ما يبطل به حجته، لئلا يقال انه قد علم ما قد جهله هو .
فقال يحيى للحجاج :
قول الله عز وجل :
{ ومن ذريته داود وسليمان }
من عنى بذلك ؟
قال الحجاج :
ابراهيم (ع)
قال :
فداود وسليمان من ذريته ؟
قال :
نعم .
قال يحيى :
ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ الحجاج :
( وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين . وزكريا ويحيى وعيسى )
قال يحيى :
ومن اين كان عيسى من ذرية ابراهيم ولا أب له ؟
قال :
من قِبل أمّه مريم
قال يحيى :
فمن أقرب مريم من ابراهيم أم فاطمة من محمد (ص) ؟
وعيسى من ابراهيم أم الحسن والحسين من رسول الله (ص) ؟
قال الشعبي :
فكأنما ألقمه حَجَراً
فقال : – اي الحجاج – :
اطلقوه قبحّه الله ،
وادفعوا اليه عشرة آلاف درهم
لابارك الله له فيها ..!!
ثم أقبل عليّ فقال :
قد كان رايك صواباً ولكنّا أبيناه ، ودعا بجزور فَنَحَرَهُ ، وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا ، وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا، ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجماً “
أقول :
من وعى القرآن ، فتح الله له أبواب العلم والمعرفة والقدرة على تبيان الحقائق بما لايبقى معه مجال لكلام …
وأن الحجاج فليس ثمة أدل على سفالته وجهالته من قوله في (يحيى بن يعمر ) قبحّه الله !!
لقد كان الجدير به ان يُذعن ويسلّم بصواب منطقه ، وبلاغة احتجاجه بالقرآن، وعظيم استيعابه لمعانيه ومفاهيمه ودلالاته .
ولكنه – وهو الوضيع – لجأ الى السباب والشتيمة ، بعد أنْ أذاقه (ابن يعمر) مرارة الخسران .
ان من يغمره نور القرآن قادرٌ على تبديد الظلمات والشبهات .