عملت أميركا في سياق استراتيجية صناعة الدول الفاشلة على زرع وحماية خلايا بقايا النظام الصدامي داخل أجهزة ومؤسسات الدولة العراقية بعد 2003 ، خلايا وفر لها الدعم والتمويل الخليجي المتواصل بيئات حاضنة في محافظات معينة لتقود وتدير بعد ذلك حرب إبادة منظمة على العراقيين عبر آلاف العمليات الانتحارية وعمليات التفجير والتفخيخ الإجرامية.
قد يكون لمسألة تغيير هوية وصيغة الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 من سلطة تهيمن عليها قوى وشخصيات سنية بالمطلق الى سلطة وطنية بغالبية شيعية دور في تحريك واثارة الجماعات البعثية الصدامية والفصائل السنية الطائفية ما ادى الى ظهور مناخات اجرامية داخل العراق عملت الأنظمة الرجعية العربية بقيادة السعودية ومصر حسني مبارك والأردن والامارات فضلاً عن قطر بمشروعها المتميز عن مشروع السعودية، عملت على التأسيس له وتغذيته عبر خلق نفوذ عسكري وامني ومخابراتي في مفاصل الدولة خصوصاً الجيش والشرطة وجهاز المخابرات بما يؤمن للمتطرفين السنة الهيمنة على المشهد السياسي في العراق وضرب الوجود السياسي الشيعي تمهيداً للانقلاب عليه، سواء بالأساليب الناعمة – كما جرى في انتخابات 2010 حينما أُعلن عن فوز القائمة العراقية الطائفية السنية بواجهة اياد علاوي المحسوب على الشيعة – او بالأساليب الخشنة كالقيام بمحاولات انقلاب عسكري اذا سنحت الظروف أو بحروب الانتحاريين والمفخخات اليومية.
فشلت كل هذه المحاولات فكانت “الغزوة الداعشية” للسيطرة على الموصل وصولاً الى بغداد واسقاط النظام السياسي للهيمنة على العراق.
واتضح من خلال المؤتمر الذي عقدته مؤخراً الفصائل البعثية الصدامية والجماعات السنية المتطرفة في العاصمة الأردنية عمّان برعاية وترتيب من الديوان الملكي وبإشراف وحماية جهاز المخابرات الاردني اتضح أن اجهزة مخابرات اقليمية ودولية هي من تشكل وتدير غرف عمليات هذه الفصائل والجماعات.
صحيح أن الهدف المعلن للمؤتمر هو بحث صيغ وآليات إسقاط العملية السياسية والحكومة الحالية لكن أهدافه وغاياته الحقيقية غير المعلنة كما تردد هي ايجاد نفوذ اكبر لهذه الفصائل تمهيداً لعودة هيمنتها على السلطة.
فضلاً عما كشفه المؤتمر من انتقال لدور الاردن من موقع امداد وتدريب وتأهيل وممر للسلاح والمسلحين وتوفير الدعم اللوجستي وإدامة خطوط الدعم والرعاية والاحتضان الى خط الدخول المباشر في جبهة داعش والجماعات البعثية الصدامية والمساهمة في خلق ودعم منظومة اجرامية بصناعة عراقية تتكون من ضباط وقيادات الجيش العراقي السابق وافراد اجهزة النظام البائد الخاصة وهم الذين تشكلت منهم نواة الجماعات التكفيرية بعد احتلال العراق عام 2003 ليقودوا حملات التطهير العرقي ضد الشيعة، جماعات متوحشة تُظهر نفسها كحامية لأهل السنة في العراق ومدافعة عن وجودهم و متبنية لمطالبهم ورافعة لشعارات “إقصائهم وتهميشهم على يد الروافض المجوس” ما جر وسيجر الويلات على المكون السني كما حصل ويحصل في سوريا ومصر وليبيا وتونس.
تبدو حظوظ هذه الجماعات ضعيفة على الارض، إلا في ألاعيب الخيانة وشراء الذمم وأساليب الغدر والنفاق، فسلاحها هو بعض الواجهات في العملية السياسية التي تكفلت بتوفير الغطاء السياسي لها وتعمل دوماً على تبرير أعمالها الإجرامية بدعاوى الاقصاء والإلغاء، اضافة الى أدواتها الاعلامية التي تقود حملات التحريض والتعبئة الطائفية ضد “الحكومة الصفوية”، ومستخدمة الجماعات التكفيرية كمطية لتحقيق اغراضها ولتعويض النقص في عديدها في لعبة خطيرة ستدفع ثمنها صراعاً مسلحاً مع هذه الجماعات ولو بعد حين.
ممارسات الجماعات الصدامية والطائفية ومواقع اصطفافها في ساحات الصراع تؤكد انها تمثل موقع رأس الحربة في الفريق الصهيو- اميركي الذي يعمل بقوة على اعادة رسم حدود المنطقة ابتدأً بالحدود العراقية السورية على اساس تفكك الدولة الوطنية في البلدين واعادة هيكلتها لإقامة دول طائفية واثنية يتم التسويق لها دولياً كخيار حتمي وسياق طبيعي.