انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق هكذا علل نبينا العظيم محمد ص” سبب بعثته والهدف الستراتيجي من رسالته السمحاء التي جاءت لترسم للبشرية جمعاء خطوطا عريضة تسير عليها في دنياها وتوصلها الى المحطة الاخيرة المتمثلة بقوله تعالى ((ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة)) وهي نهاية الحياة لكل انسان في هذه الدنيا وانتقاله الى عالم الاخرة ,,من يطلع على سيرة وأحاديث النبي محمد يجد كم هائل من الاحاديث تتحدث عن التسامح وقيم الخير وعن المحبة بكل اشكالها وصورها لدرجة الابتسامة في وجه اخيك صدقة وهذه من اعلى مراتب الخير لأنها تشيع روح الالفة والمحبة بين بني البشر ,, وفي حديث اخر يقول اقربكم مني مجلسا يوم القيامة احسنكم خلقا وكذلك ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق .تُرى ماذا حصل للأمة الاسلامية اليوم التي تلعق بالدماء وتجتر العنف بلا ملل , ان الامة الاسلامية اليوم بعيدة كل البعد عن قيم السماء التي انزلها محمد العظيم الى الارض وكان مصداقا حقيقيا لها قبل ان يبثها في الجزيرة العربية, اليوم الامة الاسلامية انتجت لها قيما جديدة معتمدة بذلك على بعض المواقف والاحكام الاسلامية التي جاءت كردة فعل وليس فعل قائم بذاته وهي قيم للتهذيب ولتقويم المجتمع من الانحراف كقطع يد السارق والجلد للزاني ولشاهد الزور والعين بالعين والسن بالسن وهكذا , الاسلام فرض هذه الامور لا ليجعلها قيما بل هدفها واضح وهي حفظ نظام المجتمع من الانحراف والتصدع والانفلات في دوامة من العنف والفوضى تربك الوضع الاجتماعي للأمة الاسلامية ولم يبح الاسلام تطبيق هذه القيم لمن هب ودب بل جعلها مشروطة شروطا شبيه تعجيزية لتلافي اقامتها بسهولة والتلاعب بها حيث نرى ان الاسلام اشترط لقطع يد السارق ما يقارب عشرون شرطا ولجلد الزاني شهادة عيانية من قبل اربعة اشخاص وكان نبي الاسلام اكثر تسامحا عندما قال تدرأ الحدود بالشبهات, لكن الذي حصل ان الحدود التي وضعت للحفاظ على المجتمع انتجت اليوم تطرفا كبيرا في الواقع المعاصر لان الكثير من الفقهاء و الحركات الاسلامية ركزت على جانب من الاحكام الخاص بالحفاظ على الحدود والتوازن في المجتمع وتركت الكم الهائل من القيم التي جاء بها النبي من قبيل قيم التسامح والمحبة والهداية والخير والألفة وراحت هذه الحركات بمنظريها وفقهائها تخوض جدلا كبيرا ملئت به صفحات آلاف الكتب عن ما يجوز وما لا يجوز ولا يمكن استثناء مذهب من المذاهب الاسلامية من كل ما ذكرناه فمذهبنا الشيعي ايضا راح يجتر علم الكلام والفلسفة والمنطق على حساب علم الاخلاق فلم نجد كتبا كُتبت في الاخلاق كما كتبت في الالهيات والمنطق والفلسفة والفقه وحتى في دروس الحوزة المتأخرة لم يعد درس الاخلاق بالدرس الرئيسي والأساسي وهو هدف البعثة كما اسلفنا ,اننا اليوم بحاجة الى صعق وعي هذه الامة لتفيق من سباتها وغفلتها وتعود لذاتها وفطرتها وتستنشق عبق احاديث نبي الرحمة المليئة بقيم التسامح التي تفيض رحمة بالحيوان قبل الانسان لكي تنتج لنا اجيالا اسلامية ترتكز على الاخلاق في تعاملها مع الاخر بدلا من هذه الاجيال التي ركنت الاخلاق في زاوية وراحت تصول وتجول في تطبيق الشريعة تطبيقا ابتر واعور لان الاسلام هو الاخلاق في النهاية ولا يمكن ان نأمل خيرا في اي حركة اسلامية تحاول ان تعيد للأمة الاسلامية وعيها اذا لم تعتمد على ارساء الاسس الاخلاقية وتنطلق منها لإعادة صياغة الوعي الاسلامي وفق نظرية انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق.