16 نوفمبر، 2024 9:28 م
Search
Close this search box.

عبود .. عملة عراقية بوجوه وألوان متعددة !!

عبود .. عملة عراقية بوجوه وألوان متعددة !!

كتب نوزت شمدون : كان أول من وصل معسكر التاجي شمال بغداد، تلبية لدعوة أطلقها عدي صدام حسين في تسعينيات القرن الماضي لشباب العراق بالتطوع كفدائيي صدام، والتقطته بعدها عدسات التلفزيون وهو يلتهم أحشاء ذئب مبقور ويقفز من جسر الصرافية في بغداد، ويهبط بمظلة في ساحة الاحتفالات بمدينة الموصل.
أنطلق بسرعة صاروخ، من مؤيد في حزب البعث إلى عضو عامل، وكان يجوب أسواق باب السراي والصياغ والسرجخانة وباب الطوب في الموصل لتعبئة التجار وطنياً من أجل مواجهة ضربة أمريكية محتملة في 2003، ويشهد جيرانه في الحي الذي سكنه بأنه أول من وضع ساتراً ترابياً في مدخل الحي استعداداً للحرب، وظهر في برنامج تلفزيوني قبل سقوط نظام صدام بأسابيع قليلة وهو بكامل قيافته السوداء باعتباره ملازم أول فدائي.
 ومع وصول أول همر للجيش الأمريكي إلى مدينة الموصل في العاشر من نيسان 2003، شوهد عبود وهو يقود كابسة نفايات تعود ملكيتها لبلدية الموصل وأتجه بها شمالاً عبر شارع  منطقة السكر وهو يطوق رأسه بعصابة صفراء، وأظهرته رويترز بعدها بأيام في صورة خاصة وهو يقف على سياج محافظة نينوى قريباً من سياسي يدعى مشعان الجبوري الذي تلقى أول حذاء رفض بعد الاحتلال، ومرقت فردتها الثانية قرب وجه عبود دون أن تخدش ابتسامته.
 عبود، ظلمه كتاب غينس للأرقام القياسية عندما أغفل تسجيل تقلباته السياسية والاجتماعية، وأهدرت قناة ناشيونال جيوغرافيك حقه في الخلود ببرنامج وثائقي يدور في تلفزيونات العالم، وتحاشته وسائل الإعلام العراقية والعربية لأسباب تنافسية، فقد أصدر في الموصل أول جريدة أسبوعية بتمويل من الجيش الأمريكي حملت اسم( بعد التغيير) الذي لم يصمد سوى عددين فقط بتوزيع محدود.
 وأسس بدعم من منظمة أوربية إذاعة ناطقة باللغتين العربية والانكليزية بنفس اسم الجريدة، ولم يتعدى مساحة بثها سوى منطقة الدواسة في الجانب الأيمن من المدينة، لشهر واحد فقط. وأصدر بعد ذلك كتاباً وضع على غلافه الأول صورته بالأبيض والأسود حمل عنوان (العراق ما بعد صدام)، كما انه حصل على لقب شيخ عشيرة بطريقة غامضة وأسس حزباً أطلق عليه عراقي للأبد وجمعيتين خيريتين واحدة للأيتام والأخرى للمعاقين.
 وعند بدء المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأميركي اختفى عبود، لكن سيرته ظلت تتردد على ألسنة فضوليي أحياء الموصل القديمة في باب جديد والفاروق وباب البيض، وكانوا يفرشون سمعته على باب المقاهي ليدوسها المارة حتى إن أشهر كذابي المدينة ويدعى زهير أبو سكسوكة ادخله في العديد من قصصه الخيالية ليكسب بها زبائن لمطعمه في موصل الجديدة.
 الشائعات أكدت وصول عبود إلى قم في إيران، وانه حصل عام 2005 على عمامته الأولى، وقيل بأنه أختار جنوب العراق مكاناً لخلوة تعبدية قبل ان تدفعه أحداث 2006 إلى الظهور وتعبئة الناس من أجل محاربة التكفيريين في الشمال، وأقسم أناس من بيجي بحياة أطفالهم إنهم شاهدوا عبود وهو يدقق في البطاقات التعريفية لمسافرين قرب أحد المطاعم وأنه أشبع شاباً صفعاً لأنه نسي مذهبه.
 عبود، كان الوحيد في نينوى الذي طالب ببقاء إبراهيم الجعفري رئيساً للوزراء ورقص بجنون في دبكة مع عدد من الغرباء في شارع الدواسة وسط المدينة مع الإعلان عن تشكيل نوري المالكي حكومتةً لدورة ثانية، وهو الوحيد الذي كتب رسالة إلى الرئيس أوباما طالباً منه العدول عن قرار سحب قواته، لكن آماله خابت بعدما رفض مكتب بريد النبي شيت  في الموصل استلام الرسالة، وسحله شباب متحمسون من منطقة وادي حجر إلى قاعة ابن الاثير حيث كانت تجري وقائع احتفالية “أخرج يا محتل”.
 سمعة عبود احتاجت إلى تبييض بعد تلك الواقعة لذلك قرر الوقوف مع موظفي إسناد ام الربيعين في مطالباتهم بوظائف ثابتة، ونازحي شمال الموصل وتل عبطة الهاربين من زحف الرمال حتى صار ضيفاً دائمياً على قناتي الموصلية والشرقية الفضائيتين ولاسيما في التظاهرات التي تتوقف أمام مبنى محافظة ومجلس محافظة نينوى، وأرشيف الفضائيتين يحتفظ بمقاطع فديو يقسم فيها عبود بقطع إصبع سبابته، ولا يعيد انتخاب محافظ نينوى المتنعم بالتكييف بينما هو والفقراء يذوبون في الحر خارجاً.
 عبود، بات ليلة كاملة في منطقة المنصة حيث تجري المظاهرات عادة في الموصل احتجاجاً على سياسات نوري المالكي وقضى ثلاث ليال أخرى في ساحة الأحرار بمنطقة السجن قبل أن يشتريه قائد الشرطة الاتحادية مهدي الغراوي بزجاجة ويسكي وبضعة دولارات، فصار عينيه وأذنيه في الساحة قبل أن يضبطه غانم العابد المتحدث باسم المعتصمين متلبساً بنقل وقائع كلمة حماسية في المنصة عبر هاتف كلاكسي 3 إلى جهة معادية.
 المعتصمون تعاملوا برحمة مع عبود واكتفوا بتكسير عدد من أضلاعه وساقه اليمنى مع أربعة أسنان بينها ضرس وقضمة في شحمة أذنه اليسرى ورضوض وتورمات تاتوية في مختلف أنحاء جسمه، لكنه عاش وحلف بالتوبة وهو ملفوف بالجبس والضمادات في ردهة الكسور في المستشفى الجمهوري.
ظاهرياً أعلن عبود في مؤتمر صحفي عقده بالقرب من مطعم فلافل بدر في قلب مدينة الموصل اعتزاله العمل الميداني وقال إنه قرر الانخراط في صفوف الغالبية الصامتة، لكنه في الحقيقة أصبح يدير صفحات فيسبوكية وتوترية بأسماء مستعارة يهاجم المسؤولين ويعبر عن آرائه بالشتائم والسباب وتلفيق الأكاذيب وتعميمها. بينما صفحته الشخصية التي تحمل اسمه فكان ينشر فيها وعلى الدوام آيات قرآنية، ومواعظ حياتية، وصور حيوانات اليفة وأطفال ومعالم عراقية وتظهره صورته الشخصية وهو ملفوف بالبياض ومحاط بحمامات قريبا من المسجد النبوي.
  ثم احتاجه فريق المالكي لتدعيم نفوذه في الموصل فاقتنع سريعاً بالعودة عن قرار الاعتزال، ورشح نفسه عن دولة القانون في انتخابات مجلس محافظة نينوى 2013، وكان أول ظهور له بعد غيبة أشهر عدة في برنامج جريء جداً عبر قناة الموصلية الفضائية، هاجم فيه حكومة نينوى المحلية بسبب نقص الخدمات وكثرة المطبات والازدحامات، واستشهد بآيات واحاديث وأبيات شعر اغضبت أخطائها النحوية أساتذة اللغة العربية وعلماء الدين وشعراء العمود والتفعيلة في الموصل وضواحيها، ومنع كونترول القناة سبعة اتصالات غاضبة ومنتجت نحو 147 خطئاً لفظياً لعبود، في البرنامج بنسخته المعادة .
 لم يستسلم عبود لخسارته الانتخابية متذرعاً إن طريق السياسية طويل، ولن توقفه الأصوات الثلاثة التي حصل عليها في الانتخابات عن تطلعاته القيادية لذلك رشح لأنتخابات مجلس النواب عام 2014 عن ذات القائمة، واستأجر منزلاً في أربيل لاحتياطات أمنية، وزاوج بين ظهوراته الإعلامية ومناوراته الفيسبوكية ومع كل مغامراته وحملاته الدعائية، ولم يجمع سوى ستة أصوات فقط، خمسة منها لأفراد أسرته إضافة الى صوته.
 وقبل الإعلان عن المصادقة على الانتخابات البرلمانية حمل عبود  دولة العراق والشام الاسلامية ( داعش ) مسؤولية إبعاده وإقصاءه انتخابياً وقال لوسائل إعلام أجنبية إن الموصل تحت الجزية، وإن متشددين يبتزون التجار والمقاولين والأطباء والصيادلة وحتى المدارس الأهلية في الموصل وإنه يشك بعلاقة بينها وبين حكومة نينوى المحلية.
 لكنه عاد في الخامس عشر من حزيران بعد أيام قليلة من سيطرة داعش على الموصل، ليظهر في مقطع فديو تناقلته صفحات الفيس بوك وقناة العراقية الفضائية، وهو يرفع إصبعي النصر ملوحاً بها في ساحة الاحتفالات لمركبات عسكرية تحمل رايات داعش.
 وأدخلته قناة الرافدين في نشرتها باتصال هاتفي يوم السادس عشر من حزيران أكد خلاله استتاب الأوضاع الأمنية في نينوى بفضل من وصفهم بالثوار وأطلق نكتة بشأن نفاذ الدشاديش في الموصل بسبب تخفي الغراوي وقادة أمنيين آخرين بها عند هروبهم.
  قهقه قليلاً ثم استعادت نبرته وقارها وقال بحزم  ” لن تتوقف ثورتنا الشعبية إلا بعد كنس بغداد من المالكي وحاشيته، ورفع راية الدولة الاسلامية فوق أعلي بناياتها” ثم تكسّر صوته بكاءً وهو يدعو الله بالجنة لمن أعاد ولاية نينوى إلى أهلها بعد سنوات من الاحتلال”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة