23 ديسمبر، 2024 11:08 م

رأيت بوشكين وادباء آخرين في منامي

رأيت بوشكين وادباء آخرين في منامي

الى زميلتي العزيزة الدكتورة سوسن فيصل السامر – عميدة كلية اللغات / جامعة بغداد , مع اعتزازي وتقديري واعتذاري ايضا , لاني اعرف مسبقا , ان الزمن الصعب والمتشابك والرهيب الذي يمر به بلدنا الجريح لا يتحمل تحقيق مثل هذه الاحلام او – ربما – حتى الكلام عنها , ولكن تبقى للاحلام – مع ذلك وبالرغم من كل ما يحدث الان في عراقنا الحبيب من مآسي – قوة دفع عظيمة الى الامام , وذلك لأن الاحلام مثل البذور التي نزرعها ونرعاها و ننتظر طويلا لجني ثمارها .
ضياء نافع / عميد كلية اللغات الاسبق

رأيت كلية اللغات بجامعة بغداد في منامي . كنت اتنزه في حدائقها المليئة بالنخيل ( سيد الشجر ! ) , وتوقفت عند التمثال النصفي للشاعر الروسي بوشكين , وحييته بالروسية وسألته عن احواله واخباره , فقال لي انه قد تعوٌد على الطقس العراقي الان , وان لديه علاقات طيبة جدا مع العراقيين والعراقيات بشكل عام وانهم يتجمعون حوله بعض الاحيان وهم يرتدون الملابس الروسية, وينشدون الاغاني الروسية, و حتى يحملون العلم الروسي تحية له , بل وان لديه ايضا معجبات عراقيات , فابتسمت انا وقلت له باللهجة العراقية – دير بالك يمعٌود , اذ انك يا الكساندر سرغيفيتش تعيش في بغداد الان وليس في بطرسبورغ او موسكو , فهزٌ رأسه موافقا , ثم سألته وانا اودعه , هل لديه رغبة – ما اقدر ان اوصلها الى العمادة , فقال رأسا , نعم اتمنى ان أرى بعض زملائي يقفون جنبي , فسألته من هم

؟ فقال دستويفسكي وتولستوي وتشيخوف مثلا , فقلت له أليس هذا كثير على حدائق كلية عراقية في بغداد ؟ فقال لا ابدا , فانا الان بوشكين العراقي وهم سيكونون كذلك – دستويفسكي العراقي وتولستوي العراقي وتشيخوف العراقي , وسيكون ذلك كله نواة متحف الادب العالمي في حدائق كلية اللغات , وهو متحف وحيد وفريد ومتميز في العالم كله , ويمكن ان يتوسع ويتطور , وسيكون مفخرة لبغداد وجامعتها وللعراق ككل , فاجبته بانني اقتنعت فعلا بفكرته الجميلة والمبتكرة حقا, وساحاول ايصالها للعمادة مع موقفي المؤيد جدا لها . ابتعدت عنه قليلا واذا بي اقف امام تمثال نصفي للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيغو. تعجبت من هذا التمثال النصفي واقتربت منه وحييته بالفرنسية وسألته – متى وصلت الى بغداد وكيف حصلت على سمة الدخول اليها ؟ فأجابني مستغربا من سؤالي – الم تسمع بذلك ؟ فقلت له – كلا , لم اسمع , فقال لي , لقد قام قسم اللغة الفرنسية وبالتنسيق مع الملحقية الثقافية في سفارة فرنسا في بغداد بذلك , وانه يقيم الان في حدائق كلية اللغات منذ فترة طويلة , وان طلبة القسم واساتذته يزورونه غالبا ويتحدثون معه حول ابطال رواياته , بل وحتى يزوره ادباء عراقيون من خارج القسم ويتناقشون معه حول نتاجاته الابداعية, ثم اضاف مبتسما وباعتذار – لقد سمعت مقترح بوشكين حول متحف الادب العالمي وانا اؤيده كليا , واضيف الى انني ايضا اتمنى ان ارى جنبي تماثيل مولير وفولتير وبلزاك وروسو و و ووو , فاجبته مبتسما باني سانقل اقتراحه الى العمادة حتما , اذ كيف يمكن لمتحف الادب العالمي ان يكتمل فعلا دون تلك الاسماء الفرنسية العظيمة . تركته وانا معجب جدا باقواله , وسرت لاحقا في الحديقة واذا بي أرى تمثالا نصفيا للشاعر الالماني الكبير غوته , وهو يقف عند جذع نخلة باسقة مليئة بالتمور اللذيذة , وتوقفت عنده وحييته بالالمانية ولم اسأله طبعا كيف وصل الى بغداد وكيف حصل على سمة الدخول اليها , بل اني تظاهرت باني اعرف كل ذلك , وان قسم اللغة الالمانية قد حصل على كل ذلك بالتنسيق مع الملحقية الثقافية في سفارة المانيا ببغداد , اذ لا يلدغ المؤمن ( بعد هيغووالحديث معه

!) مرتين . سألت غوته عن اوضاعه , فقال انه سعيد جدا باقامته هنا , وان طلبة قسم اللغة الالمانية واساتذته غالبا ما يزوروه ويقرأون اشعاره باللغة الالمانية . تركته مسرعا لاني على ثقة من تأييده لفكرة بوشكين حول متحف الادب العالمي , ومن المؤكد انه سيقترح اسماء اعلام آخرين من الادب الالماني , وقد تأسفت – بعد اللقاء به – لأني لم أسأل بوشكين وهيغو فيما اذا كان طلبة واساتذة قسمي اللغة الروسية والفرنسية يزورونهما ويقرأون اشعارهما عند تمثاليهما كما يفعل طلبة واساتذة اللغة الالمانية. وانا في تأملي هذا , شاهدت تمثالا نصفيا لسرفانتيس الاسباني في حدائق كلية اللغات , فتوقفت عنده بالطبع , وحييته بحرارة , اذ اني احبه فعلا من اعماق قلبي وعقلي , ولم أسأله طبعا متى وكيف وصل الى حدائق الكلية, اذ اني استنتجت رأسا انه جاء الى هنا نتيجة جهود قسم اللغة الاسبانية والملحقية الثقافية في سفارة اسبانيا ببغداد . ابتسمت وسألته عن أخبار دون كيشوته , او دون كيخوته كما يقول البعض , فقال ان بطله لا زال يسبب له مشاكل كثيرة لحد الان , وخصوصا في العراق , وانه لو كان يعرف مسبقا بذلك لما وافق ان يحل ضيفا في حدائق كلية اللغات في بغداد . حاولت انا ان أخفف من ردود فعله هذه , وقلت له ان تلك الظاهرة الاجتماعية الخطيرة فعلا ستنتهي قريبا جدا , وان الامور ستعود الى نصابها حتما ولا يمكن ان تستمر هكذا ابدا في بلاد مابين النهرين العريقة , ولكنه لم يقتنع بما قلته له , وقال انه طيلة مدة اقامته هنا لا يمكن ان يتقبل او يقتنع ان الامور ستعود الى نصابها كما اقول له, وان دون كيشوت لا زال في بغداد يعمل و يزاول نشاطاته وخططه بحيوية وقوة وهمٌة ونجاحات . لم استطع مع الاسف ان اقنع سرفانتس بافكاري , وقلت له مبتسما اننا سنعاود النقاش لاحقا حول ذلك , خصوصا وانني اود ان اتحدث معه حول فكرة جميلة بشأن متحف الادب العالمي في كلية اللغات , وان رأي سرفانتس مهم جدا جدا حول هذا المقترح , فوافق على ذلك بكل سرور , وقال انه ينتظر قدومي , اذ اني اخبرته باني أسرع للقاء شكسبير, الذي كان ينتظرني عند مدخل قسم اللغة الانكليزية , فقال لي ان شكسبير

استاذنا , وانه يحترم موعدي معه ورجاني ان ابلغه تحياتي , وهكذا تركته وذهبت الى التمثال النصفي لشكسبير , الذي يقف مبتسما بهدوء وهيبة وشموخ , ويحاول طلبة واساتذة قسم اللغة الانكليزية ان يحيطوه دائما , وان يجسدوا ابطال مسرحياته , وخصوصا هاملت وروميو وجوليت ! , وقد حييته بالانكليزية وسألته عن انطباعاته حول اجواء كلية اللغات , فأجابني انه مرتاح من تلك الاجواء التي تحيطه , وانه يشعر في العراق انهم يفهمونه جيدا ويحبونه , ثم ابتسم واضاف قائلا – ( رغم ان البعض اطلقوا عليٌ اسم شيخ زبير , وحولوا اوتللو الى عطيل , وتعاملوا مع هاملت كما يحلوا لهم ) فقلت له ان ذلك نتيجة المحبة له والاعتزاز به ليس الا , فوافق على التبرير هذا مجاملة على ما يبدو, ( كان غير مسرورا بذلك ) , فحاولت ان أغيٌر موضوع الحديث , فسألته هل توجد عنده رغبة – ما اقدر ان اوصلها الى عمادة الكلية او من يشاء , فقال رأسا – نعم , انني اتمنى ان أرى في كلية اللغات مسرحا دائما يقدم عروضا مسرحية باللغات الاجنبية للعراقيين وللاجانب المقيمين في بغداد على حد سواء, وان الكلية مؤهلة لذلك , وانني مستعد – وبكل سرور – للتنازل عن كل حقوق التأليف لمسرحياتي لادارة هذا المسرح , ويمكن للطلبة والاساتذة في قسم اللغة الانكليزية وبالتعاون مع مسرحيين عراقيين كبار ( وهم موجودون فعلا ) , ان ينظموا هذا العمل الفني الجميل , وقد فرحت انا فرحا كبيرا وعظيما بهذا المقترح وقلت له انني اؤيد ذلك بحرارة وسأعرض مقترحك حتما امام العمادة وادافع عنه , خصوصا وانه سبق لي ان حاولت تحقيقه قبل فترة من الزمن ويشهد على ذلك الصحفي العراقي المعروف الاستاذ حسب الله يحيى وابنه المسرحي خريج كلية الفنون الجميلة في حديثنا المشترك قرب برج جامعة بغداد في الجادرية عام 2004 , ولم احاول ان اتكلم مع شكسبير حول متحف الادب العالمي , لانني كنت متأكدا من موافقته اولا , ومن اقتراحاته ثانيا باضافة اسماء ادباء انكليز مثل ديكنز و و و , وتركته مبتعدا , و فجأة صحوت من النوم , وهكذا لم استطع ( في منامي ) ان ازور اماكن اخرى في الكلية ترتبط باقسام اللغات الايطالية

والتركية والفارسية والعبرية والكردية والارامية , وكم تأسفت لذلك , اذ من المؤكد ان لديهم مقترحات اخرى جديدة, او ربما اضافات معمقة لتلك الافكار التي تحدثنا حولها وتطويرها .