مقدمة :
بدءاً أقول أن الكثير من الكتاب ، لابل كلّهم يستخدمون مصطلح ” دولة ” بدلا من مصطلح ” حكومة ” أو ” النظام السياسي ” ، وهذا غير صحيح ، ذلك لأن مفهوم ” الدولة ” يعني أنها ترتكز على ثلاث أركان ، هي الإقليم ، الشعب ، السيادة ، وهناك من يضيف ركن رابع وهو الاعتراف القانوني بهذه الدولة، ومع ذلك سأضطر إلى استخدام هذا الخطأ الشائع على وفق المثل ” خطأ مشهور خير من صواب مهجور ” .
ظهرت فكرة “الدولة المدنية ” عبر محاولات فلاسفة التنوير في أثناء ” عصر النهضة ” والذي هو عبارة عن حركة ثقافية استمرت تقريبا من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر، وكانت بدايتها في أواخر العصور الوسطى من إيطاليا ثم أخذت في الانتشار إلى بقية أوروبا، والهدف من فكرة ” الدولة المدنية ” هو لنشأة دولة حديثة تقوم على مبادئ المساواة وترعى الحقوق، وتنطلق من قيم أخلاقية في الحكم والسيادة ، ولقد تبلورت فكرة “الدولة المدنية “عبر إسهامات لاحقة ومتعددة من مصادر مختلفة في العلوم الاجتماعية .
ولكى يبلور المفكرون طبيعة الدولة الجديدة لجأوا إلى تصوير حالة الطبيعة التي تقوم على الفوضى وعلى طغيان الأقوى، فهذه الحالة تحكمها مشاعر القوة والغضب والسيطرة ، فتفقد الروح المدنية التي تتسم بالتسامح والتساند والتعاون من أجل العيش المشترك .
إن تأسيس الدولة المدنية هو الكفيل بسيادة هذه الروح التي تمنع الناس من الاعتداء على بعضهم البعض من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية، تستطيع أن تنظم الحياة العامة وتحمى الملكية الخاصة، وتنظم شؤون التعاقد، وأن تطبق القانون على جميع الناس بصرف النظر عن مكاناتهم وانتماءاتهم وتمثل الدولة إرادة المجتمع(1).
ظهر مصطلح الدولة المدنية يتداول في الوطن العربي ، حيث كان أول استخداماته في مصر/ عهد الرئيس أنور السادات، لأن وقعه أخف على الجموع من العلمانية والليبرالية( 2) .
وظهر هذا المصطلح ” الدولة المدنية ” بقوة مرة أخرة ابتداءاً من عام 2011م ، حين بدأت الإحتجاجات في أقطار الوطن العربي والتي سميت ب ” الربيع العربي ” ، وقد بدأت
الشرارة الأولى لهذه الإحتجاجات في تونس واتجهت فيما بعد نحو مصر ، وليبيا ، ثم اليمن ، وليس آخرها سورية .
لقد حصل جدال كثير بين السياسيين ، وخاصة الذين يمثلون التيارات الإسلامية حول هذا المصطلح ” الدولة المدنية ” ، فمنهم من وقف ضده ، وآخرون رحبوا به ، والبعض الآخر رأى أنهم من الممكن الأخذ به مع بقاء خصوصيات الدين الإسلامي .
ماهي جذور ” الدولة المدنية ” ؟ ، وما هو مفهوم “الدولة المدنية” ؟، وماهي المبادئ التي تقوم عليها ؟ ، وماهي وظائفها ؟ ، وما هو موقف علماء الدين الإسلامي ومفكريه من هذه الدولة ؟ ، وهل أن ” الدولة المدنية ” ممكنة التطبيق في الوطن العربي ، وحسبما طالبت بها الجماهير المحتجة على أنظمتها في 2011م ؟ ، وماهي حظوظ تطبيقها في اليمن ؟ ، هذا ما سنحاول الإجابة عليه وبشكل مركّز .
جذور ” الدلولة المدنية ” :
مفهوم ” الدولة المدنية ” ليس بالجديد ، وإنما يرجع إلى أن حكماء بلاد اليونان الأوائل في عصور ماقبل الميلاد هم أول الفلاسفة عبر التاريخ الذين وضعوا نظرية الدولة المدنية، لتكون مؤسسة مناهضة لسلطة الاستبداد بعد أن هيمنت على إرادة المجتمع اليوناني لفترة من الزمن .
وكان لظهور ونمو الفلسفة وأساطينها الدور الكبير في تبلور مفهوم الدولة المدنية مرتكزة على احترام حقوق الإنسان ، لكن نقطة اختلاف مفهوم الدولة آنذاك عن مفهوم الدولة الليبرالية الحديثة تمثلت في تقسيم المجتمع اليوناني إلى طبقات اجتماعية كطبقة الأشراف وتتكون من أفراد الحكام والكهنة والقضاة ، ثم طبقة أصحاب المهن تليها طبقة الفلاحين الفقراء ، ثم تعقبها طبقة الأرقاء، وهذا التصنيف يأتي انطلاقا من طبيعة مؤهلات أفراد الطبقات، وذلك لرؤية الفلاسفة اليونانيين آنذاك لا يمتلك أفراد الطبقات الثلاث التي تلي طبقة الأشراف من حيث الأهمية والنفوذ السياسي والاجتماعي والفلسفي ، القدرة والثقافة والحكمة التي تؤهلهم لتسلم مناصب الدولة العليا فانحصرت هذه الوظائف بأفراد طبقة الأشراف ليقوموا بوظيفة إدارة شؤون الدولة قانونيا ومدنيا وسياسيا، ومعنى ذلك أن كل فرد في المجتمع ينتمي إلى الطبقة التي يستحقها ، وينال حقوقه ومساحة حرياته وفق مستواه الفلسفي والثقافي.
أما في أوروبا الحديثة فإن الدولة اتخذت مسارا تاريخيا سياسيا جديدا مغايرا ، بعد أن نشأت على أنقاض سلطة الاستبداد الإقطاعية الكنسية، وكان أبرز مفهوم نظري حقوقي وقانوني ، وأهم وظيفة ارتكزت عليها تطبيقيا، هي آلية الاحتكام لسلوك العقد الاجتماعي الذي يتطلب احتراما والتزاما متبادلا بين كافة أفراد المجتمع دون أدنى استثناء بالنسبة للحقوق والحريات والوظائف والواجبات ، سواء كانت مادية أم معنوية، وأسلوب الاتفاق اجتماعيا
وسياسيا مابين المواطنين، يتم تفعيله بواسطة تشكيل المنظمات والأحزاب السياسية غير المتصارعة بل المتنافسة فيما بينها التي تضم طيفا محددا من الأفراد، يتبنون مبادئ وأهدافا تتضمن احترام الحريات والحقوق العامة والخاصة لكافة المواطنين بموجب دستور العقد السياسي ، ونتيجة لهذه الثقافة وقيمها وتطبيقاتها تم إبعاد سلوكيات التعصب الأهلي بمختلف أنواعه عن المجال السياسي داخل نطاق الحكومة ونظمها الإدارية ، لأن ثقافة التعصب تتضمن إقصاءاً سياسيا لطيف أو طوائف اجتماعية من قبل فئة متعصبة مستبدة سواء كانت تنتمي إلى طائفة دينية أو مذهبية أو قبلية أو قومية أو عرقية أو سياسية ، وبهدف توفير فرص المساواة بين المواطنين خاصة في مجال الحقوق السياسية نشأت نظرية الدولة المدنية البعيدة عن الاستبداد والتهميش(3) .
مفهوم ” الدولة المدنية ” :
“الدولة المدنية” ، هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينة أو الفكرية، وهنالك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة ، أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ “الدولة المدنية” ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر، فهنالك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم(4).
وهي تعني ايضاً اتحاد من أفراد يعيشون في مجتمع يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل، فمن الشروط الأساسية في قيام الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر ، فثمة دائما سلطة عليا ـ هي سلطة الدولة ـ يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك.
هذه السلطة هي التي تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل الأطراف، وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم، ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا(5).
مبادئ ” الدولة المدنية ” :
للدولة المدنية مبادئ ترتكز عليها ، وأهمها الآتي :
1. أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة ، كما أنها لاتُعادي الدين أو ترفضه ، فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة
للعمل والإنجاز والتقدم، حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة، وهذا ما نعيشه في الوقت الراهن في وطننا العربي وحتى في بعض الدول الإسلامية .
2. المواطنة ، والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين .
3. تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات.
4. الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، حيث أن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ووجود حد أدنى من القواعد يتم اعتبارها خطوطا حمراء لاينبغي تجاوزها.
5. الديمقراطية ، هي التي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة(6).
وظائف “الدولة المدنية ” :
بصورة عامة تتجسد وظائف الدولة المدنية وتتلخص في الآتي :
1. توفير فرص العمل والعيش الكريم لمواطنيها ، لكن الشرط الأساس لحصولهم على الدخل المالي العادل هو اشتراكهم في عملية إنتاج السلع والخدمات ، وتجنب تحولهم إلى عاطلين يشكلون عبئا على الميزانية العامة أو مثالا للبطالة المقنعة ، أو مصدر هدر لجزء من المال العام فيلحقون الضرر بمنافع بقية المواطنين باعتبار أن هذا الضرر الجسيم هو صورة للفساد المالي والإداري الذي تعاني منه العديد من دول العالم الثالث كالعراق مثلا الذي ترتفع نسبة البطالة المقنعة فيه لتصل إلى مستويات خطيرة جدا ، إضافة إلى البطالة التقليدية التي بسببها لايجد الكثير من المواطنين السكن والدخل الاقتصادي الذي يلبي حاجاتهم المتعددة .
2. بناء مجتمع اقتصادي نموذجي ، وتأهيل أفراده ليكونوا منتجين وليسوا عاطلين يشكون الفقر باعتباره ظاهرة اجتماعية سلبية تتناقض مع قيم ومثل وثقافة الدولة المدنية الحديثة.
3. توفير المناخ الأمني والاستقرار النفسي لكل المواطنين، باعتبار أن الحاجة إلى الأمن ضرورة اجتماعية ونفسية لايمكن الاستغناء عنها .
4. تهيئة سبل التعبير عن حرية الرأي بشتى الطرق وفق ضوابط قانونية محددة ورسمية، وحرية التعبير هذه مفتوحة ومتاحة في مجالات عديدة منها حق الاشتراك في تحديث السلطة التشريعية ترشيحا وانتخابا، وإبداء وجهة النظر عبر الصحافة الحرة وتفعيل سلوكية الاحتجاج والتظاهر والاجتماع وإقامة المؤتمرات والندوات، وتأسيس المنظمات والاتحادات والنقابات المدنية للدفاع عن الحقوق وممارسة عملية تثقيف أعضائها بضرروة المحافظة على مسؤولياتهم المهنية والاجتماعية لتطبيق قيم الثقافة المدنية.
5. بناء المؤسسات التعليمية وتهيئة مستلزماتها ، لنشر المعرفة المهنية والثقافة العامة من أجل تنمية المواطنين معرفيا ومهنيا ، فليس هنالك تقارب في مستوى العمل المهني والخصوصيات الثقافية والوعي بأنواعه المتعددة بين الفرد الأمّي والفرد المتعلم ، الذي يكون مؤثرا وفاعلا في تأدية واجباته تجاه نظرائه المواطنين، بينما يبدو الفرد الأمي عاجزا أو قليل التأثير بالنسب لموقعه المهني في المجتمع سواء من حيث المهنة التي يمتهنها أو مستوى ثقله الثقافي والمعرفي ، فالبلدان المتقدمة في مجالات متعددة تطورت بفضل المتعلمين والعلماء ، أما البلدان المتخلفة فبقيت عاجزة عن مواكبة التطور لانخفاض نسبة المتعلمين فيها وارتفاع نسبة الأميين.
6. بناء المؤسسات الصحية وتضمينها الوسائل التقنية الحديثة لمكافحة مختلف الأمراض والأوبئة وتوفير سبل الوقاية منها لتأمين الأمن الصحي والنفسي والمعنوي لأفراد المجتمع.
7. بناء مؤسسات الحفاظ على البيئة ، والتشجيع على تأسيس منظمات الدفاع عن البيئة أو السلام الأخضر ، وتوفير الدعم اللازم لها لتمارس دورها الإنساني في حماية البيئة وإصلاحها .
8. اعتماد الحكومة نظام الضمان الاجتماعي لرعاية كبار السن والمعوقين والمتقاعدين.
9. للحكومة سلطة اقتصادية ليست مطلقة تتجسد في الانتاج والاستثمار عبر مؤسسات وشركات قطاعها العام، إضافة إلى ممارستها لوظيفتها الإدارية بالإشراف على تطوير
السوق المالية والمصارف وحمايتها من الاحتكار والأزمات والتضخم بكافة أنواعه عبر تنفيذ برامج مالية محددة، لكن هذه الوظيفة لاتعني منع رجال الأعمال والقطاع الخاص والمختلط من المستثمرين والمنتجين من ممارسة نشاطاتهم الاقتصادية التجارية بصورة مستقلة شرط أن لا تمس النظام الاقتصادي العام.
10. تتبنى الحكومة مبدأ المساءلة من قبل جهاز تؤسسه لمتابعة سياسات وزاراتها ووزرائها والمدراء العامون والموظفين الكبار والصغار واقتفاء آثار الفساد والمفسدين لتقديمهم إلى القضاء العادل لمحاسبتهم.
11. عدم السماح بالتداخل في الوظائف والحقوق بين المؤسسة العسكرية الاستثنائية وسلطة الشرطة والأمن الداخلي باعتبار أن سلطتهما مدنية تعمل على توفير الأمن للدولة داخليا وتنظيمه ضمن قطاعها العام وكذلك القطاع الخاص(7) .
موقف علماء الدين الإسلامي ومفكريه من ” الدولة المدنية ” :
تعرضت ” الدولة المدنية ” للكثير من الآراء ،وأهمها الآتي :
الرفض المطلق (التقليد):
يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي، والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه الوقوف عند أصول الدين وفروعه، وهو موقف يقوم على الرفض المطلق للدولة المدنية أي رفض كافه دلالات مصطلح الدولة المدنية بحجة انها جميعا تتناقض مع الإسلام.
القبول المطلق (التغريب):
يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية ، وبالتالي فهو يقوم على القبول المطلق للدولة المدنية، أي قبول كافه دلالات مصطلح الدولة المدنية أ ودلالته الخاصة المنفردة ، ومثالها الدولة المدنية كجزء من الليبرالية كفلسفة ومنهج و نظام شامل ،علماني في موقفه من الدين، فردى في موقفه من المجتمع، رأسمالي في موقفه من الاقتصاد، كان محصلة عوامل ثقافية ونفسية وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون.
و جوهر الدعوة إلى الدولة المدنية طبقا لهذه الدلالة في مجتمع إسلامي هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد الإسلامية “التي تشكل الهيكل الحضاري لهذا المجتمع”، بالقيم والآداب والقواعد الغربية لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء الى الحضارة الغربية ، وهو مضمون التغريب.
وهنا نلاحظ ان الموقف الأول من الدولة المدنية ، أي الرفض المطلق لها، كان أساسا رد فعل لهذا الموقف، وهكذا فإن الموقفين السابقين رغم تناقضهما فإنهما يشتركان في جعل العلاقة بين الدولة المدنية والإسلام هي علاقه تناقض .
الموقف النقدي (التجديد) :
يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام “التي مصدرها النصوص اليقينية القطعية الدلالة” التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة سواء كانت من إبداع المسلمين ، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.
و بالتالي فإن هذا الموقف يتجاوز موقفي الرفض المطلق أو القبول المطلق إلى موقف نقدي من الدولة المدنية يقوم على التمييز بين الدلالات المتعددة لمصطلح الدولة المدنية ، فالإسلام لا يتناقض مع الدلالة العامة المشتركة لمصطلح الدولة المدنية ممثلة في اسناد السلطة للشعب ، وإن السلطة نائب ووكيل عنه ، له حق تعيينها ومراقبتها وعزلها.
فالفلسفة السياسية الإسلامية قائمة على جملة من المفاهيم الكلية التي لا تتناقض مع هذه الدلالة ، كإسناد الحاكمية أي السيادة “السلطة المطلقة” لله تعالى استنادا الى مفهوم التوحيد ” … إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ”( يوسف: 40) ، واستخلاف الجماعة “الشعب” في الأمر أي السلطة “ممارسة السيادة في زمان ومكان معينين” استنادا الى مفهوم الاستخلاف، ومن أدلة ذلك تقرير القرآن الكريم أن الأمر، أي السلطة شورى بين المسلمين “وأمرهم شورى بينهم”، وكذلك عموم الاستخلاف في القرآن ” هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ” ( فاطر: 39).
وكذلك جاء تعريف علماء الاسلام ل”البيعة ” متسقا مع كون السلطة في الدولة المدنية نائب ووكيل عن الشعب ، له حق تعينها ومراقبتها وعزلها
ويعرف الماوردي* البيعة بأنها ” عقد مرضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار” ويقول آخر أن الخليفة ” وكيل للمسلمين ” (الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 7 ).
أما الدلالة الخاصة المنفردة لمفهوم الدولة المدنية ، أي ما اكتسبه المفهوم من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع مجتمع معين، والذي تنفرد بفهمه فلسفات ومناهج معرفة معينة ، ومثالها المفهوم الليبرالي للدولة المدنية، كما جرى تطبيقه في واقع المجتمعات الغربية، فإن الموقف النقدي منها يقوم على أخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يناقضهما.
أما المفهوم الإسلامي للدولة المدنية كمثال للدلالة المنفردة لمفهوم الدولة المدنية فيتمثل في إسناد السلطة السياسية – التي عبر عنها القرآن الكريم بمصطلح الأمر- الى الجماعة (الشعب) ” وامرهم شورى بينهم”، بما يتسق مع إسناد السلطة الروحية أو الدينية- التي عبر عنها القرآن الكريم بمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – اليها ” كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر “، وبما يتسق مع رفض الإسلام السلطة انفراد فرد أو فئة بالسلطة الدينية أو الروحية دون الجماعة، أي الكهنوتية أو رجال الدين” واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ” (8).
من هذه الآراء ، نستطيع القول أنها تتعلق بقائليها ، بمعنى هناك من علماء الدين الإسلامي ومفكريه من يكون ” متشدداً ” وهناك من يتعامل مع الزمن بكل موضوعية ، حيث القرآن الكريم نزل لكل زمان ، وهناك من يكون معتدلاً يأخذ بما جاءت به الحضارة الغربية التي لاتمس عقائد ديننا الإسلامي الحنيف .
تطبيق ” الدولة المدنية ” :
تطبيق” الدولة المدنية ” في الغرب :
من الواضح أن الدول الغربية التي عانت من سلطة الكنيسة ورجال الدين ، قد اتخذت منهج ” الدولة المدنية ” كنظام للحكم ، بمعنى جعلت ” رجال الدين ” مختصين في الأمور الكهنوتية ، وليس لهم علاقة بالسياسة ونظام الحكم ، ونتيجة لهذا الفصل التي أحدثته في الغرب “الدولة المدنية ” ، فقد تحقق لدول الغرب نجاحات على الصعد كافة ، حيث لا يمكن السماح بشيء يساهم في خلخلة العمل بمبادئ الدولة المدنية التي تعني في الأساس أن جميع المعاملات والقضايا العامة يجب أن تسير من خلال تداول السلطات عبر عقد اجتماعي واتفاقيات ملزمة لجميع الأطراف بحكم قانون يعامل الجميع على أساس المواطنة المتساوية وعليه لا يمكن لرئيس أو مسؤول أن يبقى في منصبه مدى الحياة لأن ذلك يعني عقم المجتمع وانسداده، (9) .
تطبيق ” الدولة المدنية ” في الوطن العربي ” :
في وطننا العربي ، هنالك إشكالية معقدة في أنظمة الحكم ، سواء الملكية منها أو الجمهورية ، حيث الشعارات التي يطرحها القابضون على السلطة ، هي شعارات المساواة أمام القانون ، وحرية التعبير ، وعدم انتهاك حقوق المواطن ، وغيرها من الشعارات التي يطمأن من يسمعها ، لكن الواقع غير ذلك .
فالأمر يختلف في وطننا العربي الذي لا يسمح بتغيير الوجوه ، ولا وجود لعقد اجتماعي يعتمد المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
أما في منطقة الخليج العربي ، فالأمر يبدو معقداً، إذ إن المجتمعات مازالت تعيش في ظل المفاهيم الأبوية، سواء كانت قبلية أو طائفية، هذا النظام الأبوي يصطدم مع فكر الدولة المدنية التي تتكلم بلغة التعددية في الفكر والمعتقد والعرق وتتكلم عن المساواة أمام القانون وعن حقوق الإنسان البعيدة كل البعد عن التراتبية الأبوية.
للأسف تلك هي الإشكالية ولا يمكن الإصلاح إلا من خلال تغيير حقيقي في العقلية السائدة سواء لدى الجهات الحاكمة أو مختلف فئات المجتمع التي هي الأخرى مطالبة بتقبل التغيير، وعدم تفصيله بالصورة التي تناسب مصلحتها وإلغاء مصالح الجماعات الأخرى.
ولعلّنا بحاجةٍ في الوقت الراهن إلى مقاربات تتوسط الطموح المشروع بالسعي إلى تحقيق الدولة المدنية، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال احترام حقوق الإنسان، والابتعاد عن التعصب والتطرف الذي لايزال قائماً للأسف في مجتمعاتنا العربية، ويشكل عائقاً مباشراً للوصول إلى حالة تعاقدية على مستوى السياسة.
المشكلة حالياً لا تقتصر بالضرورة على الأنظمة السياسية وحسب، إنما هي مشكلة متعمقة لدى أفراد وجماعات تطالب بأطروحة الدولة المدنية(10).
هل ل ” الدولة المدنية ” حظوظاً لتطبيقها في اليمن ؟ :
مثلت سلطة القبيلة وما تزال مكوناً رئيساً في المجتمع اليمني، ورقما صعباً لا يمكن تجاهله أو تجاوزه بأي حال من الأحوال، وحتى في ظل التعددية الحزبية والديمقراطية التي نص عليها الدستور اليمني منذ الثاني والعشرين من أيار/مايو 1990.
فالمؤسسة القبلية تعد المسيطر الأول على مركز صناعة السياسات العامة في اليمن، ذلك أن القبيلة على مدى القرون الماضية ظلت هي المرجعية الأساسية لمراكز سلطة القرار.
وبطريقة تثبت مدى العلاقة الجدلية بين القبيلة والسلطة، يبرز بوضوح تمسك الفكر القبلي بالقوة ودعمه لكل مظاهرها، ويرى متخصصون في الشأن اليمني أن القبيلة عمدت عبر مراحل شتى إلى توسيع نفوذها، وتدعيمه باختراق المؤسسة العسكرية واحتكار الكثير من المناصب العليا فيها لصالحها.
كما عمدت القبيلة إلى عقد تحالفات عسكرية خارج إطار المؤسسة العسكرية عبر القبائل الموالية لها، لممارسة الضغوط على الدولة بهدف الإبقاء على نفوذها القبلي، وضمان استمرارية إذعان النظام الحاكم لسلطتها، مما يحد معه أي إمكانية لتطبيق القانون المدني في البلاد.
يقابله بنفس درجة الاهتمام، سعي السلطة في اليمن ماضيا وحاضرا لاحتواء المؤسسة القبلية وضمان ولاءها بأشكال مختلفة تخدم سياساتها(11) ، باستثناء عهد حكم الرئيس إبراهيم الحمدي (1974-1977م) الذي حاول تحجيم دور القبيلة في السلطة .
اليمن هي إحدى أكثر الدول العربية من حيث التركيبة الاجتماعية التقليدية القبلية والمناطقية، التي ظلت المرجعية الأساسية لمراكز سلطة القرار منذ ما يقارب 1100 سنة ، ووقفت حجر عثرة أمام تطوير بنية الدولة في العقود الماضية، وبعض مناطق اليمن لم يتخط أوضاع سكانه حالة مجتمعات ما قبل الدولة، ولم تنل منها أطوار الحداثة سواء من ناحية طبيعة الهياكل والأبنية الاجتماعية، أو التقاليد والثقافات السائدة، أو أنماط الإنتاج وتوزيع الموارد بين القبائل والمناطق وبين البوادي والريف والحضر، وباستثناء عدد من المراكز الحضرية ” خصوصا عاصمة دولة الجنوب السابقة عدن ، وبعض المراكز والمناطق بالعاصمة صنعاء وعواصم المحافظات التاريخية” و لا تزال أغلب مناطق اليمن نائية ومشتتة جغرافيا وبعيدة عن جوهر الحياة العصرية وسلطان
المركز، وباختصار خارج العصر، وبعضها الآخر تعرض للتشوه، فلم يبق على طابعه التقليدي، ولم يفلح في الانخراط في عمليات التحديث، وشهد البعض الآخر مأسسة للقبيلة في ظاهرة عرفها البعض بـ”القبائل الدول” التي تعيش في “دولة كالقبيلة”، كرست ثنائية تبادلية وإحلالية في الأدوار بينهما.
فهل يمكن أن ينجح اليمن في إرساء دولة القانون والديمقراطية والمواطنة المتساوية وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية وتمكين المرأة على غرار ما تفترضه الدولة المدنية العصرية؟ ، وهل يتمكن من إنهاء حالة دول القبائل وميراث قبلية الدولة؟ ، البعض يؤكد أن قيام المجتمع المدني باليمن يبدو أمراً شبه مستحيل، لأن القبيلة ستبقى في صدام مع مشروع الدولة المدنية، وسترفض الاندماج في المجتمع المدني وسيمنع نفوذها أي إمكانية لتطبيق القانون المدني، ومن ثم ستبقى القبيلة “خط أحمر لا يمكن تجاوزه”(12).
وبعد الاحتجاجات التي خرج بها الشباب في عام 2011 ، والتي طالبت بإقامة ” دولة مدنية ” ،فقد أخذ مشروع “الدولة المدنية ” طريقه أيضا إلى برنامج حكومة الوفاق الوطني، لكن المشهد اليمني لا يشير إلى أن هذا الهدف سيكون الأساس الذي يوجه القوى السياسية والحكومة خلال الفترة المقبلة، وإنما من المتوقع أن يقع بشأنه خلاف – وربما صراع- كبير، فإلى جانب طرح شعار الدولة المدنية في ميادين الثورة، فقد شهدت تلك الميادين حضورا مكثفا للقبيلة وانخراط جزء كبير من مشايخ القبائل في الثورة.
وعلى جانب آخر، طرحت في “ميادين الثورة ” الشعارات والخطب الدينية بكثافة، خصوصا من جانب حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي الخلفية الإسلامية الإخوانية، وينظر الإسلاميون بتوجس إلى خيار الدولة المدنية لما ينطوي عليه من دلالات علمانية، وفي هذا الصدد يؤكد الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس مجلس شورى “التجمع” أن: مفهوم الدولة المدنية هو مفهوم غربي وافد على البلدان العربية والإسلامية، كما أنه مفهوم مشبع بدلالات فكرية واستراتيجية ترتبط باستراتيجيات علمنة المجتمعات المسلمة، وإزاحة النموذج الإسلامي في السياسة والحكم(13) .
هكذا يشير الواقع اليمني بعد “الثورة” ، إلى أن الدولة المدنية، وإن كانت مطلباً أساسياً وهدفاً لشباب التغيير والقوى الليبرالية، إلا أنها قد لا تكون الخيار الرئيس الذي تتفق عليه القوى صاحبة النفوذ العتيق في المشهد اليمني، للاعتبارات الخاصة بالقراءة الدينية السلفية المناهضة للدولة المدنية، أو لأسباب تتعلق بالمصالح القبلية والعسكرية والتجارية المستفيدة من الواقع التقليدي القائم، والتي ستحارب القوى التي تسعى لإفراغ وضعيتها وسلطاتها من مضمونها فهناك شيوخ القبائل الذين ينظرون للدولة المدنية على أنها سوف تجهز على سلطانهم ونفوذهم
القبلي، وتفقدهم حصصهم وامتيازاتهم من المال العام والشراكة مع السلطة على حساب قبائلهم، وهناك بعضا من رجال الأعمال والتجار الذين سينطلقون في معاداتهم للدولة المدنية من خوفهم على أوضاعهم المميزة وأعمالهم في ظل حكم القانون والمواطنة المتساوية ومفاهيم العدالة الاجتماعية، وما يمكن أن تفرزه من قوانين وتشريعات جديدة معادية للاحتكار والامتيازات الخاصة، وهناك عدد من الضباط الذين يعادون الدولة المدنية من منطلق خوفهم على تحالفاتهم مع شيوخ القبائل.
ومع كل ما تقدم ، إذا اتجهت اليمن نحو مشروع “الدولة المدنية” بجدية ستكون في الفترة المقبلة إزاء أسئلة رئيسة، فهل تبدأ بإنفاذ مشروع الدولة المدنية وتنتهي من تشريعاتها أولاً، أم تتعامل مع مشكلاتها المزمنة المتمثلة في ثلاثي الخطر “الحوثيون والحراك والقاعدة”، قبل أن تفرغ لمشروع الدولة المدنية، أم تتحرك في الاثنين معا؟.
الحقيقة أنه ليس ثمة تعارض بين الاثنين، ولكن حسم هذه الإشكالية سيشغل جانبا مهما من المستقبل اليمني في السنوات المقبلة، فقد يؤدي انشغال الدولة في مواجهتها مع ثلاثي الصراع إلى إغراقها في معارك تنتهي إلى تكريس هذه الصراعات وليس حلها، خصوصا وأن هناك شبكات ومركبات مصالح معقدة تعتاش وتتربح من استمرار هذه الحالة، ولكن لو اتجهت لبناء الدولة المدنية العصرية أولا، فإن أمامها فرصاً حقيقية للقضاء على المشكلات الثلاث، خصوصا أنها جميعها نتاج واقع الفقر والفاقة وعدم العدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من صعوبة إقرار أولوية ومنهج التعامل مع الثلاثي المزمن ومشروع الدولة المدنية، إلا أنه لا يجب لأحد الهدفين أن يلغي أو يؤجل الآخر(14).
ولتحقيق تطبيق منهج ” الدولة المدنية ” في اليمن ، يجب أن يكون الشعب واعٍ ومطلع ومدرك لمفهوم هذه الدولة المدنية ، وهذا غير متوفر لحد الآن ، لاسيما وأن الأمية متفشية فيه ، حيث أوضح تقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في الأمم المتحدة ، يشير إلى أن اليمن لديه النسبة الأعلى من الأمية في الشرق الأوسط, وقد وضع هذا التقرير اليمن في الدرجة الأخيرة بين البلدان العربية التي تتفشى فيها الأمية خاصة في أوساط الإناث التي وصلت نسبتها إلى 77 %(15) .
واللافت أن الجريمة ازدادت في اليمن خلال السنوات الأخيرة على الرغم من وجود حوار وطني بين الحركات الرئيسة في اليمن !، وهذه الجرائم اتخذت طابعاً جديداً تمثل في قتل وخطف الأجانب ، وكذلك الإعتداء على المال العام من خلال الاعتداء على محطات الكهرباء ، وتفجير أنابيب النفط ،والتقطع ، وغيرها ، وهذا مؤشر سلبي على تراجع أعراف وتقاليد القبيلة .
خاتمة :
مما تقدم يظهر جلياّ أن ” الدولة المدنية ” هي منهج ونظام سياسي جيد ، يرتكز على مبادئ المساواة والتسامح ،وفصل الدين عن السياسة ، وتداول السلطة بشكل سلمي ، وعدم تفرد فرد أو جهة ، أو عائلة أو حزب لتحكم الوطن ، وقد استفادت الدول التي طبقت هذا النهج في الحكم .
ولكن نرى أن هذه الدول نفسها لم تتعامل مع بقية شعوب الأرض بهذه المبادئ ، بل أنها على العكس قامت باضطهاد هذه الشعوب واحتلال بلدان مستقلة ، وهذا الوصف ينطبق على أكبر دولة في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها بريطانيا ، حيث دشنتا القرن الواحد والعشرين باحتلال بلدين مسلمين هما أفغانستان 2001م ، والعراق 2003م، وقد دمرتا هذين البلدين ، أما في العراق فالجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية بحق الشعب العراقي لايمكن حصرها ، وهي عار في جبين هذه الدولة ومن ساعدها على احتلال العراق وتمديره، وموقفها المساند للكيان الصهيوني وما يقوم به من جرائم ضد الشعب الفلسطيني وعلى مدى أكثر من ستين عاما ، هو الآخر دليل على أن الولايات المتحدة الأميركية تتصرف مع الشعوب بأكثر من مكيال .
أما فيما يخص موقف علماء الدين الإسلامي ومفكريه من مفهوم ” الدولة المدنية ” ، فالغالبية وقفوا موقف الرفض باعتبار أن الدين الإسلامي الحنيف هو من أرقى الأديان في المبادئ التي أتى بها ، من حيث التسامح وعدم الاعتداء على الآخر ، والتعايش مع الآخر ، أي الذين هم من أديان أخرى ، وكفالة حقوق الإنسان، والكثير من الأسس التي وردت في القرآن الكريم ، كما أن السنة النبوية الشريفة أكدت لنا هذه المبادئ السامية التي جاءت شاملة لمناحي الحياة الخاصة والعامة، وهذا جد صحيح .
لكن ما عاشته الأمة الإسلامية ، بعد عهد الخلفاء الراشدين ، وباستثناء عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز ، نرى أن تطبيق مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف والسنة النبوية الشريف لم تكن صحيحة ، حيث التناحر والقتال فيما بين المسلمين بسبب السلطة وبهرجتها وليس بسبب نشر العدل ومعاملة الإنسان بالتساوي واحترام حقوقه.
لقد تسنى لتيار إسلامي وهو ( جماعة الإخوان المسلمون ) ، الحكم في مصر بعد أكثر من مئة عام على تأسيس هذه الجماعة ، لكن لم تتمكن هذه الجماعة من إعطاء صورة ناصعة للحكم الإسلامي ، وإنما اتخذت منهجاً اقصائيا للكثير من
شرائح المجتمع المصري ،وإن تجربة محمد مرسي اساءت لفكرة الرئيس المدني وشككت الشعب في هذا المعنى، نتيجة خدمته لجماعته على حساب شعبه ، لأن الشعب المصري هو صاحب الفضل في إسقاط مبارك و مرسي بمساعدة الجيش الذي انحاز للشعب(16). وقد تأثر بذلك أقباط مصر ، وجرت مصادمات بينهم وبين المسلمين أدت إلى نتئاج وخيمة طالت العديد من الأرواح وحرق العديد من الكنائس، لذلك ثار الشعب المصري مرة اخرى ضد هذه الجماعة في 30 حزيران /يونيو 2012.
كما أن هنالك مثال آخر أساء إلى تطبيق الدين الإسلامي ، وأقصد هنا ” النظام الإيراني ” الذي جاء إلى الحكم عام 1979م ، ومنذ هذا التاريخ وهو يتخذ منهجا ضيقاً في تطبيق الدين الإسلامي ، حيث المذهب الواحد ، وإقصاء الآخرين .
لذلك فإن أهم شيء ضمن هذه المفاهيم هو التطبيق الأمثل سواء للدين الإسلامي أو ” الدولة المدنية ” ، لكي يعيش الإنسان بحرية ، ومساواة ، ويشعر بكرامته ، التي كرمها الله سبحانه وتعالى .
الهوامش :
1.أحمد زيد ، موقع دولة مدنية .
2. التغيير نت ، 12 نيسان/أبريل 2013.
3. الموسوعة الحرة .
4. يعقوب يوسف جبر الرفاعي ، بناء الدولة المدنية الصالحة ، موقع أخبار الديمقراطية .
5. أحمد زيد ، مصدر سابق .
6. الموسوعة ، مصدر سابق .
7. يعقوب يوسف ، مصدر سابق .
*: هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي (364 – 450 هـ / 974 – 1058 م) أكبر قضاة آخر الدولة العباسية الموسوعة ، مصدر سابق .
8 د. صبري محمد خليل ، الدولة المدنية في الفكر السياسي الإسلامي ، 28 شباط / فبراير 2011 .
9. ريم خليفة ، صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4246 – الأربعاء 23 نيسان/أبريل 2014م الموافق 23 جمادى الآخرة 1435هـ.
10 . المصدر نفسه .
11. تحليل إخباري : الدولة المدنية في اليمن .. إشكالية سلطة أم قبيلة ، وكالة “شينخوا ” الصينية ، 27 / 6 /2011.
12. ، د. معتز سلامة ، هل تنجح اليمن في بناء الدولة المدنية؟ ، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية .
13. المصدر نفسه .
14. المصدر نفسه بتصرف.
15. معاذ المجاهد -الجمهورية نت – الأربعاء 21 نوفمبر- تشرين الثاني 2012 .
16. حمدين صباحي / مصر الآن ، 19 شباط / فبراير 2014م .