تحولت التهديدات والمخاطر التي حاقت بالعراق وشعبه ونظامه السياسي وجيشه وإستقلاله ووحدة أراضيه وحاقت بدول المنطقة ووحدة أراضيها وتماسك مكونات شعوبها تحولت الى فرص كبيرة فتحت آفاقاً واسعة وحملت معها آمالاً عريضة لوضع الحلول لمشاكل العراق وأزماته السياسية وإنعكاساتها الأمنية عليه وعلى جيرانه وتركت الباب مفتوحاً لبلورة صيغة تفاهم عميق ودائم وعمل مشترك بين دول المنطقة قد تُزال معه الحدود بعد ان تم تغيير الوان الخطوط المرسومة من حمراء الى خضراء لحدود العلاقة ومستقبلها بين دول الممانعة إيران/ العراق/ سوريا/ لبنان بالإضافة الى روسيا والصين بما تعبران عنه من مواقف دولية ممانعة وتمثلانه من قوى وازنة ومؤثرة في الساحة الدولية.
فشل المحور الصهيو- أميركي في سوريا وعدم قدرته على قلب الطاولة في العراق وعجزه عن إستفزاز ومحاصرة حزب الله في لبنان وتطويق الدولة في إيران فضلاً عن إحباط محاولته في خلط الأوراق على روسيا في أوكرانيا كل هذا دفعه الى الإستكلاب على محور المقاومة فكانت المباشرة “بالغزوة” الداعشية للسيطرة على الموصل والحركة الكردية البرزانية في إحتلال كركوك بمثابة تحريك البيادق الأخيرة للحلف المعادي على رقعة الشطرنج العالمية ومحاولة أخيرة كما يبدو لتركيع محور الرفض للهيمنة الأميركية.
لم تصب الرمية الصهيو – أميركية وانقلب السحر على الساحر وما كان غرضاً لإختلال موازين قوى المقاومة صار سبباً في تعديل وتقويم موازينها والتفاعل بين مساراتها فقرر محور موسكو/ بكين/ طهران/ دمشق/ بيروت دعم بغداد بقوة والوقوف معها إنطلاقاً من رؤية ستراتيجية شاملة لطبيعة التطورات الحاصلة وأهدافها الجيوسياسية الخطيرة على المنطقة والعالم فالمشروع الجديد يستهدفها بالصميم كما يستهدف العراق الأمر الذي دعاها الى توحيد الجهود الأمنية والعسكرية بما يمهد لتوحد جيوسياسي بعد فشل كل محاولات فك التحالفات بين قوى المقاومة ودولها وفصل الجبهات التي أصبحت أكثر ترابطاً وتماسكاً ليتم تبادل الخبرات وتنسيق الجهود ووضع الخطط الشاملة للمعركة التي يشترك في دفع تكاليفها وجني ثمارها الجميع.
فما أُريد له أن يكون سبباً في القضاء على النظام السياسي في العراق ومعولاً لفرض واقع التقسيم تحول الى عامل للتمسك بوحدة البلد ومصدراً لدعوات إعادة المراجعة والتقييم ومعالجة الأخطاء السابقة التي أثخنت جراح العملية السياسية العراقية بمقاساتها الاميركية.
سياسياً كشفت المستجدات ثغرات العملية السياسية بوضوح وبدأت ملامح تبلور إرادة حقيقية بإتجاه تشكيل تحالف يؤمن بالعراق الواحد ويرفض التدخلات الخارجية ما قد يشق التحالفات الكلاسيكية التي قامت عليها العملية السياسية منذ بداية مسارها.
وعسكرياً بثت تداعيات الحدث العراقي جرعات تقوية مادية عسكرية ومعنوية ولوجستية وبشرية في جسد الجيش العراقي الجريح بفعل الطعنات الأمريكية والمؤامرات الداخلية فالدعم الروسي الايراني السوري مفتوح والطائرات التي طلبها العراق من اميركا منذ سنوات ولم تصل الى اليوم جاءت خلال ايام من روسيا فضلا عن أن اندماج فصائل المقاومة العراقية – المغيبة إعلامياً وسياسياً والتي طالما هُمش دورها رغم قوة حضورها ودورها المباشر في طرد الاحتلال الاميركي – في الجيش ومزجها لأساليبها القتالية وقدراتها العسكرية المتمرسة مع الجيش النظامي التقليدي غيّر المعادلات على الأرض وقلب التوازنات وأحدث تغييراً جوهرياً في المنظومة العقائدية التي يقوم عليها الجيش مما يدعونا الى القول بأننا نعيش مرحلة بزوغ فجر لجيش عراقي وطني بنفسٍ مقاوم وعقيدة ممانعة يزداد يومياً خبرة وكفاءة في مواجهة قوات الطوارئ التكفيرية المستخدمة في حروب الوكالة.
عجيب أمر هذا المحور المقاوم كلما شنوا عليه الحروب يخرج أكثر قوة وقدرة وكلما حاكوا في ساحاته الفتن يبدو أكثر تماسكاً ووحدة وكلما أثاروا في وجهه الغبار بدت صورته اكثر نقاءً ومصداقية ليتضح أن التعويل على تكتيك حروب الوكالة بعد فشل تكتيكات الحروب المباشرة التي شنها المحور الصهيو- أميركي لفرض هيمنته الكاملة على المنطقة ومصادرة قرارها السياسي اتضح أنه اعجز من أن يجد له طريقاً الى النجاح.
خروج العراق في مواجهة اليوم منتصراً يمكن أن يحول محور الممانعة الى مارد سياسي وعسكري وأمني وإقتصادي كبير لن يقبل مطلقاً اللعب في ساحاته والعبث في المجال الحيوي لأمنه ووجوده في وقت تبدو فيه مسارات موازين القوى ومعادلاتها الإقليمية تسير بإتجاه الإستقرار في مساحات جيوسياسية ندخل معها مرحلة جديدة.