جرت العادة عبر التاريخ البشري أن يقف العالم وشعوبه مع الشعب المحتل والمضطهد في انتفاضاته المجيد ومقاومته المشروعة ونضاله العادل للخلاص من الاحتلال ، ولأجل الحرية والاستقلال الوطني . ولكن يبدو أن الأمر في زمن العولمة والثقافة الاستهلاكية تغير وبات في الحالة الفلسطينية الراهنة مختلفاً .
ففي الوقت الذي تنزف فيه غزة وتحترق تحت نار الآلة الحربية والعسكرية الإسرائيلية ، ومواصلة حكومة نتنياهو عدوانها الدموي الشرس الغاشم على القطاع ، منتهكة وضاربة عرض الحائط كل القوانين الدولية ، ومتخطية الخطوط الحمراء بقصف وتدمير المستشفيات ودور العبادة والمدارس والجامعات واستهداف المدنيين العزل ، وتنفيذ المجازر والمذابح بحق الأطفال والشيوخ والنساء ، ونشر الرعب والموت والدمار والخراب ، فأن العالم يتخذ موقف اللامبالاة تجاه ما يجري ويحدث . فلا نخوة ، ولا شعور إنساني ، ولا تضامن ، ولا مناصرة ، ولا دعم للمقاومة الشعبية ضد العدوان .
ثمة صمت غربي وعالمي شائن ، وسكوت وتآمر عربي رهيب ، وسلوك فلسطيني متواطئ معيب ، والعالم العاهر يتفرج على مشاهد الدم الفلسطيني القاني المسفوك من الأطفال الأبرياء ، وسلاطين العرب غارقون في قصورهم وغرف نومهم بين سيقان ونهود الغانيات ، والقيادات العربية تغط في نوم عميق بعد أن فقدت الانتماء للعروبة والثقافة الإنسانية ، وأنظمة الذل والهوان والعار والارتهان العربي مشغولة في دوامة الصراعات والنزاعات الإقليمية ومن أجل البقاء في السلطة وسدة الحكم ، وتعمل على ترويض الشعوب وتدجين المثقفين والمفكرين وقتل روح المقاومة والثورة التي تنبض في الوجدان والعمق الشعبي .
والأنكى من ذلك هو إعلام الردح المصري العكاشي المتصهين الذي يرشق بسهامه المسمومة الشعب الفلسطيني في غزة هاشم ، ويتطاول على المقاومة والبطولة والشهادة ، وكل هذا نابع من العداء لحركة “حماس” ..!
أما عن موقف سلطة عباس والقيادة الفلسطينية المتنفذة القابعة في رام اللـه ، فحدث ولا حرج . وبكل الم وأسف نقول إنها لم تكن بمستوى الحدث والمسؤولية الوطنية والتاريخية ، فلم تشد أزر المقاومة ، ولم تكن سنداً وعوناً لأهل غزة في مواجهة العدوان والتصدي له ، وشرطة السلطة منعت التظاهرات المؤيدة للمقاومة والرافضة والمنددة بالحرب ، ومحمود عباس غدا وسيطاً بين المقاومة وحكومة الاحتلال والاستيطان ..!
ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في غزة هو عقاب جماعي وحرب إبادة جماعية يواجهها الغزاويون بصدورهم العارية وإرادتهم الصلبة ، وبشجاعة وبسالة
ومقاومة منقطعة النظير ، والتضحية بالشهداء والجرحى ، وتحظى بدعم وتأييد وقح من أمريكا رأس الحية وعملائها في المنطقة العربية وكل الساقطين أخلاقياً ، التي تمارس سياسة الكيل بمكيالين وتقف مع المعتدي ضد الضحية ، وتبرر الأعمال العدوانية الإسرائيلية بحجة الدفاع عن النفس ، وذلك حفاظاً على مصالحها وخدمة أجندتها ومشاريعها التفتيتية في المنطقة .
لا يمكن تبرير أي موقف سياسي لا يأخذ بالاعتبار والحسبان المأساة الإنسانية الرهيبة التي تعيشها غزة المنكوبة والمحاصرة والصابرة والمقاومة جراء العدوان ، وحاجة أهلها الماسة للغذاء والماء والدواء والكهرباء وحاجتهم للحماية الدولية . ولذلك هنالك ضرورة لتحرك دولي فاعل وعاجل لوقف النزيف ولجم الحرب وإعادة الهدوء والحياة الطبيعية لغزة هاشم . وليدو الصوت السلامي الديمقراطي العقلاني اليهودي في وجه نتنياهو وحكومته أن أوقفوا العدوان وانسحبوا من غزة وصافحوا يد السلام الفلسطينية ، لأن التجارب أثبتت أن الحل العسكري فاشل وخاسر ولن يحصد الثمار ولا الأهداف ، والحل السياسي الكفيل بإنهاء الاحتلال والاعتراف بالحق الفلسطيني المشروع هو السبيل الوحيد لحقن الدماء ومنع الصواريخ وإرساء صرح السلام الشامل والثابت والمقيم .