في المفهوم العام يُعتبَر التاريخ مرحلة أو فترة زمنية أنقضت وصفحة أنطوت . لكنهُ اي التاريخ حالة حية تنبض بالحياة تعيش معنا بلحضاتها تدخل في وجدان الشريف الوفي العاقل وتنأى وتغور بعيداً عن الجاهل . حقيقة فاعلة وماثلة للعُقّال ومفهومة لهم , مجهولة للجهّال خارجة عن مفهومهم (( لا أذن تصغي ولا عقلٌ يعي )) كل حكماء العالم في الماضي والحاضر يؤكدون على حقيقة حيوية التاريخ وفظله على الحاضر والمستقبل والتأثير فيهما , لابل رسم مسارهما يؤكد الحكماء على ان معرفة التاريخ ودراسته وفهمه تجنب الناس مجتمعات وأفراد , تكرار الخطأ وتجنبه وعدم الوقوع فيه ومعرفة السليم والصحيح والبناء عليه . والسلوك يتحدد على ضوء الخلفيات التاريخية للمجتمعات , هذا الحال لايمكن تجاهله أو التغاضي عنه . ومن لا يعمل بذلك أما ان يكون غبياً أوجاهلا أو مخرّباً , وفي كل الاحوال لا يدخل ظمن دائرة العقلاء ابداً . لكل امة تاريخ , يُعتَبر منهل وملهم يجب الارتكاز عليه . أمتنا الاسلامية و وطننا العربي بما يحتويه من اجناس مختلفة في أنسابها ودياناتها زاخرة بتاريخ عظيم ومجيد ماثل امام العالم المندهش به واضح غير مجهول أو مشوش صريح غير كاذب فاعل لا مشلول مدعاة للفخر والاعتزاز في متناول الانسانية جمعاء كل العالم يعترفُ بفظلهِ وينهل منه ألا نحن العرب . نتشدق به ولا نفهم منه شيئاً لأننا لو نفهمه لعملنا به وبأيجابياته وتجنبنا سلبياته . ماالذي تعلمنا من بابل وآشور وسومر , كيف نمت وتكونت ولماذا تهاوت وانهارت والحضارة الفرعونية كذلك , كيف نفهم قوانين حمرابي وأين نحن منها مع الفارق الزمني الكبير , وكيف تنظم هذه القوانين العلاقة بين الافراد فيما بينهم وبينهم وبين الحاكم وتوضح حقوقهم وواجباتهم . بعض من هذه القوانين على درجة عالية من الرقي والضبط الاجتماعي حتى اننا لا نستطيع اليوم محاكاتها والتعامل معها والعمل بها , كشعب نعتبر أننا أمتداد لهذه الكيانات البشرية العريقة بحضارتها وقوتها ومجدها التي هيمنت على كل حوض البحر الابيض المتوسط السودان ومصر والشام سورية وفلسطين ولبنان والاردن وكل العراق وما خلفه , وما أنجزته من العلوم والمعرفة في كافة ميادين الحياة , ويضاف الى هذا المجد والألق مجدٌ آخر هو الحظارة الاسلامية بفكرها وقوانينها وأخلاقها وعظمتها . زاخرة بشواهدها العظيمة وبسلوكيات ومفاهيم في منتهى الرقي . وأيظاً نحن من ينتسب اليها لكننا غير قادرين على مجاراتها اليوم أو العمل بها أو حتى الأقتراب منها . كنماذج بشرية راقية أو كمفاهيم أجتماعية فاظلة متداولة في حينها وزمانها . لا نريد هنا الخوض في التفاصيل والجزئيات لأنها معروفة لأكثر الناس لكنها غير مفهومة لأغلبهم . لأنها لو كانت مفهومة لهم لعملوا بها , نعرف حظاراتنا العريقة وقادتها ورموزها وفلاسفتها وحكمائها . لكننا ماذا نفهم من كل ذلك ..؟ لاشيء . بدليل أن من يدّعون أنفسهم حكماء وعقلاء وفلاسفة وعلماء اليوم لا يعملون بأيجابياتها ولا يؤسسون عليها ولا يتحاشون سلبياتها ولا يتجنبون أخطائها . وكذلك ايظاً ماذا نفهم من الاسلام وقادته ورموزه , نعرفهم ولا نفهمهم . نعرف محمد رسول الله صل الله عليه وآله واصحابه وسلم لكننا لا نفهمه وكذلك الخلفاء الراشدين والصحابة ونعرف سيدنا الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ولو كنا نفهمه لكان سياسيو عراق اليوم وحكامه على غير ما هم عليه من حال مزري ومضحك مثير للأزدراء والسخرية , ولكان شعب العراق في غنى عما يجري عليه من ويلات ومصائب . ونعرف يزيد وسيدنا الحسين عليه السلام ولا نفهمهم ايظاً . من كل ذلك معنى القول أننا ( بشر صورة وليس عقل ) نحن خارج أطار الانسان والانسانية , وأقرب الى بقية مخلوقات الله . . ! وألا كيف ندعي الانتساب الى تاريخ عظيم نجهله ولا نعمل به , حتى الله عز وجل يذكرنا به ويؤكدعليه . هناك من يريد مسخ هذا التاريخ والعمل بكل قوة على تدميره وبالتالي تدمير من ينتسب اليه . ضرب مرحلة الخلفاء الراشدين وأستهدافهم بشخوصهم معناها ضرب مرحلة محمد صل الله عليه وسلم وضرب مرحلة الاموين ومرحلة العباسين معناها ضرب الامة العربية وفضلها على الاسلام والمسلمين . من لايفهم التاريخ لا يفهم نفسه ومن لا يتمسك بتاريخه لا يفلح ابداً. علينا ان نجل و نحترم تاريخنا الايجابي المشرّف ومن صنعه والفاعلين فيه , ونتحاشى أخطاء الماضي ونتجنب الوقوع فيها وتكرارها . المنطق هكذا يقول . لكن مرجعيات عراق اليوم السياسية والدينية يعملون عكس ذلك والظاهر أنهم يقرأون التاريخ ويفهمونه ويتعاملون به بالمقلوب . نعطيهم بعض العذر لأنهم لا ينتسبون له لأنهم من أمم غير أمتنا لهم تاريخهم ولنا تاريخنا .مصيبتنا انهم يحكموننا بتاريخهم وليس بتاريخنا . هم يشعرون بمركب نقص ويشعرون بالدونية اميركا واسرائيل وايران والموالين لهم . تاريخهم اسود مظلم وتاريخنا مشرق ابيض مضيئ .