منذ احداث 11 سبتمبر 2001 و العالم لا يتحدث إلا عن الارهاب و عن سبل مكافحته و بدأت الدول تزيد من احتياطاتها لمواجهة هذا العدو المجهول الذي لا يُعرف مصدره و متى يمكن ان يظهر و كيف له ان يستغل الظروف و لعل اكثر الظروف ملائمة لظهوره هي الفوضى السياسية التي تتعرض لها الدول حيث تنشغل الاجهزة الامنية و المخابراتية بالشؤون السياسية و تهمل مهامها الاساسية و ابرزها تأمين سيادة الدولة التي لا يمكن مقارنتها بأي حالاً من الاحوال مع نظاماً سياسياً ايا كان انتمائه او توجهه أو حتى الهدف الذي يسعى لتحقيقه في فترة تواجده في السلطة و قد علمتنا التجارب ان بعض الانظمة لا يتردد في جلب الجماعات الارهابية الى البلاد ان كان ذلك يؤمن بقائه في السلطة ضارباً عرض الحائط المصالح الاخرى و منها بلا شك مصلحة الشعب.
ان ثورات الربيع العربي و على الرغم من هدفها النبيل و الذي يدل بصورة مباشرة على وعي الشعوب العربية و رغبتها في حياة تسودها الحرية و الكرامة و يتساوى فيها الجميع دون تمييز او فوارق طبقية او اجتماعية كالتي تعيشها شعوب العالم (باستثناء العربية طبعاً) و لكنها في الوقت نفسه(ثورات الربيع العربي) احدث فوضى سياسية عارمة في البلدان التي مرت بها و قد شكل ذلك تهديداً مباشراً لأمن المنطقة بأكملها لا الدول التي وصل اليها الربيع فقط و هو ما يعني وجود ارض خصبة لنمو خلايا الجماعات الارهابية بعيداً عن المراقبة و الملاحقة التي تقوم بها اجهزة الامن في الظروف الاعتيادية بل تطور الامر و وصل الى زيادة في عدد مقاتلي هذه الجماعات و كذلك زيادة مصادر تمويلها من خلال تجارة الاثار كما حدث في مصر او من خلال السيطرة على ابار النفط كما حدث في سوريا و العراق خلال الفترة الماضية.
ان اسباب الفوضى السياسية كثيرة منها اختلاف مصالح الاحزاب و هو يدل على عدم وجود مشروع وطني حقيقي لمثل هذه الاحزاب لانقاذ الدولة بل هي تسعى من اجل الوصول الى السلطة فقط و تضع امكانياتها في سبيل هذه الغاية و السبب الاخر هو اختلاف وجهات النظر في قيادة الدولة و هي تدل على الوعي السياسي و لكنها في غير محلها خصوصاً اذا كنا في مواجهة عدو همجي بكل ما للكلمة من معنى فهو يستهدف الجميع دون تمييز بين الطوائف فالغاية الاساسية له هي السيطرة على الارض لبناء نقطة انطلاق لاعمالاً ارهابية جديدة في دولة اخرى ففي مثل هكذا وضع يجب ان تتوحد الرؤى من اجل الحفاظ على الدولة و شعبها و الابتعاد عن الخلافات التي كلما ازدادت ازداد توغل الجماعات الارهابية في الدولة و ان تتوحد الاحزاب من اجل الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي للشعب الذي اصبح يتأثر بشكلاً متزايد بمواقف الاحزاب التي يؤيدها او التي تمثل طائفته او قوميته و هو ما يعني ان الفوضى السياسية ليست سبباً لتعرض البلاد الى الهجمات الارهابية و حسب نتيجة انشغال الجميع بهذه الفوضى بل سبباً من اسباب التفرقة بين ابناء الشعب و اذا كان من الممكن مواجهة الارهاب عسكرياً او سياسياً و التخلص من اثاره سنجد ان ارهاباً اخر لا يمكن السيطرة عليه إلا من خلال الوحدة الوطنية و هو دون ادنى شك ارهاب تفكك المجتمع الذي نلاحظه في كثير من الدول العربية.