تعتبر المسؤولية الدولية من أهم الأسس التي يقوم عليها القانون الدولي العام, خصوصا وأنها الإطار القانوني الذي يطبق فيه الجزاء ضد أي مخالف للالتزامات التي يفرضها ذلك القانون . لم يستقر القانون الدولي على تعريف محدد للمسؤولية الدولية حيث تعددت التعاريف التي طرحها فقهاء القانون عبر التاريخ لتلك المسؤولية الا انها كانت جميعها تدور حول عنصر مخالفة احد اشخاص القانون الدولي لالتزاماته التي يفرضها عليه القانون و هذا ما أكدته العديد من القرارات التي أصدرتها المحاكم الدولية ومنها القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الدائمة في لاهاي بتاريخ 25/03/1926 بشأن مصنع شورزو الذي أثار أزمة بين ألمانيا و بولونيا حيث قامت بولونيا باستملاك المصنع الألماني دون دفع تعويض لألمانيا, و هو ما يخالف الاتفاقية المعقودة بين الدولتين سنة 1922, وبعد ان تم عرض القضية امام المحكمة قررت أن من المبادئ المقبولة في القانون الدولي أن أي خرق للالتزامات الدولية سيتوجب تعويضا مناسبا . انطلاقا مما تقدم يعتبر الفقه الحديث ان المسؤولية الدولية هي الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي على عدم احترام احد أشخاص ذلك القانون لالتزاماته الدولية .
مع استفحال خطر الإرهاب وتحوله الى ظاهرة دولية لاتستثني أحدا من البلدان والشعوب وامتداده وتوسعه في كل قارات العالم ، بحيث لم يعد يستهدف بلد دون الآخر ، والأمثلة كثيرة حول ذلك في اوربا والهند وإندينوسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية والمغرب والعراق ولبنان وتنزانيا لذلك تقع على كل دول العالم مسؤولية مكافحته ومحاربته بكل الوسائل والطرق الممكنة ، والتي ينبغي أن تحقق النجاحات بأقل الخسائر البشرية والمادية ، للقضاء عليه جذريا ، وخلق عالم خال من الإرهاب والجريمة .
نتيجة لما أحدثه الإرهاب الدولي من تأثير على السلم والأمن الدوليين اصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات وانطلاقا من مسؤوليته التي نص عليها ميثاق الأمم المتحده في الحفاظ على السلم والامن الدوليين الدول الأعضاء دعا فيها الدول الأعضاء في المنظمة الدولية الى اعتماد وتنفيذ الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية لمكافحة الإرهاب بصورة كاملة وفي اقرب وقت ممكن .
ففي الفترة بين عامي 1963 و 2004، وضع المجتمع الدولي، تحت إشراف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ثلاثة عشر اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب، مفتوحة لانضمام جميع الدول الأعضاء. ومنذ 2005، أدخل المجتمع الدولي أيضا تغييرات جوهرية على ثلاثة من تلك الاتفاقيات الدولية ، للتصدي تحديدا لخطر الإرهاب؛ ويمكن تقسيم الاتفاقيات والبروتوكولات إلى ثلاث مجموعات بالإضافة إلى القرارت الصادرة عن مجلس الامن الدولي وبضمنها قراراي مجلس الأمن رقم 1373، 1566 .
1- الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الجرائم المتعلقة بالطيران المدني والتي وضعت تعريفا لجريمة خطف الطائرات وتحديد الفترة التي تكون فيها الطائرة في حالة طيران والافعال التي تعتبر خطفا للطائرة .
2- الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الجرائم المتعلقة بوضع الضحايا: وجاءت هذه الاتفاقية انسجاما مع إرادة المجتمع الدولي المعبر عنها في مبادئ ميثاق الأمم المتحدة متعلقة بحفظ السلام والأمن الدوليين، وتعزيز العلاقات الودية والتعاون بين الدول وذلك إقراراً بحق كل فرد في الحياة والحرية وسلامة شخصه طبقاً لما هو مبين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتأكيداً على احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب على النحو المجسد في ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً للميثاق وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة، ورأت الدول الأطراف في أخذ (الرهائن) جريمة تسبب قلقاً بالغاً للمجتمع الدولي، وتظهر في الاتفاقية لأول مرة مادة تلزم الدولة بضمان المعاملة العادلة لأي شخص تتخذ بحقه إجراءات فيما يتعلق بالجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية وذلك في جميع مراحل تلك الإجراءات. ولا تمس أحكام الاتفاقية بتطبيق المعاهدات المتعلقة باللجوء التي تكون سارية المفعول في تاريخ اعتماد اتفاقية نيويورك لعام1973م.
3- الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب: يعبر صدور الاتفاقية الدولية لعام 1999م بشأن قمع تمويل الإرهاب عن بواعث القلق إزاء تدفق الأموال الداعمة للمنظمات الإرهابية العنيفة، وعرفت الاتفاقية جريمة تمويل الإرهاب في مادتها الثانية بأنها قيام شخص بأي وسيلة وبشكل مباشر أو غير مباشر وعن عمد وخلافاً للقانون بتقديم أو جمع أموال بقصد أن تستخدم أو هو يعلم أنها سوف تستخدم كلها أو جزء منها في تنفيذ عمل يشكل جريمة طبقاً للاتفاقيات والبروتوكولات الصادرة في شأن مكافحة الإرهاب أو أي عمل آخر يقصد به أن يؤدي إلى وفاة مدني أو إصابته بأذى جسدي خطر أو إلى وفاة أو إصابة أي شخص آخر لا يقوم بدور إيجابي في اعتداءات تجري في إطار صراع مسلح عندما يكون القصد من هذا العمل بحكم طبيعته أو سياقه هو تخويف شعب أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل أو على الامتناع عن تنفيذ أي عمل.. وتضع الاتفاقية تدابير للحد من تمويل الإرهاب بما في ذلك تدابير لحظر استخدام (النظام المصرفي) في عمليات التمويل، وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات المالية والمؤسسات التجارية ووكالات تحويل الأموال وإنشاء قنوات أتصال لتيسير التبادل السريع والمأمون للمعلومات والتعاون في إجراء التحريات وتنفيذ الأحكام وملاحقة المتهمين والمحكوم عليهم الهاربين في جرائم التمويل. وتأخذ الاتفاقية سيراً على منوال الاتفاقيات السابقة عليها بمبدأ المعاملة الإنسانية والعادلة للمتهمين في جميع مراحل الدعوى.
4- القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن في شأن مكافحة الإرهاب بناء على (الفصل السابع) من ميثاق الأمم المتحدة تفرض التزامات على الدول أعضاء الأمم المتحدة، ومن أهم القرارات التي أصدرها مجلس الأمن القرار رقم (1373) لسنة 2001 والقرار رقم (1566) لسنة 2004 وتدين القرارات مجلس الأمن جميع أعمال الإرهاب أياً كانت دوافعها. وأينما ارتكبت وأياً كان مرتكبوها بإعتبارها من أخطر التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن وتهيب بالدول أن تتعاون تعاوناً تاماً على مكافحة الإرهاب وطالب القرار (1373) الدول بمكافحة تمويل الإرهاب بما في ذلك منع ووقف (تمويل) الأعمال الإرهابية وتجريم أفعال التمويل كما حظر رعايا الدول أو على أي أشخاص أو كيانات داخل أراضيها إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو خدمات مالية أو غيرها بصورة مباشرة أو غيرها للأشخاص الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية أو يحاولون أرتكابها أو يسهلون أو يشاركون في ارتكابها أو للكيانات التي يتحكم فيها أو يمتلكها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص أو الكيانات التي تعمل باسم هؤلاء الأشخاص أو بتوجيه منهم، كما طلب من الدول الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية، ووضع حد لعملية (تجنيد) أعضاء الجماعات الإرهابية ومنع تزويدها بالسلاح، والتعاون في منع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية.. والواقع أن قرارات مجلس الأمن تدعم تنفيذ الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الصادرة في شأن الإرهاب بما في ذلك الاتفاقية التي اعتمدت بعد صدور القرار رقم (1566) أي الاتفاقية الدولية لقمع الإرهاب النووي لعام2005، كما أنها توسع من مفهوم تمويل الجرائم الإرهابية فلا تقصرها على الجرائم الإرهابية التي نصت عليها الصكوك الدولية التسعة طبقاً لاتفاقية عام1999م. وفي هذا السياق جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170 الذي يفرض عقوبات على ممولي وداعمي تنظيمي ما يسمى «دولة العراق والشام» و«جبهة النصرة» الإرهابيين بأعتباره يمثل إرادة المجتمع الدولي في محاربة الإرهابً
ان تعزيز تلك القواعد الدولية كفيل بان يخفف من انتهاك الدول لالتزاماتها الدولية, مما سيسهل التعايش بين أعضاء المجتمع الدولي مع عدم المساس بمبدأ السيادة وهو المبداء الذي قامت على أساسه مباديء القانون الدولي خاصة مع التغيرات التي طرات على هذا المبداء وتراجع مفهوم السيادة المطلقة بحيث اصبح كلا من مفهوم المسؤولية الدولية ومفهوم السيادة مفهومان متكاملان لاينتقص احدهما من الاخر حيث أن الدولة لا تكون مؤهلة لتحمل المسؤولية الدولية إلا إذا كانت ذات سيادة كاملة.فالمسؤولية واجب و التزام دولي, أما السيادة فهي حق ثابت لكل دولة حيث تتحمل هذه الدول المسؤولية إذا ما أخلت بأحد التزاماتها المتعلقة بمنع و قمع الأعمال الإرهابية المضادة للإنسانية سيما إذا أضرت بدول أخرى.