يواصل البرلمان العراقي عقد جلساته وتستمر الكتل والقوى السياسية في عقد اجتماعاتها والتعبير عن مواقفها السياسية على ضوء المستجدات في الساحة العراقية دون ان تلوح في الأفق اي ملامح أو بوادر تشير الى امكانية حصول توافق سياسي بين القوى الرئيسة تتبلور من خلاله رؤية سياسية وطنية جامعة تتبنى نظرة إستراتيجية متكاملة للخروج من مأزق التحديات الراهنة والمخاطر المتزايدة التي تحيق بالعراق ومستقبله فضلاً عن دول المنطقة ومصيرها المرتبط أوتوماتيكيا بتطورات ومآلات الاحداث في العراق ابتدأ بتهديدات ومخاطر بقاء الأداة الداعشية في ترهيب وارعاب جيرانها ومروراً بالتعملق الكردي واستمرار محاولة استكراد العراق وفرض واقع التقسيم بالقوة وليس إنتهاء بجماعات البعث الصدامي بعناوينها المتعددة من عصابات النقشبندية وما يسمى بجيش المجاهدين وجيش أنصار السنة وكتائب ثورة العشرين وغيرها من جماعات المقاومة الزائفة في زمن الاحتلال ممن اشتركوا في عدائهم لا للمالكي فقط وإنما للنظام السياسي في العراق بمجمله.
القوى السياسية العراقية كأنها خارج التغطية فهي ما تزال منشغلة بموضوعة الولاية الثالثة للسيد المالكي وأسماء بقية الرئاسات وخارطة توزيع المناصب فالبعض مازال مصراً على اختزال مشكلة العراق في بقاء أو ذهاب السيد المالكي التي سرعان ما تحولت الى رأي عام تبنته بعض القوى الإقليمية والدولية المناوئة للعراق والرافضة لسياسات المالكي الخارجية التي وقفت بوجه الوصفة الصهيو- أميركية للمنطقة فعمدت الى تشكيل ضغوطات كبيرة لإزاحة المالكي تمهيداً لتدخلات أوسع في الشأن العراقي ووظفته وسائل اعلامها لتبرير شن حملاتها الاعلامية ضد العراق.
صحيح أن بقاء السيد المالكي في منصبه سيوفر العكازة التي يتكأ عليها مسعود البرزاني في تسويق إدعاءات الإنفصال والضغط على الطبقة السياسية لرفع سقف المطالب وكسب أكبر قدر ممكن من الإمتيازات والحصول على اقرار سياسي عراقي بالأمر الواقع بما يكرس هيمنة البرزاني على المناطق التي استولى عليها بعد 10/6 / 2014 بما فيها حقول نفط كركوك.
وصحيح أيضاً ان بقاء المالكي لن يخفف من حدة الأعمال المسلحة لجماعات ايتام النظام الصدامي البائد بل ستجد في ذلك حجة ودافعاً لإستمرار وإدامة زخم جهودها الرامية لإسقاط العملية السياسية في العراق وإعادة صياغة النظام السياسي وفق الرؤية البعثية العبثية.
إضافة الى امكانية حدوث انشقاق في التحالف الوطني الذي ما تزال بعض اطرافه مصرة على عدم تجديد الولاية للسيد المالكي مما سيؤدي الى تعميق الانقسام الشيعي- الشيعي ويمنع توفير بيئة سياسية و إجتماعية داعمة للتوجهات الحكومية الساعية لتطهير المناطق التي استولى عليها المسلحون الدواعش والحقوها بدولة الخلافة المزعومة فضلاً عن الأراضي التي هيمنت عليها البيشمركة وضمتها الى الإقليم الكردي الطامح بالتحول الى دولة تزعزع دول المنطقة بعد تمزيق العراق. فضلاً عن حتمية بقاء حالة الانسداد السياسي وتعزيز حالة الانقسام السياسي العام.
تداعيات كثيرة قابلة للتطور سيتركها بقاء المالكي رئيسا للوزراء لكن ما تداعيات ذهاب المالكي ومنعه من الحصول على الولاية الثالثة؟ وهل الأمر متعلق بشخص المالكي فقط؟ أم أن ما وراء الأكمة ما وراءها؟ هذا ما سنتحدث عنه غدا ان شاء الله في (تداعيات ذهاب المالكي).