قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72}.
وهج الآية يشير إن فوق كل ذي علم عليم، هذا ما أراد ايصاله العبد الصالح لسيدنا موسى(عليه السلام)، فكانت رسالة واضحة الأهداف والمعاني.
لازال العراق يمر بمنعطف تأريخي من شأنه اغراق السفينة ومن فيها، و قتل الكفرة والمؤمنين على حد سواء، و هدم الجدار واخراج الكنز “والي ما يشتري يتفرج”، متغيرات كثيرة تفتقر للدلائل، يبقى الشيء الوحيد لتلك المعطيات هو الاستقراء والتوقع لرسم صورة مقاربة عما يجري في الواقع.
التوقع كان قبل عامين من الآن تقريبا، رسم مخطط كامل لضرب قوات دجلة، والتي اعرب الاخوة الاكراد عن امتعاضهم منها، واعتبرها الاخوة السنة قوات طائفية، هنا بدأ مسلسل مخابرات الدول الكبرى في رسم ملامح الصورة القادمة وترسيخه في ذهنية المتلقي.
و لقصور بعض الساسة عن النظرة البعيدة الواقعية، والرؤية السياسية المحنكة التي تمتاز بها دول الشر الكبرى، وما يمكن أن يحاك لمثل العراق، فالعراق مهيئ كأرض صالحة للعب عليها وتصفية الحسابات، ايران تقود محور المقاومة الاسلامية بكل ما تحويه من ايمان وعقيدة بالمبادئ الظاهرة، أمريكا تقود المحور المعاكس بكل “سلبياته وايجابياته” .
تبقى روسيا تلعب محور بيضة القبان؛ محاولة معادلة الكفة لما تراه يتوافق ضمن سياساتها وأيدولوجيتها، ما عدا ذلك فالدول المحيطة بالعراق هي لاعب ضمن موقع معين حسب قوته وتأثيره، بالمناسبة القوة المحركة الديناميكية لكل تلك الاتجاهات والقوى هي “اسرائيل”.
قبل سنتين من الآن كان هدف المجاميع الإرهابية الدخول الى العراق عبر سوريا لتستقر في صحراء الانبار، وبالفعل كان لها ذلك ضمن مباركة خجولة من الحكومة العراقية، التي غضت الطرف عن كل تحرك تقوم به تلك المجاميع، الحكومة ليس لها هم سوى الحفاظ على كرسي الولاية قدر المستطاع، وإن أي عمل يساعد ماديا أو إعلاميا أو سياسيا بل وحتى عسكريا لإثبات الولاية تعمل على تحقيقه.
نعم الحكومة كانت على علم مسبق بدأ “بساحات الاعتصام” وانتهاء بثورة بعض العشائر مع الارهاب المتسلل لتلك المناطق، اندلعت الشرارة الحقيقية وما برحت تكبر وتكبر لتتسع وتحقق المخطط “السنكردي” بتجزئة المناطق الغربية للعرب السنة، وجزء من مناطق الموصل وبعض مناطق ديالى، بالإضافة الى كركوك برمتها الى كردستان العراق.
وبالفعل تحقق ما يصبوا اليه الحالمون بجهد أقل ووقت أسرع مما توقعوا، الشيء الوحيد الذي يحسب لولاية المالكي في عام 2014 انه بغضون اسبوع واحد استطاع بحمد الله من التخلي عن أربعة محافظات كاملة لعصابات البعث وفدائيي صدام وبعض المانشيتات من عصابات ما تسمى بداعش…!
تلك هي الحقيقة المرة ولا نعلم للآن ما (جرى ويجري)، بل كل ما قلته وكتبته مجرد استقراء لمعطيات سابقة، تبقى الحقيقة مضمرة في صدور اولي العلم وحكام البلاد هم وحدهم من يستطيع إبرازها، وللأسف وحدهم أيضا من يغرق البلاد برمته.!
لكن يشاؤون ويشاء الله، استيقظوا صباحا على صرخة مدوية من “رجل” طالما عرف بصبره وحكمته وأناته، صرخ بصوت عال ايها الناس هبوا للدفاع عن وطنكم وأرضكم ومقدساتكم وكل ما تملكوه في هذا البلد العزيز، صرخ لأنه أدرك الخطر وقرأ جيدا ما عجز عن أدراكه نبي الله موسى مع العبد الصالح، “فأن فوق كل ذي علم عليم”.