19 ديسمبر، 2024 5:40 ص

فضائيات التضليل والردى في شهر الهدى

فضائيات التضليل والردى في شهر الهدى

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرأن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ” – 185- البقرة –

ظهرت في التاريخ البشري دكتاتوريات كثيرة , أفل الكثير منها ولازال البعض منها مستعينا بطبيعة النفس البشرية التي تتأثر بألآوهام والتضليل , وتخضع للطمع وتنجذب للشهوات وتخدعها مظاهر الدنيا فتأخذها بعيدا عن بوصلة الهدى حيث ألآباء والعز وقوة ألآرادة التي تغير الواقع تغييرا أيجابيا  فيتكامل الفرد والمجتمع مع الخط الكوني الذي يغلب العبادة على العادة , لآن العادة مقبولة مع وعي العبادة , وعندما تتخلى عن ذلك الوعي تصبح مجرد حركات لاروح فيها معرضة للتشويش والوسواس حيث تنتهي  بسوءفهم يخرجها عما رسم لها , فتحل الفوضى والمشاكسات والحروب التي تدمر ولا تعمر , وما حرب ألآرهاب التكفيري اليوم ألآ نتيجة لتلك الخيبات ولذلك ألآنحراف عن بوصلة السماء التي أعطت الناس فرصة في محطة روحية يحتاجها الجميع ذلك هو شهر رمضان مقرونا بمناسبتين هما هدية معرفية يجتمع فيهما ” الفعل ” مع ” الزمن ” لتجسيد ” الوظيفة ” والفعل هو ” الصيام ” والزمن هو ” شهر رمضان ” و ” الوظيفة ” هي ” العبادة ” حيث تبقى الذاكرة يقضة , ويبقى الفهم مرادفا للعلم , وتبقى العادة تابعة للعبادة , وليس العبادة تابعة للعادة , وهذا هو الفرق المعرفي الذي لايلتفت اليه الكثير من الناس , ومن هنا نواجه اليوم بمناسبة شهر رمضان المبارك الذي أمرنا رسول الله “ص” أن نسميه بهذه التسمية كعنوان جاذب ومحرك للوعي والفكر , والفكر نشاط أيجابي فعال للنفس كما قال فيلسوف القرن العشرين الشهيد محمد باقر الصدر مفسر المعرفة البشرية ومصحح نظريتها بعد أرسطو المعلم .

أن دكتاتورية جديدة ظهرت اليوم لم يحسب أهل السياسة لها حسابا , تلك الدكتاتورية هي دكتاتورية ” ألآستوديو ” وأشهر ألآستوديوهات هي  أستوديوهات الفضائيات التي أصبحت تستحوذ على ساعات طويلة من أوقات الناس في كل العالم , ودكتاتورية ألآستوديو هي دكتاتورية أقتصادية نتيجة حاجة الفتاة والشاب للعمل مؤطرة بأطار أعلامي ” مراسل , مراسلة , مذيع , ومذيعة , مخرج , ومخرجة , مكياج , محرر , ومحررة , منتج , ومنتجة ” وعناوين أخرى أصبحت مصيدة للشباب , ونقول مصيدة لآنها تفرض على الشباب والعاملين فيها أراءا ربما لم يكونوا ينسجموا معها لولا حاجتهم الى المال , ومن هنا يظهر الفرق بين العادة والعبادة من حيث العقيدة , فمن كانت العقيدة عنده على مستوى العادة لايبالي أن عمل في فضائية أباحية أو غير ملتزمة عقائديا , ومن كانت العقيدة عنده على مستوى العبادة لايقبل العمل في الفضائيات ألآباحية , ولآن الفضائيات ألآباحية وغير الملتزمة هي  ألآكثر وهي فضائيات التضليل التي تقود للردى , وفي العراق مثلا توجد اليوم “39” فضائية , عدد قليل منها ملتزم , ولكن بعض هذا القليل يمارس سياسة التضليل ألآعلامي  ومن هذا القليل من أصبح داعما للآرهاب ومروجا له , أما العدد ألآكبر من تلك الفضائيات المنتشرة في العراق اليوم فهي غير ملتزمة وبعضها أصبح مروجا للآرهاب وثقافته بالرغم من عدم ألآنسجام في المظهر والتطبيق وهذه من مفارقات الحس الطائفي وتبعاته  , وبمعنى أخر ممن يغلب العادة على مفهوم العبادة في ألآعلام والسياسة والثقافة , ولذلك نجد مفهوم المتعة محشو بالمفاهيم الخاطئة , مما يجعل المشاهد يكون الضحية لتلك المفاهيم الخاطئة عن الحياة ألآجتماعية والثقافية ومايتصل بها من نشاطات , كالرياضة , والتسلية , واللهو , والعلاقة بين الرجل والمرأة , والحب , والصداقة , ومن ضحايا تلك الفضائيات غير الملتزمة والتي تتقدم فيها العادة على العبادة , فبعضها مثلا رغم أباحيتها ألآ أنها تضع قراءة القرأن أيام الجمع وتنقل صلوات الجمعة وبعضها تنقل المناسبات الدينية ولاسيما زيارة عاشوراء وزيارة ألآربعين والزيارة  الشعبانية ومواسم الحج  والعمرة ,فمن ضحايا تلك الفضائيات  المناسبات  الدينية وفي مقدمة تلك المناسبات  هي مناسبة شهر رمضان المبارك التي أصبحت عبارة عن موسم للكسب والربح المادي وكسب جمهور المشاهدين عبر تقديم برامج لاترتبط بمفاهيم شهر رمضان المبارك ولا علاقة لها بمعنى الصيام ومفهومه وثقافته , فما يهم تلك الفضائيات أن تضع أسم الشهر المبارك على شاشاتها في عملية غسيل دماغ يقف وراءها مخطط ثقافي توراتي لايعرفه ألآ المتخصصون والعارفون بخفايا الغزو الثقافي وأهدافه , فشهر رمضان المبارك هو شهر عبادة هي الصوم , ومن أشعاعات عبادة الصوم هو فهم معاني الحاجة الى الطعام والصحة , وكذلك فهم معنى الجوع وكيفية التعامل معه , وفهم معنى الوقت في أطار الزمن , مثل الغروب وألافطار ومظاهره ألآجتماعية والطبخ وتنظيمة والمائدة وأدابها , وألآكل ومفهوم الشبع والتخمة وما معنى ماملئ وعاء شر من المعدة  , ثم في أطار الزمن يأتي الليل وأقسامه التي تكون عند الصائم عبارة عن محطات موزعة على أعمال : اللقاءات ألآجتماعية والسمر المعزز بالسمو الروحي وألآخلاقي , وفي نفس ألآطار الزمني يأتي السحر والسحور ومفردات الدعاء وصلاة النوافل قبلها وبعدها حتى تكتمل الصورة للآنسان العابد المفكر في خلق السماوات وألآرض , لا صورة ألآنسان المفرط بالشهوات والخمول المعطل لآلية الفكر والملاحظة والتجربة وهو تعطيل يشكل غلبة العادة على العبادة ولذلك نرى فضائيات تهتم في شهر رمضان بما يسمى ” لعبة المحيبس ” معتبرة ذلك فولكلورا رمضانيا وهو ليس كذلك , في حين تهتم فضائيات أخرى بأظهار دعايات لمسلسلات يسمونها رمضانية وهي لاعلاقة لها بشهر رمضان المبارك لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون سوى الولع وألآدمان على مايسمى بالمتعة , فأصبحت المتعة هوسا لقتل الوقت وقتل العمل والتفكير في أن معا مثل ثقافة ” الفوتو شوب , وثقافة عرض ألآزياء , وثقافة رياضة المونديال التي أصبحت عبارة عن لقطات للحسناوات وخلف هذه الثقافة تقف تجارة الجنس وأنحرافاته وهدر المال بلا مبرر , مثل مايحدث في لاس فيجاس في أمريكا التي ربما  لايعرف الناس عنها كثيرا فهي مكان القمار والمقامرة وأغلب زبائنها من المنطقة العربية والخليجية في مقدمتها والتي تشتهر بثقافة سباق الهجن دون غيره مما لدى ألآمم ألآخرى , ومثل ثقافة التجميل التي أصبحت هوسا لآعلانات الفضائيات بحيث أصبح ما ينفق على عمليات التجميل بملايين الدولارات ومن مساوئ ذلك مانتج من تشوهات للشكل والجسم لاسيما عند بعض الفتيات , وهوس الجمال والميك أب هو عمل تشارك فيه فضائيات التضليل والردة والتي تفرغ بعضها للدعاية للطب البديل وما هو بالبديل الحقيقي علميا , ودعايات ألآعشاب والطب الروحي لمنتحلي صفة المداواة  بالقرأن والمبالغة في مديح مروجيها وهم من غير المتخصصين ومن غير الضليعين بالعلوم الفقهية والشرعية , وأصحاب ألآبراج والتنجيم والكهانة والعرافة يتخذون من فضائيات اليوم نافذة لغزو ثقافة المشاهد , أن دكتاتورية ستوديو الفضائيات أصبحت تتحكم بالحوارات وألآفكار فهي تضطهد من يخالفها بالرأي فتمنع عنه الوقت المناسب لبيان الفكرة بحجة حق ألآدارة , وهو حق مجتزأ وأفتراضي لايراعي حقوق المتحاورين , ولذلك نجد بعض الحوارات تنتهي باصياح والضرب بألايدي على طريقة شكسبير أذا أنتهى المنطق يبدأ الصياح , وفضائيات التضليل والردى تشتهر بهذا النوع من المشاهد التي جعلت المشاهد يعزف عن المتابعة لمثل تلك اللقاءات وربما هذا أحد ألآهداف الخفية للتضليل ألآعلامي الذي أصبح متكأ للتضليل التكفيري ألآرهابي وألآ كيف يمكن تفسير وقوف المذيعة المتبرجة الغارقة بالمكياج مع نشرة أخبار تشجيع المجموعات ألآرهابية والذين لو حكموا وتسلطوا لآصبحت تلك المذيعة عندهم أمة وجارية تنتهك حقوقها ويغتصب شرفها ,ولعوقب المذيع بعدم لبس بنطلون الجينز وعدم حلق اللحية وبعقوبة الجلد أحيانا ؟

أن شهر رمضان المبارك تتعامل معه فضائيات التضليل كما كان يتعامل عرب الجاهلية مع بيت الله الحرام وهو تغليب مفهوم العادة على العبادة , حيث كانت بعض النساء عندما تريد أن تطوف حول البيت الحرام ولا تجد لباسا كما كان شائعا عند من يريد الطواف أن يخلع ملابسه ويلبس مما يجد من ملابس عند البيت الحرام وهذه هي طقوس عاداتهم في ذلك الزمان , فكانت أحدى النساء التي لاتجد لباسا تطوف وهي عارية حول البيت الحرام وهي تقول شعرا :-

اليوم يبدو كله أو بعضه .. وما بدا منه لا أحله ؟

وهذا المعنى هو الشائع اليوم لدى فضائيات التضليل وعند الكثير من الناس , حيث تتقدم العادة على العبادة , فتظهر العبادة مشوهة فاقدة للمضمون كما كان حال ألآعرابية في  زمان غياب وعي العبادة , أن مهمة ألآعلام الملتزم والمثقف الملتزم والسياسي الملتزم أن يعطي لثقافة شهر رمضان ماتستحقه من ألآهتمام والبحث على قاعدة ” زكاة العلم تعليمه “

أحدث المقالات

أحدث المقالات