لا شيء يُخفى حتى في هذه المدينة، بغداد، ولا في أي مدينة أخرى، فليس الحيطان وحدها لها آذان وانما كل شيء صارت لديه آذان وعيون مبثوثة على الأرض وفي السماء. والجدران السميكة التي يحتجب خلفها أهل الحكم ومكاتبهم لا تحول دون تسرّب الأسرار والمعلومات من موظفين مهذارين أو أدعياء أو لديهم أغراض من التسريب.
عيون بغداد رأت وآذانها سمعت أخيراً ان وفد التحالف الوطني الذي زار طهران في الأيام القليلة المنصرمة عاد باتفاق على مَنْ سيكون رئيس الحكومة المقبلة. لحمة الاتفاق وسداه ان يتراجع ائتلاف دولة القانون عن ترشيح نوري المالكي الى المنصب الذي سيبقى ملكاً للائتلاف بوصفه الكتلة الأكبر داخل التحالف الوطني، وخيارات المرشح النهائي ستقتصر على ثلاثة أشخاص من دولة القانون.
المسؤولون الإيرانيون الذين التقاهم وفد التحالف الوطني ضغطوا للقبول بهذه الصيغة متمسكين بـ”حجة” الكتلة الانتخابية الأكبر داخل التحالف.
معنى هذا كله ان حكومتنا الجديدة ستكون قد طُبخت على نار إيرانية وفي مطبخ إيراني وبوصفة ايرانية، وان وفد التحالف لم يفعل شيئاً سوى انه حمل معه على الطائرة المغادرة الى طهران المكوّنات لكي يختار الطباخ الإيراني منها ما يشاء للطبخة.
على مدى أشهر، بل سنوات، ظلت أجهزة الإعلام التابعة لدولة القانون تُصدع رؤوسنا في الليل والنهار بمؤاخذة اياد علاوي على علاقاته وتحركاته العربية، وبخاصة تجاه السعودية والامارات العربية، ولوم اسامة النجيفي على علاقاته التركية.. ولم تتورع بعض هذه الاجهزة عن الطعن في وطنية علاوي والنجيفي وسواهما واتهامهم بتنفيذ أجندات خارجية والاستقواء بقوى معادية.
العلاقة الوثيقة بين قوى الاسلام السياسي الشيعية وإيران لم تكن خفيّة، لا الآن ولا في الماضي الذي يمتد الى ما يزيد عن ثلاثين سنة. وليس خفياً أيضاً ان البعض من هذه القوى موالٍ دينياً لولاية الفقيه الإيرانية. وبصرف النظر عن هذا فان دخول إيران على خط أزمة تشكيل الحكومة الجديدة ربما كان ايجابياً لجهة تفادي حدوث المزيد من التفاقم في هذه الأزمة، لكن مادام التحالف الوطني، وضمنه ائتلاف دولة القانون، قد ارتضى بأن تتدخل إيران في شؤوننا الداخلية، بما فيها شأن التشكيل الحكومي الجديد، وما دام التحالف قد ارتضى أيضاً بأن يركن الى الرأي الإيراني في هذا الخصوص، لماذا اذاً يعيب هذا التحالف، وتحديداً دولة القانون، على علاوي أن يتحرك باتجاه السعودية والإمارات وغيرهما، وعلى النجيفي أن يتجه نحو انقرة؟
إذا كانت الاستعانة بالأجنبي والتنسيق معه والاستقواء به حراماً وخروجاً على الوطنية، فليس من الحق والعدل والإنصاف أن تُوجّه بوصلة هذا الحُكم نحو الغرب والشمال ولا تُوجّه ناحية الشرق.