لا أحب أن أكون بهذه الحدة مع القادة الكرد ولكنهم داسوا بالبطن.
لستُ بذلك الساذج الذي يرى أن السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، سيعود إلى رشده ويحترم الدستور والمادة (140) منه – بدوافع الطيبة الذاتية والشعور بالمسؤولية وإحترام الحكومة الفيدرالية وإحترام جماهير كركوك وغيرها من المناطق التي دخلتها قوات البيشمركة بالتزامن، المقصود أو العفوي، مع دخول داعش إلى الموصل لا بالقتال بل بذوبان التشكيلات العسكرية في الوقت المخطط وكانت التشكيلات، ضباطاً ومراتب عدا الغراوي(1)، متكونة من موصليين وكرد. إنه “إنقلاب ذوبات الثلج”(2).
قبل أن يزور السيد مسعود كركوك بتأريخ 26/6/2014 ويصرح بأن المادة(140) قد أصبحت منجزة وطويت صفحتها، وراح يخاطب “رعاياه” الجدد من عرب وتركمان ومسيحيين ويطمئنهم إلى حسن معاملة الكرد (الأخ الأكبر) لهم ويعدهم بكرمهم وسخائهم، وراح يفصل للعراق ثوباً يلبسه – قبل ذلك كان هناك تثميناً لدور حكومة الإقليم من جهة وعدة إنتقادات لها من جهة أخرى مع شك خطير.
بلا شك أن دخول قوات البيشمركة إلى كركوك، حتى لو لم يكن عفوياً، كان عملاً إيجابياً لحماية كركوك من عناصر داعش بعد أن نفّذت القطعات العسكرية هناك “إنقلاب ذوبان الثلج” أيضاً وبقيت كركوك بلا حماية شأنها شأن الموصل.
أما الإنتقادات فهي:
– عدم إستحصال الإذن من الحكومة الفيدرالية مقدماً قبل دخول كركوك.
– عدم التنسيق مع القيادات السياسية المحلية من العرب والتركمان والمسيحيين.
– التصريح بأن قوات البيشمركة لا تريد قتال داعش ولكنها تحمي حدود كردستان فقط.
– تصريح السيد رئيس إقليم كردستان بضم كركوك إلى الإقليم.
– إثارة موضوع إنفصال كردستان عن العراق مع وزير خارجية ألولايات المتحدة السيد جون كيري عند زيارته لكردستان مؤخراً.
الشــــــــــــك الأكـبـــــــــــــــــر:
هناك شكوك بوجود تزامن بين جميع ما جرى من نشاطات في ذلك اليوم المشؤوم 10/6/2014 بكونها حلقات قد تبدو منفصلة عن بعضها البعض ولكنها كانت ستتصل لو نجح مخطط “إنقلاب ذوبان الثلج” وذابت الدولة العراقية على الأقل من جنوب بغداد حتى الحدود السورية؛ وكان سيجلي السيد أسامة النجيفي الطغموي(3)، رئيس مجلس النواب الذي لم تنتهِ ولايته إذ تبقت أربع أيام من عمره (وكان تأريخاً حاكماً للإنقلاب) – كان سيجلي الغموض عن إسم الدولة التي لم يذكرها بالإسم في تصريحه في فضائية (الحرة – عراق) يوم الإنكسار 10/6/2014 حين قال: العراق يتعرض لعدوان خارجي وإن هناك إنهيار عسكري وإنهيار عام.
لو نجح الإنقلاب بفعل “الإنهيار العام” الوهمي الذي كان النجيفي سباقاً لإعلانه لتثبيط العزائم والإسراع في تحقيق “الإنهيار العام” الفعلي – لو نجح الإنقلاب لأعلن السيد النجيفي إن إيران هي الدولة المقصودة التي جاءت لتقضي على “ثورة السنة” بـ “صنيعتها” داعش(4) .
الخـطــــــــــــــأ الاســــــــــتراتـيـجـــــــــي:
في خضم تلك الظروف أجد قدراً غير قليل من المصداقية في الطرح الذي يقول أن تحرك البيشمركة هو جزء من مخطط “إنقلاب ذوبان الثلج”، ولكن، ومع سرعة إمتصاص الصدمة وفشل المخطط ككل (الذي كان بسبب تصميم الجماهير العراقية على حماية نظامها الديمقراطي وصمود ألأغلبية العظمى من القطعات العسكرية للجيش العراقي والقوات الأمنية وإعلان الرئيس المالكي عن عزمه على تشكيل “الجيش الرديف” وأخيراً وأهمها دعوة المرجعية الجماهير إلى “الجهاد الكفائي”) – في خضم تلك الظروف وجد السيد البارزاني أنه من المناسب لعب دور البرئ المستفيد مما حصل، فضم إلى دولته كركوك بدعوى أن عراق ما بعد 10/6/2014 يختلف عن عراق ما قبل ذلك التأريخ المشؤوم وأنحى باللائمة على الحكومة الفيدرالية والرئيس المالكي بالذات. وراح السيد آشتي هورامي، وزير نفط كردستان، يتحدث مع الحكومة التركية عن تصدير نفط كركوك دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية!!
ينطوي ذلك على خطأ استراتيجي خطير وقع فيه البارزاني ولا يقل أهمية عن الخطأ الاستراتيجي الذي وقع به الطغمويون وعلى رأسهم أسامة النجيفي وأياد علاوي وصالح المطلك الذين ورطوا مليون مواطن برئ في الرمادي والفلوجة وباقي مناطق الأنبار وصلاح الدين والموصل وغيرها فدفعوا بهم إلى النزوح من بيوتهم ومواجهة حياة لا تليق بالبشر ودونما مبرر عدا محاولة تنفيذ تصميم السياسيين الطغمويين الضيق المتمثل برفض الآخر ورفض الديمقراطية ورفض سواسية البشر والعمل وفق صيغة “أحكم أو أقتل أو أخرب” مما جعلت الجماهير المعذبة تحنق عليهم وتلفظهم وتكشف نواياهم المؤدية في نهاية المطاف إلى تفتيت العراق طبقاً للمخطط الصهيوني المرسوم لكافة الدول العربية والإسلامية.
البــرزانـي سـيعـــــــــود صـاغــــراً للدسـتـــــــور:
أرى أن السيد البرزاني قد أخطأ الحساب ولم يعر أهمية للجماهير ورغبة الجماهير. وأعتقد أنه قد بالغ بفاعلية الأطراف الخارجية المعادية للديمقراطية العراقية وعلى رأسها شركات النفط الإحتكارية واليمين الأمريكي وإسرائيل والنظم العميلة لهم في المنطقة وهي تحديداً السعودية وتركيا وقطر. لقد نسي الحكمة الأزلية: كلمة الشعب هي الأقوى على المدى البعيد.
سيضطر السيد البرزاني للتراجع عن قراره بضم كركوك والدوس على الدستور بإحدى الوسائل التالية:
أولاً: إذا رضيت جماهير كركوك بمكوناتها الكردية والعربية والتركمانية والمسيحية وغيرها بالإنضمام إلى كردستان فسيقتضي ذلك إجراء إستفتاء تقوم به المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات بالتعاون مع الأمم المتحدة ويقتضي إنسحاب قوات البيشمركة أولاً لضمان الحيادية. سيؤيد مجلس الأمن والمجتمع الدولي هذه الإجراءات بكل تأكيد.
ثانياً: لو إعترض زعماء المكونات على ضم كركوك للإقليم فسيستلزم ذلك إنسحاب قوات البيشمركة ومزاولة لجنة المادة (140) الممثلَة فيها الأمم المتحدة لتقرير مصير كركوك والمناطق المتنازع عليها.
وإذا رفض السيد البرزاني الإنصياع فسيواجَه بأحد الإجرائين التاليين:
– أما ضغط أمريكي حازم وحاسم لا تقوى حكومة الإقليم على مواجهته ولا تقوى إسرائيل وتركيا على تلطيفه؛ وهو لا ينبع من حب أمريكا للحق والحقوق والعدالة ووحدة العراق، بل وببساطة أن مصالح أمريكا تقتضي ألا يستفز أحد الحكومة الفيدرالية لئلا يؤول ذلك إلى مزيد من التقارب بين بغداد وطهران وهو يوم أسود لإسرائيل، علماً أن ما يثير قلق واشنطن أن معطيات التوزيع النفطي في العراق هي كالتالي: 2% في كردستان و 17% في كركوك و81% في وسط وجنوب العراق. وللعلم أيضاً فإن صحيفة (الوول ستريت جورنال) قد قالت قبل أشهر معدودة (حسب فضائية الحرة – عراق) بأن نفط العراق والبرازيل سيكون قادراً على سد حاجة الأسواق العالمية.
وهذه حقيقة من شأنها أن يسيل لها اللعاب وتتحرك المؤامرات.
لذا فإن أمريكا تريد من الطغمويين والحزب الديمقراطي الكردستاني البقاء ضمن العراق في إطار حكومة ضعيفة تواصل الأخذ بمبدأ المحاصصة لإضعافها ودفع الناس إلى الكفر بالديمقراطية والعزوف عن الإنتخابات وفي ذلك توفير للشروط اللازمة أما لهزيمة برلمانية للتحالف الوطني وأما إنجاح إنقلاب آخر قد يكون من قبيل “إنقلاب ذوبان الثلج” أو من نوع آخر.
– وإذا تلكأت أمريكا لسبب أو آخر في الإيعاز للسيد مسعود بمغادرة كركوك فهناك إحتمال كبير أن تشن مكونات المحافظة حرب تحرير شعبية تدعمها الحكومة المركزية من أجل فرض إحترام الدستور وأعتقد أنها معركة ستوحد العراقيين من جميع الأطياف بضمنها الشعب الكردي أو بعض تلاوينه بالأقل، وستؤيدها الأمم المتحدة والمجتمع العربي والإسلامي والدولي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): قال الخبير الاستراتيجي الدكتور هاشم الهاشمي في فضائية (الحرة – عراق) بأن اللواء مهدي صبيح الغراوي، قائد الشرطة الإتحادية في الموصل، ذهب لإستطلاع الوضع الأمني في الضفة التي كانت تحت سيطرة داعش. ولما عاد وجد أن الوحدة التي تحت أمرته قد تبخرت. إذ ظهر أن الضباط قد أشاعوا بين الجنود أن القائد قد هرب ودعوهم إلى الإنصراف فإنصرفوا إلى بيوتهم.
(2): أقترح إضافة مصطلح جديد إلى القاموس السياسي وهو : “إنقلاب ذوبان الثلج”. لوصف هذا النوع الجديد من الإنقلابات العسكرية الذي نفذه الطغمويون مع دول خارجية وصنيعتها داعش مع شكوك بتنسيق جهة عراقية أخرى.
وإذا ما أُخذ بهذا المصطلح فسيكون ثاني مصطلح يخترعه العراقيون في دنيا الإنقلابات العسكرية. كان المصطلح الأول قد أطلقته إحدى المجلتين الأمريكيتين (النيوزويك أو التايم) على الإنقلاب العسكري الفاشل الذي قاده رئيس الوزراء اللواء عارف عبد الرزاق على نفسه حين كان ينوب عن رئيس الجمهورية المشير عبد السلام عارف الذي كان في زيارة للمغرب. ومع ذلك فشل الإنقلاب!!!
عليه إقترحت المجلة الأمريكية إطلاق إسم “كو دي رزاق” أي “إنقلاب رزاقي” ليُضاف إلى إسم “كو ديتا” وهو المصطلح العالمي للإنقلاب العسكري وأصله فرنسي. “كو دي رزاق” تعني إنقلاب عسكري يقوده شخص على نفسه ويفشل!!
(3): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
(4): من ضمن الحملة الإعلامية ضد النظام السوري خرجت نظرية مضحكة مفادها أن “داعش” صناعة سورية – إيرانية. العجيب أن البعض الطيب الساذج في العراق قد صدقها كالسيد علاء اللامي .