( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَاللّهُ وَاللّهُ خَيْرُالْمَاكِرِينَ) آلعمران54
مازال العراق يعيش ابعاد الازمة الامنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اثيرت مؤخرا بقيادة تنظيم (داعش)الارهابي، الا ان تطورات خطيرة اتضحت مؤخراكشفت عنها تصريحات رئيس اقليم كوردستان يوم 27/6 والذي كشف عن نية الاكراد بعدم حاجتهم لتطبيق المادة 140 لانهم استولوا على المناطق المتنازع عليها، واهمها كركوك. بعد ان كانت تصريحاتهم مختلفة تماما عما اعلن مؤخرا. هذا الموقف من الاكراد يبين ان هناك اكثر من لاعب اساس شارك في الاحداث الاخيرة في العراق، وهذا ما اردنا الاشارة اليه في المقال السابق حيث قلنا ان هناك ابعاد دولية في احداث سقوط الموصل، وكان لزاما على المرجعية (العليا) ان تتعاطى مع الابعاد الحقيقية للأحداث، لذا رأينا المرجع اليعقوبي دعا لبناء جيش رديف منظم تكون مهامه مستقبلية.
كنت دوماً اتحدث بما سمعته من احد عظماء الاسلام حينما نصح المالكي رئيس الوزراء عام 2007،(بأن الاستعانة بالسنة افضل من الاستعانة بالكرد لأن طموحاتهم لاتقف عند حد وانما هناك اطماع قد تصل الى محافظة ميسان جنوب العراق ثم قال: كردستان ستحل محل اسرائيل فهي تلبي طموحات القوى الاستكبارية) خصوصاً ان موقع الاقليم مهم وستراتيجي، فهو يتوسط بين تركيا الطامحة لاسترداد نفوذها العثماني ,ومن جهة ايران اللاعب الاساس في سياسة الشرق الاوسط و لا يمكن اغفال تطلعاتها في فرض نفوذها وسياستها ,ومن جهة ثالثة، سوريا التي طالما لعبت دوراً رئيسا في القضايا العربية وهي حليف بحسب الظاهرلإيران , ومن جهة رابعة، العراق، و تحديداً وسط جنوب العراق الذي يمثل خطر دائم لكل قوى الاستكبار , فضلا عن تداخلهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية مع العراقيين العرب، و الكرد مستعدون لتنفيذ اي امريصدر لهم مهما كان في سبيل تحقق مصالحهم وامكانية تنامي قوتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية .وها نحن نرى الاكراد الذين كان يربطهم مع الشيعة تحالف ستراتيجي طويل الامد ينقضون كل التعهدات ويسعون لتحقيق مصالحهم دون الاكتراث لأية نتائج سلبية ستحل بهذا البلد.
بعد ان وُجهت الانظار الى الحرب الطائفية واستخدام التنظيمات الارهابية لادخال الحكومة والمرجعية (العليا) في حرب لاستنزاف القوى والامكانات العسكرية، وفتح جبهات متعددة، تكشف واحد من اهم الاغراض التي تكمن وراء هذه الاحداث، سيطرة الاكراد على اهم المناطق النفطية في العراق. لذا كان لزاما على القيادات العراقية ان تتعامل مع الاحداث برؤية شاملة لكل المعطيات على الساحة تحسبا لكل المخططات المتوقعة، وان لا تتصرف بانفعالية وعاطفية تجاه الامور. وهذا ما فهمناه من خطابي المرجع اليعقوبي التي صدرت ابان الاحداث الجارية.
لم يتمكن الكرد سابقا من اعلان الانفصال او الاستقلال للممانعة الشديدة من تركيا وسوريا، ومن جهة اخرى الحكومة المركزية في بغداد، لكن ضعف تركيا بسبب النكبات المتتالية واخيرها سقوط حكومة الاخوان في مصر، لم يبق امامهم الا الجوانب التي يوفرها لهم اقليم كردستان، اذا ما علمنا ان تركيا ستكون المنفذ الرئيس للأكراد في تصدير النفط، ويمكن ان الكورد اعطوا تطمينات للأتراك في عدم التمدد باتجاههم. لذا فإنهم ساكتون عن التحركات الاخيرة للأكراد على الرغم من تعرض التركمان للإبادة تقريبا، التي كانوا يتخذونها ذريعة للتدخل في الشأن العراقي الداخلي. اما حكومة سوريا فهي الاخرى مشغولة بلعق جراحاتها، واختلف دورها وتأثيرها عن السابق ولم تأثر على القرار الكردي. اما الحكومة العراقية في المركز فهي في موقف ضعيف جدا ، حتى على مستوى التصريحات او المواقف التي توازي بها تصريحات وموقف البرزاني الساخر لم نجد شيئا منها، على الرغم من خرق الكرد للتحالف الستراتيجي المزعوم مع الشيعة. فهي تقف عاجزة امام هذا الموقف الكردي الخطير.. ولا اعلم ما الموقف الذي ستتخذه الكتل والاحزاب السياسية التي اسهمت وبشكل كبير في تنامي الاكراد ولم يستجيبوا لكل النصائح التي وجهت اليهم، قال رئيس الوزراء العراقي المالكي عندما طلب منه الاهتمام بواقع فئة كبيرة من العراقيين القاطنين في الموصل (الشبك) يبلغ عددهم 400 الف نسمة، قال: (انا لست مستعدا للتضحية بالعلاقة مع الاكراد من اجل 400 الف مواطن من الشيعة).
وما الموقف الذي ستتخذه المرجعية (العليا) ازاء مواقف الاكراد الانتهازية ؟ بعد ان افتت بالجهاد ضد الارهابيين التي فهمها الاغلب الاعم انها ضد السنة، او انها سوقت بهذا الشكل؟ فجبهة داعش التي استنزفت الامكانات العسكرية من جهة، ومن جهة اخرى جبهة الاكراد الذين يملكون جيشا منظما ومدربا ومسلح بأحدث الاسلحة التي اشتريت بالأموال العراقية. هذا ما جعل الموقف حرجا جدا، وهو نتيجة طبيعية للأخطاء السابقة التي مارستها الكتل والاحزاب السياسية الشيعية، بعدم اخذهم النصيحة والتحذير ممن له قراءة واعية للواقع، واعتمادهم على من يحقق لهم مصالحهم الانية دون الالتفات الى الخطر المتنامي المتوقع للأكراد.
لم يبق امام الاكراد الا ايران، فهي لم ترض بهذا الوضع الجديد، لأنه سيشكل تهديدا صريحا لها، ومن المعلوم ان هناك حدودا واسعة يشتركان بها، ومن القضايا التي تركز عليها ايران هي وجود حكومة مركزية قوية مسيطرة على مجريات الامور على الأرض العراقية. ان اقليم كردستان على الوضع الجديد يشكل تهديدا لإيران ستكون محل ازعاج لهم خصوصا اذا علمنا علاقة الاكراد بإسرائيل. ومن المتوقع ان ايران لم تقف مكتوفة الايدي تجاه هذا الوضع، من المتوقع انها ستزيد من هجماتها او الدخول بحرب مباشرة معها ويوجد الكثير من الاسباب التي تؤدي لهذه النتيجة. وبالحقيقة لا يوجد طريق اخر لمواجهة الخطر الكردي واطماعه المتزايدة بزيادة قوته العسكرية والسياسية فان خطوتهم الاخرى اذا ما استمروا دون رادع هي مرتفعات ميسان في جنوب العراق، والنتيجة سيكون جدار فاصل بين شيعة العراق وايران. و على كل الاحوال هذا يعني ان العراق بعد هذه المدة من سقوط النظام البائد وابداله بحكم ديمقراطي سيبقى يرزح تحت وصاية وحماية البلدان المجاورة والقوى الكبرى في المنطقة.
الا اللهم ان يمن الله علينا بوجوه جديدة مخلصة كفوءة تتصدى لقيادة هذا البلد لتخرجه من محنه، وهذا ليس بعيدا عن قدرة الله سبحانه بعد ان نعود اليه واصلحنا علاقتنا معه وهذا ما قاله المرجع اليعقوبي.