لم يدر بخلدي ولا بخلد عبد الرزاق السنهوري الله يرحمه وكل جهابذة القانون في العالم بمن في ذلك صديقنا واخونا حمورابي ان بالامكان تطبيق دستورنا المختلف عليه منذ عشر سنوات عجاف بسبعة ايام وبدون معلم كأنك تتعلم اللغة الصينية اوالسنسكريتية بالمدة نفسها طبقا لكراسات التعليم. كنا قد صوتنا على الدستور عام 2005 بطريقة اثارت انتباه العالم. فلاول مرة يتم الاستفتاء على دستور عن طريق الهوسات والدبكات والعراضات على طريقة “خالي, خالي, ابن اختك هالمعرض خالي”. في وقتها لعب “الفأر بعبي” لان الدساتير عادة محترمة بوصفها عقدا اجتماعيا مقدسا وبالتالي
لايتطلب الامر الاحتفال بها بهذه الطريقة كما لو كنا فزنا بكاس العالم. كان التفسير الوحيد المقنع بالنسبة لي وللمرحومين السنهوري وحمورابي ان المحتفلين كانوا قد اعتقدوا ان كل ما ارادوه قد حققوه بواسطة هذا الدستور “المرقع”.
ولانهم تصوروا ان قراءة التعاويذ كافية لابعاد شيطان التفاصيل فقد فخخوا الدستور بالمواد والمواد المتناقضة حتى بدات تلك المواد تنفجر عليهم يوما بعد اخر . المادة 140 التي وضع لها سقف زمني لم يتعد العام 2007 لاتزال حتى قبل اسبوعين تسمع صوتكم الى ان طبقتها “داعش”. المادة 142 الخاصة بتعديل الدستور التي حدد لها سقف زمني لايتعدى الشهور الاربعة لاتزال حتى قبل اسبوعين تسمع صوتكم الى ان جاءت داعش فاحتلت الموصل وصلاح الدين لتخلق واقعا جديدا مثلما تقول الكثير من القيادات السياسية. انا ادرك ان هناك مشاكل حقيقية بين المكونات العراقية (الشيعية
والسنية والكردية) مرة وبين الكتل السياسية (الشيعية والسنية والكردية) مرة اخرى وبين الزعامات السياسية (الشيعية والسنية والكردية) في كل المرات. لكن ان يتم التخلي عن الالتزامات والسياقات والتحالفات لمجرد ان واقع حال جديدا قد فرض نفسه في البلاد فهذا امر يحتاج منا اعادة النظر في كل ما كنا قد اتفقنا او توافقنا او التزمنا او تحالفنا من اجله وعلى اساسه والا كيف يمكن قبول مسالة تطبيق المادة 140 لمجرد ان داعش خلقت واقعا مختلا ودخلت البيشمركة كركوك. اين التطبيع والاحصاء والاستفتاء؟ اليست هذه هي الاليات التي يتم بموجبها تطبيق تلك المادة؟
الامر نفسه ينطبق على دعاة الاقاليم التي وان كان منصوص عليها دستوريا لكن هناك اليات في الدستور تحدد الصيغة التي يتم من خلالها اعلان الاقليم لا ان نتحدث عنها بوصفها امرا واقعا بعد داعش. اذا كانت كتب التاريخ تتحدث عن اتفاقية سايكس ـ بيكو بوصفها اتفاقا بريطانيا ـ فرنسيا لتقسيم منطقتنا وتمزيقها ومازلنا ننظر اليها بوصفها احد اتعس مخلفات الاستعمار الغربي فهل يتوجب علينا اليوم التصفيق لاتفاقية جديدة يمكن ان نطلق عليها “اتفاقية داعيش ـ بايدن”. فهناك من يعتبر ان ما يجري الان هو تطبيق لخطة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في تقسيم العراق.
فهل حققت “داعش” حلم بايدن؟ جوابي هو ما قاله الراحل محمود درويش.. “اه ياجرحي المسافر وطني ليس حقيبة .. وانا لست مسافر”.