ولد المرحوم الدكتور عزت مصطفى عام 1925 في مدينة عنه وتخرج من كلية الطب بدمشق عام 1949 وشهد مع زميله المرحوم الدكتور شامل السامرائي مؤتمر تاسيس حزب البعث في 7 نيسان عام 1943 بدمشق .التحق بعد تخرجه بخدمة الاحتياط كنقيب ثم رائد طبيب في مديرية الامور الطبية وبعد تسريحه عمل طبيبا في مستشفى السكك في بغداد وساهم بانشاء مستشفى الرازي الاهلي مع مجموعة من ابرز الاختصاصيين في العطيفيه بجانب الكرخ الذي افتتح عام 1960 حيث اداره الدكتور شامل السامرائي وعمل فيه جمع من اساطين الجراحة والطب والتخدير في بغداد وقد تبرع رحمه الله بحصته التي تشكل القسم الاكبر من ملكية المستشفي الى جمعية الهلال الاحمر عام 2001 . اصبح الفقيد رحمه الله وزيرا للصحة عام 1968 بعد ثورة 17 تموز عام 1968 وهو أحد قادتها كما اصبح عضوا لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية واستمر بمنصبه لغاية عام 1977 حين تمت اقالته من الحزب والوزارة بسبب موقفه المتعاطف في قضية احكام الاعدام لبعض المشتركين في حادثة خان النص حينها .
عرف الفقيد بالرغم من مهامه السياسية القيادية خلال تسنمه منصب الوزير بحرصه الفائق على الدوام المبكر في الوزارة وتمشية معاملاتها بكل مسئولية وبتوسعه في ارسال الاطباء للتخصص خارج العراق وبحسن استيعابه لشكاوي المواطنين والاطباء والمنتسبين وحسن التنسيق مع القيادات الطبية والصحية .
أذكر حين كنت اعمل في مدينة الطب عام 1973 للتخصص في دراسة الدبلوم ان احد الزملاء الاطباء في قسم الجراحة تم القاء القبض عليه وهو يحاول الخروج من العراق بطريقة غير رسمية بسبب محددات السفر على الاطباء في حينها ,انه تدخل بشكل مباشر واعاد الطبيب بنفسه الى مدينة الطب واجتمع بجميع الاطباء بندوة كان فيها مقنعا بمحددات السفر وانه لا يريد ان يتعرض الاطباء لمثل هذه الاجراءات وسيعمل على ضمان ارسال اكبر عدد من الاطباء للحصول على الاختصاص سواء داخل العراق او خارجه وهذا ما حصل فعلا بعد ذلك وما اثمرت عنه عملية تاميم النفط من انجازات طبية وصحية في زمانه وهو من انجز ايضا تشجيع عودة الاطباء بتشريع قانون الكفاءات . كما كان رحمه معروفا بحسن ادارته للندوات والمؤتمرات الطبية فيما يخص التطوير الاداري والمهني . كما عرف عنه انه كان كريما وممولا مهما لحزب البعث في مرحلة مبكرة من مسيرة الحزب في العراق وانه كان نزيها وأداريا ومفاوضا سياسيا وتعاقديا من الطراز الاول .
اعتزل رحمه الله السياسة والمهنة بشكل كامل عام 1977 وتفرغ لمتابعة صلاته العائلية والاجتماعية متنقلا بين عنه وبغداد ومتابعة تشغيل معملا دوائيا عائدا له صباحا كل يوم يقود سيارته بنفسه ومنفردا على الجسر الحديدي الى العيواضية وكان يقضي معظم ماتبقي من عمرة متنقلا بين بغداد وعنه واحيانا في عمان لعودة ابنته وعائلتها بعد الاحتلال قبل ان تستقر مؤخرا في ماليزيا حيث كان في زيارة لها حين وافاه الأجل .
أذكر جيدا انني قمت بزيارته في داره بالمنصور مع الدكتور عبد الكريم هاني بعد ايام قلائل من احتلال بغداد في نيسان عام 2003 واستمعنا له جيدا وهو في حالة من اليأس والقنوط لرؤيته بالأحداث مؤكدا ان عودته للعمل السياسي لا تجدي نفعا للمناهضين للإحتلال ومشروعه الخطير , وقال شدوا على ايدي شباب الجيل من المقاتلين والسياسيين الوطنيين لمناهضة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة واعتذر عن حضور ندوة ما العمل التي عقدت في حينها في داري .
وأذكر جيدا بعد ذلك اني دعيت كل من المرحوم الدكتور تحسين معلّه والدكتور فرحان باقر والمرحوم الدكتور عبد اللطيف البدري والدكتور كريم هاني والدكتور سعد الوتري والمرحوم عزت مصطفى في داري وكانت امسية مهنية رائعة تم فيها استعراض مسيرة وزارة الصحة والتعليم الطبي خلال نصف قرن من الزمان تلك الأمسية كانت مزيجا من امسيات المعرفة والتخطيط الطبي وبالرغم من وجود الاحتلال لم المس فيها حينها الا استعراضا وطنيا للمسيرة الطبية دون حس طائفي او خصومات سياسية .
زارني الدكتور عزت مرارا في مستشفى الاسراء في عمان على فترات متقطعة حيث أزاول عملي الطبي وفي كل مرة كان يزورني كان يستفسر عن الوضع العام ويحث عن ضرورة التجديد في فكر المواطنة والهوية العراقية للحفاظ عليها وعلى وحدة العراق ويكرر عندما الح عليه بضرورة الاسهام في هذه المرحلة يكرر قوله نحن ساسة أجيال مضت لم نعد نصلح لمتطلبات هذه المرحله وخصوصياتها ،وكانت هذه الكلمات تنطلق من عمق سياسي مخضرم مليئ بآهات الماضي وانتكاساته وعدم الاطمئنان بما سيحمله المستقبل من مفاجئات واحداث .
كانت لشخصية الفقيد الراحل الدكتور عزت مصطفى وكنيته ابو العز ولتاريخه السياسي الطويل والعريق في الحزب تاثير كبير في ادارة شئون الصحة والتعليم الطبي ومسيرتهما من خلال الجمع الكبير من اساطين الطب والتعليم الذي يحملون له الحب والاحترام التقدير ممن عاصروه كالمرحوم عبد اللطيف البدري وتحسين معله واحسان وزهير البحراني وعزيز شكري ومحمد علي خليل وفرحان باقر وداود سلمان علي ومردان علي وسعدون التكريتي وسعد الوتري وابراهيم النوري وفؤاد حسن غالي وخالد القصاب وصادق علوش واديب الفكيكي ويوسف النعمان وعصام عبد علي وجمع من الاداريين والمهنيين الذين يحسبهم اهل دراية ومشورة لمهامه .
منتصف نهار يوم السبت المصادف 23 آب الحالي تناقلت الأخبار نبأ وفاة الدكتور عزت مصطفي رحمه الله في ماليزيا حيث كان في زيارة لأبنته بسمة وحفيديه وزوجها الدكتور أحمد بن أخيه المقيمين في ماليزيا .
رحل الفقيد الدكتور عزت مصطفى وهو راض عن نفسه مقتنع بأداءه ومسيرته المهنية والسياسية التي جاءت به في زمن كانت بحق بحاجة لأمثاله لتحمل المسئولية واتخاذ القرار الحاسم بحكمة وأناة وحسن الإدارة وتقييم الرجال وتكريم الكفاءة واحترامها ، وحين تحمل نتائج قناعته وعزل من المنصب ،احترم نفسه وعزف بها الى انسحاب كامل من السياسة والمهنة غير مكترث بمكيدة او جريرة بحقه وهو القادر بما يملك من متطلبات العيش بخيار حيث ما وجد السكينة والهدوء والنقاهة من حياة طويلة قضاها بكل مرارتها وحلاوتها بعمل دئوب واخلاص وطني نزيه وظل في العراق بين اهله ومحبيه لأكثر من ثلاثة عقود خلف الأضواء الى ان رحل بنفس مطمئنة الى ربها راضية مرضية , رحم الله فقيدنا الدكتور عزت مصطفى (ابو العز) ، وادخله فسيح جناته ، والهم اهله وذويه الصبر والسلوان ، وانا لله وانا إليه راجعون .