لا اعتقد ان هناك من لا يعرف هذه الشخصية البغدادية الرائعة المحببة لدى نفوس اغلب العراقيين والبغدادين على وجه الخصوص, لما قدمه الفنان الكبير الراحل سليم البصري ذاك المبدع الذي شدنا لساعات طوال امام الشاشة الصغيرة.
لم نكن نشعر بالوقت فالضحك والابتسامة لم تفارق وجوهنا لفرط ما كان يطرح بالعمل الكبير الخالد (تحت موس الحلاق) والذي كان لوجود شخصية (حجي راضي) الدور البارز في اعطاء الابعاد الفنية الواقعية لهذا العمل بشكل لا يصدق, فهو يضحكنا من الاعماق الى حد كبير واحيانا يشعرنا بالاسى في اماكن معينة في المسلسل , كانت لغة هذا الفنان الانسان لغة المحبة والود ومفرداته كانت بغدادية الجذور فيها من حلاوة اللفظ بجانب الاداء التلقائي النادر, وانا هنا لا اتكلم بصفتي كاتب فقط وانما من الدارسين للمسرح, حقا هذا الرجل كان مدرسة من التلقائية في الاداء لم نكن نشعر بوجود الكاميرا من خلال قوة الاداء الواقعي العفوي الذي برع فيه الفنان سليم البصري حتى اني والى هذه اللحظة ومنذ سنين طويلة ما زلت اضحك من اعماقي كلما اعدت عرض تلك المسلسلة وكانني اشاهدها لاول مرة وهذا امر ليس بالسهل والفضل هنا يعود للفنان سليم البصري في ادائه وعبقريته في تأليف هذه المسلسل وقدرة المخرج الرائع عمانوئيل رسام في اخراجه لهذا العمل, فكان العمل كتلة من الاداء الجميل الرائع , ولا يفوتني ان اذكر ان مجموعة الفنانين الذين صاحبوا سليم البصري في المسلسل كانوا جميعا بارعين في تجسيد شخصياتهم بالبساطة والسلاسة وفي النتيجة تشعر انهم عائلة واحدة من حيث التفاعل بينهم في اظهار تصرفات تلك الشخصيات البغدادية على سجيتها وطيبتها المعهودة. من الشهادات التي يجب ان ارويها للقاريء العزيز بحق هذا الفنان الكبير الاولى عندما كنا في الكلية ونحن ندرس مادة الصوت والالقاء في قاعة الاستاذ الكبير بدري حسون فريد كان الموضوع يتطرق لطريقة الالقاء وعدم التتشنج والاسترخاء, ذكر لنا الاستاذ بدري حسون فريد انه في احد الايام كان لزوجته الفنانة ابتسام فريد دور في احد الاعمال مع الفنان سليم البصري يقول: اوصيت ابتسام ان تكون مسترخية وتلقائية لترتقي بمستوى سليم البصري لانك ان لم تكوني بهذا المستوى من الاداء سوف تشعرين بالضياع بجانب هذا الرجل لانه طاقة غير محدودة من التلقائية.
كما لا يفوتني ان اذكر راي الاستاذ الكبير الدكتور (جميل نصيف) في احدى محاضراته في الكلية ونحن ندرس مادة الادب العربي تحدث لنا عن قيمة العمل الادبي والفني في ان يكون قريبا من الناس واستشهد من خلال حديثه فقال (ان مسلسل تحت موسى الحلاق هو بحق ملحمة شعبية بغدادية ) وهنا اقول بمرارة ان هذا الرجل المكافح الذي اعطى من عمره وصحته الكثير الكثير من اجل عشقه لفنه ولم يحظى بالاهتمام الذي ينبغي,كونه فنان ادخل السرور والضحكة الى قلوبنا من خلال اعماله واصبح رمزا لفنان الشعب الذي ينبغي ان ياخذ مساحته ومكانته التي تتناسب مع حجم ما قدمه من عطاء فني لمسيرة استمرت طويلا ولكن الذي حصل انه انزوى وحيدا في بيته وهو يعاني الوحدة حتى وافته المنية ولم يكن في تشييع جثمانه سوى القلائل من الفنانين ومن محبيه ,ختاما اقول سيبقى اسم حجي راضي ذلك الحلاق البغدادي البسيط خالد في ذاكرة الاجيال في فنه وانسانيته وخير ما تقوم به المؤسسة الفنية والقائمين عليها هو ان تعرض اعمال هذا الفنان بشكل مستمر لتبقى الصلة بين اجيالنا الحاضرة وبين تلك الفترة الجميلة من الفن العراقي الاصيل ولكي يخلد اسم سليم البصري في ذاكرتنا الفنية كما خلد شارلي شابلن واخرين في عالم الفن.