هل كرة القدم لعبة لا يجيدها العرب أم لا تفهمها الشعوب العربية؟.. هل هناك أي بارقة أمل أن نرى يوماً منتخبات الفرق العربية في المراتب العشرة الأولى أو على الأقل العشرين في التصنيف الدوري اتحاد كرة القدم “الفيفا”؟
إن كرة القدم لها عشاقها في كل الدنيا، والعرب على رأس العاشقين.. لكن دائماً ما نرى المنتخبات العربية لا يعبر آداؤها عن طموحات شعوبها التي تشجع لاعبيها بحماسة مستمرة، وبالتالي لا نرى أي منتخب عربي ضمن التصنيفات الأولى عالمياً!
قدرات لا نملكها
يطرح تصنيف المنتخب المصري لكرة القدم في التاسع من آذار/مارس 2017 بالمرتبة العشرين بقائمة الإتحاد الدولي لكرة القدم متقدماً على المنتخب الهولندي بعد ان كان في الثالثة والعشرين قبل آدائه المتميز نسبياً في بطولة كأس الأمم الإفريقية في 2017 وحصوله على المركز الثاني فيها، سؤالاً طالما تداوله المشجعون العرب فيما بينهم.. لماذا لا يصل العرب إلى مراتب متقدمة في تصنيف “الفيفا”؟.. هل يملكون قدرات أعتى المنتخبات الدولية التي تحافظ على تصنيفاتها في المراتب العشرة الأولى؟
رعاية ودعم
بالتأكيد هناك عوامل كثيرة ربما لا تتوفر في اللاعبين العرب، فالدعم في أوروبا غير محدود للمنتخبات واللاعبين المشاركين في أي بطولات في مرحلة مبكرة من عمر اللاعب، إذ أن الرعاية الفنية والصحية وتدريبات اللياقة البدنية تلقى إهتماماً بالغاً من قبل الرياضيين والمسئولين في الأندية منذ إلتحاق اللاعبين بعالم كرة القدم، وبالتالي يصعد لاعبون موهوبين في أغلب الأندية لتتنوع الترشيحات والإختيارات أمام أي مدرب للمنتخب.
أهواء شخصية
المدربون في أوروبا لأهم المنتخبات وأكثرها قوة وتأثيراً، غالباً ما يختارون اللاعبين بأعينهم بعد متابعة خاصة لمستواهم مع أنديتهم، وليس الإختيار بالأذن أو إدخال عنصر المجاملات كما يحدث مع أغلب المنتخبات العربية، التي يتم إختيار اللاعبين فيها في أحيان كثيرة وفق أهواء شخصية.. فهذا اللاعب على “مزاج” المدرب، أما الآخر فليس على هواه ولذلك يستبعد من المشاركة حتى وإن كان مستواه أفضل.
محسوبية ومجاملات
نعم المحسوبية والواسطة رائحتها فجة في عالم كرة القدم عند العرب.. وهو ما يؤثر بالنهاية على شكل المنتخبات القومية العربية، فمن نشاهدهم نظنهم أفضل اللاعبين في الدولة.. لكن وكما يؤكد كثير من الرياضيين فإن الأندية المغمورة ومراكز الشباب العربية – أندية الأحياء الصغيرة – يلعب بها في أحيان كثيرة من يتألق ويملك مهارات ربما لا نجدها في أغلب لاعبي الفرق العربية.. فقط هذا يتم رعايته والآخرين لا أحد يبحث عنهم “أصلاً”.
المنتخبات العربية لن تصل إلى التصنيفات الأولى إلا إذا تناست المجاملات، فلا يصح إختيار لاعب وتمييزه في أندية الدولة المهمة فقط لأن والده هو رجل الأعمال “فلان”، أو من عائلة هذا المسؤول أو قريب لرياضي شهير!
الكارت الشخصي
إن بداية الإختيار للإلتحاق بالأندية العربية الشهيرة منذ النشأ الصغير تتم على أسس وقواعد لا علاقة لها بكرة القدم، وأهمها “من طرف من؟” أي لمن ينتمي هذا اللاعب (العائلة)، ثم ماذا يملك؟ وماذا يقدم من عطايا ومنح (الأموال) – أحدهم قدم جهاز “آي فون” حديث مع الكارت الشخصي لوالده لمدرب بالنادي كان لاعباً شهيراً كجناح أيسر في منتخب بلاده المعروف عربياً لكي ينال إهتمامه ويصعده، وهو أمر مستمر في كثير من البلدان العربية.. فهل بهذه الأساليب نحصل بالنهاية على منتخبات عربية قوية؟
أوروبا غير
أما في أوروبا.. وفور إستشعار أن هذا الصغير لديه جزء من موهبة، يرعاه النادي وينمي مهاراته ويتابعه – هو وغيره – ويضع له برنامج تغذية ويهيئ لهم مناخ كرة القدم، وبالتالي يكون المنتج لاعب متميز قادر على العطاء متنوع المهارات ومتحمل لجميع أساليب اللعب، يعشق ما يؤديه بعيد عن الكسل الذي يضرب أغلب اللاعبين العرب، لنجد في النهاية منتخبات تلعب وتجيد كرة القدم وتبهر مشجعيها كـ”ألمانيا والبرتغال وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا” وكثير من منتخبات أوروبا، ربما لا تحصد البطولات لكن في الأخير تجد أمامك منتخبات تقف على أرض صلبة يتميز لاعبوها بمهارات وتكتيكات فنية وحلول متميزة لأي مباراة كـ”هولندا والتشيك وسويسرا” وغيرهم.
أميركا الجنوبية موهوبة بالفطرة
على جانب آخر.. وفي أقصى غرب العالم، نجد منتخبات أميركا الجنوبية كـ”الأرجنتين والبرازيل”، تشجع وتبحث عن المتميزين من اللاعبين وغيرهم من منتخبات القارة، ستشعر هناك أن الشعوب كلها تلعب كرة القدم، فهي عشقهم الأول والأخير، يتناولونها على المائدة كالطعام والشراب.. الدولة نفسها ترعى اللاعبين لأنهم كنز إقتصادي ودعائي لا يقدر بثمن لدول أقحلتها الظروف الإقتصاية الصعبة كثيراً، فأعظم لاعبي الكرة على وجه الأرض تخرجوا ولازالوا من البرازيل كالأسطورة “بيليه” والأرجنتيني “مارادونا”.
إن أوروبا وأميركا الجنوبية أفضل من يخرج منتخبات قوية، فالأولى تمتلك تقنيات ورعاية خاصة للاعبين على أسس علمية، والثانية تملك لاعبين موهوبين بالفطرة “مفطومين” على كرة القدم، ونتاج هذا يظهر واضحاً في قائمة تصنيف الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” في 2017، إذ أن المراتب العشرة الأولى موزعة بين أوروبا وأميركا الجنوبية، بل تفوقت أميركا الجنوبية باستمرار إحتلالها المركزين الأول والثاني (الأرجنتين والبرازيل)، ثم ألمانيا من أوروبا، ثم تشيلي، ثم بلجيكا وفرنسا، ثم كولومبيا والبرتغال، ثم أوروغواي وإسبانيا.. هكذا التفوق لمن يسمح للشعوب أن تتنفس كرة القدم مثلما الحال في أميركا الجنوبية.
خارج المنافسة
أما المنتخبات العربية.. فأولها جاء في تصنيف 2017 هو المنتخب المصري (المرتبة الـ20)، يليه المنتخب التونسي (المرتبة الـ37)، ثم المغرب (المرتبة الـ49 ) والجزائر (المرتبة الـ50)، ثم السعودية (المرتبة الـ57) والإمارات العربية (المرتبة الـ68) وقطر (المرتبة الـ84) وليبيا (المرتبة الـ92) وسوريا (المرتبة الـ95)، ثم موريتانيا (المرتبة الـ106)، ثم الأردن (المرتبة الـ115)، ثم العراق في (المرتبة الـ122) وعمان في (المرتبة الـ124)، والبحرين في (المرتبة الـ127) وفلسطين في (المرتبة الـ134)، ثم السودان في (المرتبة الـ138)، ثم جزر القمر في (المرتبة الـ142) واليمن في (المرتبة الـ148)، ولبنان في (المرتبة الـ155)، ثم الكويت في (المرتبة الـ165)، ثم أخيراً جيبوتي في (المرتبة الـ205)، بالتساوي مع الصومال يتذيلان القائمة بدون أي نشاط في كرة القدم لفترة 4 سنوات أو مشاركات.
4 من الـ50.. حرج مستمر
تصنيف “الفيفا” يضع العرب في حرج مستمر، إذ أنه أولاً ليس بينهم أي منتخب في العشرين الأوائل – بإستثناء المصري حل في المرتبة الـ20 في تصنيف 2017، ثم من العشرين إلى الخمسين فقط 3 منتخبات من بين 30 منتخباً (تونس 38 والمغرب والجزائر 49 و50 على التوالي)، وبالتالي على العرب مراجعة حساباتهم جيداً مع كرة القدم منذ البداية والعودة إلى البحث عن لاعبي “الشوارع” والأندية الشعبية، مع منح فرص حقيقية دون وساطات وحسابات شخصية للمتقدمين للأندية وإختيار الأفضل وإنشاء مدارس كرة قدم تعمل بجد (وليس من أجل جني المال وحسب) على “تفريخ” لاعبين موهوبين ومتميزين مع تنمية حقيقية لمهاراتهم وتبني لقاءات دورية مع منتخبات وأندية قوية لتحقيق الإحتكاك المباشر والوصول إلى أفضل النتائج وجعلها كذلك منهج دراسي حقيقي، وليس مجرد “حصة ألعاب” يقوم على تدريسه وتدريبه أفضل المتخصصين.