يرى مراقبون ومتابعون للشأن السياسي العربي ان هناك انحسارا في الدور المصري العربي والدولي وتراجع فعالية السياسة المصرية أزاء قضايا المنطقة وبالأخص في أزمة العراق ومعاناة شعبه ، وعدم وجود دور ملموس ومحوري لمصر في الاسهام بحل هذه الأزمة أو حتى الإسهام بأي دور إقليمي أزاء قضيتي سوريا وليبيا والعلاقة مع دول الخليج ، وهناك جملة أسباب يمكن تأشيرها كملاحظات عن إنكفاء الدور المصري وتراجع هذا الدور وكالآتي :
1. ان الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر عقب سقوط مبارك ومن ثم تولي مرسي مقاليد الحكم ومن ثم ايضا الاطاحة به ، أدى الى انكفاء دور مصر والإتجاه نحو الاهتمام بالداخل اكثر من البحث عن دور اقليمي او عربي، وتراجع الدور الفعال للسياسة المصرية على اكثر من صعيد، بعد ان كانت مصر حاضرة العرب وتتدخل في قضاياهم المصيرية وعندما تتهددهم الأخطار ، وكانت مصر تسهم في اطفاء نيران الازمات عندما تلتهب في المنطقة ، الا ان الاقدار ابعدتها كما يبدو بفعل الضغط الاميركي الغربي الاسرائيلي عليها بعد انهيار العراق عام 2003 ، حتى تدحرجت مصر هي الاخرى ولم يعد لديها دور فعال يمكن ان تلعبه في حل ازمات المنطقة.
2. ان الظروف التي جاء بها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي والانقلاب الذي دبره للاطاحة بمرسي ربما يكون واحدا من اسباب تراجع صورة الديمقراطية من وجهة نظر متابعين للشأن المصري، اذ كان ينظر الى مصر على انها بلد الحضارة والتاريخ الضارب في الاعماق ، وكان يفترض بأنها هي من تعلم العرب دروسا في الديمقراطية، لا ان تتخذ من العسكرة وسيلة للانقضاض على السلطة ومن ثم اتخاذ الديمقراطية مطية لركوبها من اجل الوصول الى كراسي الحكم ، ومن ثم تراجع دور كل القوى المصرية التي حلمت بأن يكون لها دور مؤثر في حكم بلادها، واذا بها تنكفيء هي الاخرى ويتارجع دورها، ولم يعد لشخصيات مصرية عديدة كانت مهيأة لقيادة البلد ان تظهر ويتم منحها الدور الذي تلعبه لحكم بلادها، وعاد التفرد بالسلطة هو القاسم المشترك لمعظم الانظمة العربية ومنها النظام السياسي الحالي في مصر ، وكأنها الوسيلة الوحيدة التي يتم من خلالها اخضاع الجمهور بالضغط والاكراه لسلطة الحاكم، وهذا ما تسبب بانحسار الدور المصري وتراجعه كثيرا، حتى وان ظهرت بعض محاولات هنا او هناك لكنها لاتعدو ان تكون محاولات خجولة لا ترتقي الى اهمية مصر التاريخ والحضارة والدور، مصر التي كانت تهابها الدنيا وتضع لها الف حساب، وها هي تطلب المعونة حتى من الضعفاء وتستنجد بهم علهم يخلصونها من ازماتها الداخلية وسبل انقاذها من وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة.
3. كان الخليج يتخوف ربما من المد الاسلامي الاصولي ولهذا شجع السيسي على القيام بإنقلاب على مرسي بعدها اتخذ الاطار الديمقراطي ولعبة الانتخابات مسارا لتلميع صورة العسكرة وطليها باصباغ ديمقراطية غربية علها تكون مستساغة الطعم مستفيدة من اخطاء الاسلاميين وجماعة الاخوان الذين لم يحسنوا كما يبدو حكم بلادهم، ولم يرطبوا علاقاتهم مع القوى المصرية الفاعلة او ينفتحوا عليها بما يكفي ، حتى وجد الحالمون بالسلطة من العسكر مبتغاهم في ان تعود الدكتاتورية الى مصر بأثواب جديدة، وأعتقد ان المصريين بسبب الظروف الاليمة التي مرت بهم في فترة اندلاع الاضطرابات هي من ارهبتهم وجعلتهم يفضلون حكم العساكر على ان يكونوا تحت سياط حكم الاسلاميين الذين ارتكبوا اخطاء ما كان لهم ان يرتكبوها في بلد كان يمكن انتظار مساره الديمقراطي لاسقاط مرسي عبر الانتخابات وليس عبر الانقلاب العسكري.
4. ما يهم العراقيون انهم يعبرون عن خالص اسفهم ومواساتهم للشعب المصري بعد انكفاء دور مصر وعدم وجود تدخل ايجابي يسهم بحل ازمة النيران الملتهبة على ارض العراق حيث تستعر نيران الطائفية وتتأجج فصول ابادة الشعب العراقي تحت ستار الديمقراطية وتحت لوائها، ولم يجد العراقيون دورا من مصر يقف الى جانبهم في هذه المحنة الاليمة ان لم تكن قد اوغلت في التمادي بالوقوف موقفا اغاض العراقيون وشعروا بالأسف الشديد لأن مصر ربما خذلتهم عن طريق مواقف غير ودية ازاءهم، وكثيرا ما اشتكى العراقيون من مواقف مصر ازاءهم منذ عهد عبد الناصر الذي وقف الى جانب الاكراد ضد الحكومة العراقية في سعيهم للتمرد على الحكومات العراقية في الستينات وبالذات في عهد عبد الكريم قاسم ووقفوا ضد موقف العراق أزاء قضية دخوله الكويت ، وكان موقف مصر في عهد مبارك ومواقفه في القمة العربية في التسعينات ابان ازمة الكويت وما تلاها من مواقف، هي التي خذلت العراقيين ، ولم يحصد منها نظام مبارك ولا من سبقه الا الخيبات المريرة، وهو ، أي مبارك الان في وضع لايحسد عليه رغم ان العراقيين لايشمتون بأحد حتى وان ظلمهم أو اصابهم بضرر بليغ، لان ما تربطهم بشعب مصر يكفي ان يبقى ملهما لهم في ان العراق ومصر يبقيان رغم كل عهود التدهور والانحلال جناحي الامة العربية التي لن يكون بمقدورها التحليق في اجواء العز والكرامة الا بهما ومن خلالهما وهم يكنون لمصر وشعبها كل الحب والتقدير والاحترام.
5. كما ان دور مصر تراجع في الازمة الليبية وفي عدم الاسهام بانتقالة ايجابية لليبيا باتجاه الاستقرار بعد الفوضى التي شهدها هذا البلد وتكاد تهدد استقرار القارة الافريقية برمتها، وهي تشبه الى حد ما بما جرى في العراق عام 2003 وما تلاها، وهي ستواجه ازمات مستعصية شبيهة بتلك التي جرت في العراق.
6. ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي واسرائيل تحركوا مجتمعين للاسهام بانهيار النظام العربي واشاعة اجواء الفوضى والفلتان والانهيار في عموم الارض العربية ولن تكون للعرب قائمة بعد اليوم بعد انهيار العراق ومصر ومن ثم ليبيا ودول الخليج وها هي امريكا تشجع ايران على التهام الدول العربية الواحدة بعد الاخرى في تواطؤ مريب رغم تضاد الاهداف لكنهما يلتقيان عند تحطيم قدرات العرب والتسبب بانهيارهم ، ولو بقيت مصر قوية كما كانت ، ووقفت بوجه المطامع الإيرانية وسعت لتحجيم دور حكام إيران ، لما تجرأ أي طامع في النيل من الكيان العربي وتدمير قواه، وتشتيت اوصاله، وبقي ضعيفا خائر القوى، يجر اذيال الخيبة والخذلان.
7. كانت الجامعة العربية للأسف الشديد ، والتي تحتضنها مصر منذ سنين طويلة ، من أكثر الهيئات والمنظمات العربية شللا وضعفا وخوارا في هذه المرحلة ، فما ان انهار دور مصر حتى تهاوت الجامعة العربية وتحولت الى مقهى شعبي للمتسكعين والعاطلين عن الوظائف الدبلوماسية، ولم تحل رجل دجاجة، وكان موقفها من العراق مخزيا يذكره العراقيون بألم وحسرة شديدين، على ان يصل حال هذه المؤسسة العريقة الى هذا الحال من التدهور واللامبالاة أزاء أخطر أزمة يواجهها العرب، ولم تتدخل بما يكفي لحل أزمة سوريا، وبقيت الجامعة العربية تتفرج على أزمات المنطقة وكأن شيئا لايعنيها، ولهذا فأن وصف ( المقهى الشعبي ) ربما لايكفي لوصف دورها المتهريء، والذي ربما ترتقي المقاهي الشعبية فوق مستواها بكثير.
8. واخيرا كان العراقيون يأملون على رغم انحلال الدورالمصري وتراجعه ان تكون أزمة العراق الملتهبة واحدا من المجالات الحيوية التي تعيد لمصر بعض هيبتها، وحاضرة في قلب من يحكم مصر ، في ان تقف الى جانب اخوتهم العراقيين في محنتهم لا ان تقف الموقف الذي يسهم بإيذائهم والعمل على تقطيع اوصالهم من خلال جملة اجراءات ماكان العراقيون يتمنون لمصر ان تضطر للانخراط في هكذا لعبة مؤذية ليس للعراق فحسب بل وللمنطقة العربية برمتها.
هذه هي الملاحظات التي اردنا ان نسلط الضوء عليها في اسباب تراجع الدور المصري وانكفائه على الساحة العربية وكان العراق احد اكبر المتضررين من انحسار هذا الدور.