تظاهرات تشرين صراع الأخوة الاعداء و اسلحة الخداع الشامل

تظاهرات تشرين صراع الأخوة الاعداء و اسلحة الخداع الشامل

في ذكرى انطلاقة تظاهرات تشرين التي اندلعت صبيحة يوم 1/10/2019 في بغداد العاصمة لتنتقل بعد ذالك الى مدن الوسط و الجنوب احتجاجآ على السياسات العامة .حيث التفاوت الطبقي و الفجوة الطبقية الهائلة و البطالة و الفساد المستشري وتكميم الافواه و قمع الحريات وانتهاك كرامة الانسان و حقوقة وانتهاك الدستور ,اضافة الى سوء اداء اجهزة البيروقراطية الحكومية وترهلها وعدم حياديتها لا بل انحيازها الدائم وتعسفها في استخدام سلطتها بشكل مستدام . رفعت ايضآ شعارات ضد ايران و الولايات المتحدة و ضد العديد من الاحزاب و القوى السياسية و الدينية .وفي هذا الاطار دخلت قوى سياسية متعددة في الازمة وقوى وتيارات شيعية بعضها مشارك في الحكم يمكن القول ان جميع قوى السلطة  و الاحزاب الممثلة فيها وجدت في مرحلة ما موطئ قدم لها في خيمات الاعتصام او ساحات التظاهرات واذا كان وجود التيار الصدري واضح و بارز وربما مسيطر في العديد من ساحات الاحتجاج ووجود الحزب الشيوعي العراقي و بعض القوى المدنية العلمانية معلن فأن القوى الاخرى لها وجودها ايضآ وان كان غير معلن او ظاهر للعيان بالعنوان الرسمي الواضح ,كانت هذة التظاهرات مثلت اهم تحدي فعلي لشرعية النظام السياسي منذ عام 2003 حيث شهدت البلاد تغيرات جوهرية في شكل الحكم من هيمنة الحزب الواحد الشمولية الدكتاتورية الى نظام مبني على التعددية الحزبية . وفي ظل دولة دستورية تتطلع الى بناء تجربة دستورية ديموقراطية  ظاهريآ في اطار سلوك سياسي عملي يتناقض  مع  الدستور و القانون و حقوق الانسان,منطلق من ثقافة اقصائية لاتعترف بالديموقراطية وحقوق الانسان وتتخذها وسيلة لبلوغ السلطة لاغير .

كان الموقف الصحيح من التظاهرات هو الموقف الديموقراطي اللبرالي ففي الوقت الذي يجب ان نكون من اشد أنصار الحريات الديموقراطية وفي مقدمة الداعين الى فسح المجال لها وفي مقدمة المطالبين بضرورة مزاولة الشعب اياها كاملة .ومنها حرية ابداء الرأي   والتعبير  عنة وحرية الصحافة و حرية الاجتماع و الكرامة الانسانية المتساوية وحرية تأسيس الاحزاب و العمل الحزبي وسائر الحقوق الواردة في شرعة حقوق الانسان جميعها ومنها الحق بالتظاهر .بأعتبار ان هذة الحريات و الحقوق الانسانية من شروط عدم انتهاك الدستور ومن مستلزمات احترامة .وقد سطرت تلكم الحقوق في مواد الدستور .كما جاء في المادة  37/أحرية الانسان وكرامته مصونة وفي الاطار ذاته المادة 38 تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام العام و الاداب اولا حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وثانيآ حرية الصحافة و الطباعة و النشر ثالثآ حرية الاجتماع و التظاهر السلمي وتنظم بقانون وفي ذات السياق جاءت المادة 39 اولا حرية تأسيس الجمعيات و الاحزاب السياسية او الانظمام اليها و في الفقرة ثانيآ لايجوز اجبار احد على الانظمام الى اي حزب او جمعية او جهة سياسية او اجبارة على الاستمرار في عضويتها وفي المادة 42 لكل فرد حرية  الفكر و الضمير و العقيدة . تجد هذة الحقوق اساسها في المواد من 1 الى 30 من شرعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ولايجوز وضع قيود على حقوق الانسان الا تلك التي تتعلق بحقوق الغير  وحرياتهم ولمقتضيات العدالة والمصلحة العامة و الاخلاق في مجتمع ديموقراطي .وفي المادة 30 عدم جواز تأويل النصوص بهدف هدم الحقوق و الحريات الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ..

وكمشارك بالتظاهرات والحضور في ساحات الاحتجاج سواء في تشرين او قبلها في فترة طويلة وعبرت عن موقفي سواء بالكتابة للمقالات او الاحاديث في الاعلام .كنت جزء من حال ولا ادعي الكلام بأسم تلك الحالة او ناطقآ رسميآ بأسمها لكن ومن خلال متابعه ماحدث فأنني استطيع القول .ان التظاهر حق لكن لايجب ان يوجه وجهه خاطئة وان لايتعسف في استعمالة وقد وجهت مظاهرات تشرين في وقت من الاوقات وجهة خاطئة وشابها الاخطاء لابل الخطايا مما افقد حق التظاهر قدسيتة و فقدت التعاطف من قبل قطاعات واسعة من الشعب , كان من اكبر الخطايا تشكيل ماعرف ب (فوج مكافحة الدوام ) في كل محافظة تقريبآ . مجاميع تقوم بركوب الدراجات النارية وتمنع المدارس و مؤسسات الدولة من العمل بالأكراه و القهر .ولم يكن مدرسي المدارس او الطلاب او موظفي مؤسسات الدولة راغبين في الامتناع عن العمل لقد شكل هذا الفعل من الناحية القانونية جريمة وفق القانون مقتضاها تعطيل مرافق ومؤسسات الدولة .كذالك لم تخلوا الساحات  من عمليات عنف واستخدام العنف فيما بين  الاطراف المتظاهره نفسها لقد شهدت الساحات في بغداد حيث ماحدث في ساحة الوثبة و المطعم التركي  و النجف و غيرها 

 وتمت مهاجمة عدة مقرات سياسية وحتى تفجير و حرق بعضها وكان الوجود المسلح محسوسآ في بعض الساحات وان لم يكن علنيآ و ظاهرآ  وحدثت تبادل اتهامات بين الصدريين وباقي المجموعات المشاركة بالتظاهرات واطلقت شعارات  و هتافات  في هذا الشأن بوضوح .اشارت الى تباين المواقف و عمق الخلاف الذي ظهر الى السطح بعد ان كان مخفيآ .لقد مثل هذا الوضع مقتل الى المظاهرات حيث عندما تمارس الجهات المعارضة العنف فيما بينها فأنها تفقد التعاطف او بقايا التعاطف وعندما تتخلى المعارضة عن الالتزام بالقانون وتنتهك هي مبادئ حقوق الانسان و الدستور وتمارس اشكال العنف , تفقد قدرتها على الاقناع وتفقد مبررات ادعاءاتها الاخلاقية وعدم قدرتها على الادعاء بأنها تدافع عن قضية عادلة .وهذا كان واضح بتناقص اعداد الحضور الى الساحات حتى  اقتصر على افراد قلائل في كل خيمة .ان التظاهرات تحولت ايضا الى اداة صراع بين اجنحة السلطة على طريقة صراع العشائر و زعاماتها على من يتقلد المشيخة .وهو صراع من صراعات اجنحة السلطة بالنهاية غايتة من يمثل الطائفة ويشكل الوزارة القادمة بعد اسقاط وزارة عبد المهدي و الاستعداد لجولة انتخابية .

ليس كل شعار يرفع في مظاهرات هو شعار يستحق التأييد و التعاطف و ليس كل حركة تسعى الى التغير ايآ كان او مظاهرة يجب ان تؤيد ففي الوقت الذي يجب ان تؤيد التظاهرات التي تسعى الى توفير الخبز و الحرية وحقوق الانسان و العدالة الاجتماعية و الكرامة الانسانية المتساوية فأنة وفي ذات الوقت فان رفع شعارات تشوه الغاية من التظاهرات وتوجهها توجيهآ عدوانيآ ذي دوافع فاشستية دكتاتورية يجب ان لا يحظى بأي تعاطف بل على العكس يجب ان يقابل بالأدانة والاستهجان .رفع شعار في عدة تظاهرات (كلا للأحزاب)كان شعار خاطئ بمعنى الكلمة فلايجوز ان يتم المطالبة بتقليص الحريات و منع الاحزاب وهو يعني التنكر الى تاريخ من النضال الوطني المطالب بأطلاق التعددية الحزبية منذ ايام العهد الملكي بأعتبارها شكل من اشكال العمل الديموقراطي واقرتها شرعة حقوق الانسان و الدستور العراقي ,وهو يعني ان هنالك جهات سياسية او تيارات دينية او من الذين يحنوا الى تجربة النظام السابق يسعون الى حياة دكتاتورية تقصي الاخرين لتؤسس هي شموليتها الجديدة .لتصنع استغلال مكان اخر وقمع بدل اخر .

كان من الشعارات الخاطئة و الكارثية شعارات (ايران برة ثم امريكا برة ثم السعودية والكويت  وتركية وربما حتى موزمبيق والصومال و غواتيمالا  برة  وكلا بنغلاديش وتسقط الصين الخ ). هذة الشعارات خاطئة لعدة اسباب حيث لايمكن ان تنجح اي انتفاضة او ثورة او حركة او تظاهرات وهي تقوم باطلاق شعارات تعادي فيها الكرة الارضية كلها .ومن يريد فليقراء تاريخ الثورات الامريكية و المصرية في 25 يناير و حتى الثورة البلشفية وكيف وظف الثوار التناقضات الاقليمة و الدولية لصالحهم .عبر خلق جو من الاطمئنان وشرح عدالة القضية ونسج مصالح مشتركة مبنية على خطاب معتدل .كما انة من المعلوم ان كل توجه اعتدائي نحو فئة معينة من الاحزاب او القوى السياسية عبر الطعن بعراقيتها هو توجه استفزازي يؤدي الى ردة فعل وقد كان . وامام هذة المعطيات برز بعد تراجع الزخم للظاهرات اختراق التظاهرات عبر اساليب الاحتواء و الامتصاص وعقد الصفقات و الترهيب و الترغيب عبر التعينات و الوضائف الحكومية و صفقات سمح بموجبها بوصول بعض الاشخاص الى المجلس النيابي بناء على اتفاق تخادم او الاطمئنان الى الانحدار العائلي وسمح لهم بالمعارضة الشكلية عبر التصريحات لغرض التنفيس عن حال الغضب الشعبي و للدعاء امام العالم ان القوى القابضة على السلطة تسمح  بكل اشكال المعارضات ..

مقابل تمتع الطرف الاخر من الصفقة بالامتيازات السلطوية وقد حدث وربما كان خلف الكواليس قوة سياسية شيعية استخدمت التظاهرات في صراعها مع منافسيها على زعامة الطائفة الشيعية في اطار صراع الاخوة الاعداء المعروف . واخيرا نقول ليس امام العراقيين سوى التمسك بالثوابت الديموقراطية وحقوق الانسان ومناهجها وافكارها لأنها الوعاء الذي يستطيع ان يبني تجربة عراقية تعمل على صهر  كل المكونات العراقية اللغوية و الاثنية و الطائفية و الدينية و مختلف الافكار السياسية لأنها الوعاء المحايد الذي يتيح للجميع التمتع فية بالحرية و المساواة و ان الوطنية الديموقراطية اللبرالية لا تبنى على كراهة الاخرين بل على نفس انساني ديموقراطي يتعايش فية الجميع .

أحدث المقالات

أحدث المقالات