يعيش العالم اليوم فوضى عارمة متعددة الوجوه، حروب مفتوحة بين روسيا و أوكرانيا وغزة وسوريا والسودان وليبيا في عدم الاستقرار والتهديدات الامريكية لايران والغزو الاسرائيلي لفلسطين والوضع المقلق في لبنان، وتوترات كامنة في تايوان وبحر الصين الجنوبي وكوسوفو والتهديدات لفنزويلا بحجج تهريب المخدرات والمسيرات الغير معروفة التي تظهر على مطارات اوروبا ، إلى جانب تحالفات تفتقر للبوصلة، وقانون دولي ممزق، ومؤسسات متعددة الأطراف مشلولة. لا تبدو ان هذه الفوضى التي تعصف بعالمنا مجرد وصف لحالة خارجة عن السيطرة، بل هي مرآة صادقة تنعكس فيها حدود وعينا، وعجز أدواتنا الذهنية عن ملاحقة التحولات العاصفة. إنها لا تشير فقط إلى العالم، بل إلينا نحن، إلى قصورنا عن التفكير خارج قوالب أرهقها التكرار، ونماذج فكرية بالية لا تُجيد إلا تفسير الماضي.
وفي خضم هذا الواقع المضطرب، وسط هذا المشهد، تنهار اليقينيات وتتاكل السرديات الكبرى، ويبدو ان التاريخ فعلا يعيد نفسه وكأنه يُكتب بلا معنى أو اتجاه واضح. فالأنظمة التي اعتدنا عليها تتزعزع، والقواعد التي كانت تحكم التفاعلات الدولية تفقد بريقها يوماً بعد يوم ، ولعل المتابع الحذق يقرائها’ بان التاريخ يعيد نفسه’،ولو عدنا الى ما قبل الحرب العالمية بظروفها المختلفة والتي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى والثانية ‘ ولكن كان هناك عدد أقل من المخاوف النووية كما في أزمة الصواريخ الكوبية أو حرب أكتوبر/تشرين الأول أو حادثة ‘آبل آرتشر’ في 1983عندما اعتقد السوفيات أن المناورات التي يجريها حلف الناتو هي بداية الحرب النووية’ تبدو وكأنها تتجسد من جديد من فوضى قد تكون متزلزلة و عدم استقرار متزايد، أزمات متعددة الأوجه، وموجة من الانقلابات والنزاعات كما تعيش العديد من الدول الافريقية والصراع الصيني الامريكي ، هذه الإشارات مجتمعة تُلمح إلى أننا قد نكون بالفعل على أعتاب “حرب عالمية ثالثة”، ليس بالضرورة بشكلها التقليدي، ولكن كصراع حتمي سيُعيد تشكيل النظام القائم ويتحول الى نظام عالمي متعدد الأقطاب ، اما السؤال هو متى يتحقق ذلك النظام او يبدأ بالضبط فذلك محط نقاش بين العلماء والمؤرخين فيما ان البعض يرى أنه جاء مع هجوم روسيا على أوكرانيا عام 2022، معلنا نهاية حقبة الهيمنة الأميركية والعودة إلى فترة جديدة من التنافس بين القوى العظمى، فيما يشير آخرون إلى لكن الذي كان نقطة البداية هوالانهيار المالي عام 2008 في تحول الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق وكشف عن صعود الصين كمنافس واقعي للولايات المتحدة. ويعود آخرون في ذلك إلى حرب العراق عام 2003: لحظة غطرسة واشنطن التي كشفت حدود القوة الأميركية وشكلت بداية نهاية تفوقها العالمي بعد الحرب الباردة. ولكن أيا كانت بداية تعدد الأقطاب، فإن معظم المحللين متفقون على أن الانتقال إلى نظام عالمي جديد يجري الآن العمل عليه في الائتلافات العالمية الجديدة بعد الازمة الاوكرانية الروسية ،ان الخطوة هذه اذا تحققت من التحول والتي فعلا قد فتحت أبوابها من خلال تشكيل عدد من القوى تقودها الهند وإيران والصين وروسيا مثل منظمة شنغهاي وهو حلف سياسي واقتصادي يضم نصف البشرية وأحد أبرز التكتلات الإقليمية في أوراسيا، وتضم في عضويتها 10دول وفي ازدياد حيث ان العديد من الدول تطالب الانضمام اليه’،واذا تحققت هذه القوى يعني اننا قد تفرعنا وتهدمت قوى كبيرة والأحلاف بقت شكلية مثل حلف ناتو والتي تعيش دوله اختلافات وعدم التطابق في الرؤى و على وشك الانهيار و لاشك سوف ينتقل العالم نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث تتقاسم القوى النفوذ وتُعيد تعريف قواعد اللعبة، هذا النظام الجديد ستقوده حتمًا تلك الدول التي أثبتت قدرتها على التأثير الفعال سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، لتُعلن بذلك نهاية حقبة مظلمة وبداية عصر جديد في العلاقات الدولية،