المقاطعة جزء من الصراع على السلطة

المقاطعة جزء من الصراع على السلطة

ليس من المعقول ان تحقق الديمقراطية طفرات نوعية بالنتائج والقدرة على التغيير في المجتمعات حديثة العهد بها… لذلك من المتعارف عليه ان تحقق الديمقراطية خطوات تغييرية بشكل جزئي وعلى مراحل ان سارت ضمن اطارها وسياقها من الشفافية والموضوعية والنزاهة والوضوح ، لكنها باي حال من الأحوال لن تنتج دكتاتورية واستبداد.
اما بالنسبة للعراق فإننا ومع الاسف لا نسير بالاتجاه الصحيح من خمول البرلمان اولا؛ وتقاعسه عن أداء واجباته الدستورية. وعزوف المواطن ثانيا؛ وتراجع نسب مشاركته الانتخابية. وغياب البديل السياسي ثالثا؛ مع تكرار نفس الوجوه. وفشل السياسات رابعا.
لذلك ووفقا للمعطيات الحالية لا نتأمل بتغيير واسع من الانتخابات التشريعية المقبلة ، بقدر قناعتنا بان الامل بالمستقبل ، وان التغيير عبر صناديق الاقتراع هو الطريق الامثل في اية ديمقراطية مهما حدثت فيها من اختلالات مرحلية واخطرها هو سلاح المقاطعة.
تعرف مقاطعة الانتخابات بانها  نوع من الاحتجاج السياسي ، واحدى الوسائل المستخدمة من قبل مجموعة من الناخبين ضمن مساحة حرية التعبير والحقوق الدستورية.
دوافهم الخوف من احتمالات تزوير الانتخابات ، او ان النظام المشرف على العملية الانتخابية متحيز لمرشح بعينه ، او ان النظام السياسي المنظم للانتخابات يفتقد الى الشرعية. وتتمثل اسباب المقاطعة ب: غياب الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية اولا؛. تكرار نفس الوجوه والقوى والقوائم الحاكمة الفاسدة ثانيا؛. الاحباط واليأس من التغيير عبر صناديق الاقتراع ثالثا؛ الذي تسلل الى النفوس وبالذات في العراق بعد عقدين من التجارب الديمقراطية. ونوعا من الصراع على السلطة رابعا.
وفي النقطة الاخيرة والاهم تقول الدكتورة زينب شكر أستاذة علم الاجتماع في جامعة سان هيوستن بالولايات المتحدة:
تزامنت نهاية الحرب الباردة مع صعود ما بات يُعرَف في العلوم السياسية بـ “الأنظمة الهجينة” Hybrid Regime في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وأفريقيا؛ وهي الأنظمة التي باتت تشكّل النمط الأكثر انتشارًا في العالم مع نهاية القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
في هذه الأنظمة وفقا لاستاذة العلوم السياسية في جامعة بيركلي الدكتورة سوزان دايتون ، أصبحت مقاطعة الانتخابات أداة مألوفة ، تعتمدها المعارضة السياسية؛ إذ تكون الانتخابات الحرّة أو شبه الحرّة أداة تتنامى قيمتها بالنسبة إلى الأحزاب المعارضة في سعيها للتمثيل السياسي. وقد أصبحت الانتخابات ، أيضًا ، أداة أساسية للقادة السياسيين ، تتيح لهم “ممارسةً ديمقراطية”، يُرضون بها مواطنيهم ، وتُكسبهم دعمَ المجتمع الدولي ليحظوا بتأييده.
وقد أدّت زيادة عدد الانتخابات المتنازع عليها إلى زيادة عدد قرارات المقاطعة وفقا للدكتورة زينب شكر . ففي عام ١٩٨٩ ، تمّت مقاطعة ٤ في المئة فحسب، من مجموع الانتخابات التي جرتْ في أنحاء العالم كلّها. وارتفع هذا الرقم إلى ١٥ في المئة في عام ٢٠٠٢ ، في حين أنه بين العاميْن ١٩٩٥ و ٢٠٠٤ ، جرت مقاطعة ما متوسّطه ١٠ انتخابات في السنة.
اذن المقاطعة سلاح وجزء من الصراع السياسي على السلطة بين قوى حاكمة تريد البقاء في السلطة وكسب الشرعية ، وقوى اخرى تريد سحب بساط الشرعية من القوى الحاكمة عبر سلاح المقاطعة… اذن هي جزء من الصراع السياسي ضمن العملية الديمقراطية ، لان المقاطعين مجبرين على التعامل مع نتائج الانتخابات والركون الى الحاكم الجديد مهما كانت النتائج النهائية ، ولنا في تجربة الجزائر الاخيرة عام ٢٠٢١ خير مثال ودليل ، فبعد مقاطعة أغلبية الشعب للانتخابات فاز حزب جبهة التحرير الجزائرية بالاغلبية رغم ان نسب المشاركة لم تتجاوز ٢٣ بالمئة ، اي ان ٧٧ بالمئة من الشعب قاطع وعارض الانتخابات حتى سمي الكتلة الاكبر ، وما زال الوضع لديهم بعد اربع سنوات على حاله.
عموما تشير الدلائل التاريخية وليست في الجزائر فحسب ، بل في العراق ايضا ، الى ان مقاطعة الانتخابات لا تؤدي الا الى تهميش الجماعات المقاطعة؛ لانها تنسحب عمدا من عملية المنافسة على السلطة السياسية. ومن دون سلطة سياسية ، تضطر الجماعات المعارضة الى الاعتماد على السخط الشعبي ضد النظام الحاكم ، الا انه ليس استراتيجية سياسية منظمة واعدة تستطيع ان تقوض قدرة النخب الحاكمة في الوصول الى عملية صنع القرار من دون قيود او عوائق.
ان ما يحتاجه المقاطعين هو تشكيل معارضة سياسية واضحة ، موحدة مؤسسية من جميع الاطياف والتوجهات ،  وتحمل مشروعا وطنيا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا يكون بديلا مضادا لهيمنة الاحزاب الحاكمة على السلطة وغياب من يراقبها ويحاسبها طيلة العقدين الماضيين ، وهي الأمل الافضل للعراق للخلاص من الفساد والمحسوبية والحزبية الضيقة… وهذا ما نتمناه.

أحدث المقالات

أحدث المقالات