غزة بين خذلان الحكام وصمت الشعوب

غزة بين خذلان الحكام وصمت الشعوب

منذ عامين تقريبا، وغزة تحت النار، تُقصف بيوتها ويُقتل أطفالها، والعالم يراقب. لم يعد الغريب وحده من يخذلها، بل الأقربون أيضا. الحكام العرب تخلّوا عنها، اكتفوا بخطب جوفاء وبيانات بلا قيمة؛ يرفعون الشعارات في القمم، ثم يواصلون التطبيع في الخفاء. كأن فلسطين مجرد ورقة سياسية تُستعمل متى شاءوا، لا قضية دم وكرامة.
الأشد مرارة من خذلان الحكام هو صمت الشعوب. الشعوب التي كانت يوما تخرج إلى الشوارع، صار أغلبها اليوم مشغولا بهمومها اليومية أو لاهٍ بتفاهات الحياة. كثيرون يكتفون بمتابعة الأخبار على الشاشات أو بكتابة منشور عابر على وسائل التواصل، وكأن التضامن أصبح مجرد إعجاب أو إعادة نشر.
نعم، الشعوب أسوأ من حكامها حين تصمت، وحين تتنازل عن دورها في الضغط والتغيير، وحين تقبل أن تتحول المأساة إلى خبر عابر. الحكام انعكاس لشعوبهم؛ لو كانت الشعوب يقظة ومطالبة، لما تجرأ الحاكم على التخاذل.
غزة اليوم تكافح وحدها، تواجه ما عجزت عنه صرخات العواصم. بينما تتساقط بيوت الغزيين على رؤوسهم، تنهار أمامنا صورة الوحدة العربية الموهومة: وهم الكرامة، وهم الأخوّة، وهم التضامن.
الصمت الرسمي والشعبي معا يشرعن استمرار المأساة. فإذا كانت بيانات القادة لا تُغير شيئا، فالصمت الشعبي يحوّل النداء الإنساني إلى صدى بلا فعل. هذا الصمت ليس مجرد غياب موقف، بل هو مشاركة فعلية في إطالة عمر المعاناة.
التاريخ سيحكم على الحكام والشعوب؛ ليس بالمغفرة أو النسيان، بل بالكتابة والتذكّر. وسيظل سؤال الواجب الأخلاقي يلاحق كل من اختار الراحة على حساب حياة الآخرين.
الأمل باقٍ، لكنه لا يأتي من تصفيقٍ افتراضي. الأمل يكون بالضغط الشعبي الحقيقي، والمبادرات الفعلية، والتحرّك الجماعي الذي يفرض حسابا على من في السلطة. وحتى يحدث ذلك، ستبقى غزة عنوان الكرامة وحدها، وتُبنى أمامنا دروس قاسية عن خذلان داخل البيت الواحد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات