التيار الصدري ومفترق الحسم الانتخابي: بين الموقف المستقل والتقارب المشروط

التيار الصدري ومفترق الحسم الانتخابي: بين الموقف المستقل والتقارب المشروط

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية في نوفمبر 2025، تتجه الأنظار إلى الكتلة الأكثر غموضًا وتأثيرًا في آن واحد: التيار الصدري، الذي رغم انسحابه السابق من البرلمان، ما يزال يمتلك قاعدة جماهيرية قادرة على قلب موازين المعادلة السياسية في اللحظات الأخيرة.

 

موقف التيار الصدري: الحسم في الأيام الأخيرة

 

تُظهر المؤشرات الميدانية أن التيار الصدري يتّبع إستراتيجية “الانتظار والمراقبة”، إذ يترك الساحة مفتوحة أمام التحالفات والقوى المتنافسة دون إعلان موقف رسمي صريح حتى الآن.

لكن الواقع يؤكد أن السيد مقتدى الصدر سيختار توقيتًا محسوبًا بدقة — غالبًا في الأسبوع الأخير قبل الاقتراع — لإرسال توجيه سياسي مباشر إلى قواعده الشعبية المنتشرة في الجنوب والوسط وبغداد، لتصويتٍ موجّه نحو مرشحين يراهم مصلحين ووطنيين، حتى لو لم يكونوا صدريين بالاسم.

 

هذا التوجّه، إن حدث، سيكون بمثابة زلزال انتخابي؛ فالقواعد الصدرية تُعدّ من أكثر الكتل الجماهيرية انضباطًا وتنفيذًا للتوجيهات، مما قد يغيّر بشكل كبير نتائج العشرات من المقاعد الحاسمة في المحافظات ذات الكثافة الشيعية.

 

احتمال التقارب مع الإطار التنسيقي

 

رغم التباعد التاريخي بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، إلا أن المصلحة الوطنية – في ظل احتدام الأزمة الإقليمية وضغوط الداخل – قد تدفع الطرفين نحو تفاهمات غير مباشرة.

هذا لا يعني اندماجًا سياسيًا كاملاً، بل تفاهمًا انتخابيًا تكتيكيًا، يقوم على مبادئ:

1. تهدئة إعلامية متبادلة.

2. تفاهم ضمني على ملفات الدولة والمرجعية والسيادة.

3. تبادل تنازلات في تشكيل الحكومة مقابل ضمانات إصلاحية محددة.

 

هذا السيناريو ممكن إذا شعر الطرفان بأن استمرار الانقسام الشيعي قد يفتح الباب لتوازنات خارجية تُضعف القرار الوطني، خاصة مع دخول أطراف جديدة مدعومة ماليًا وإعلاميًا من الخارج.

 

الدعم الخارجي وتأثيره في تشكيل الحكومة

 

من المعروف أن الولايات المتحدة وإيران تبقيان الطرفين الأكثر تأثيرًا في المشهد العراقي.

• واشنطن تركز دعمها على قوى مدنية وتكنوقراطية، وتتحرك عبر أدوات التمويل السياسي والإعلامي ودعم منظمات المجتمع المدني، في محاولة لإعادة رسم صورة “الدولة الحديثة” داخل النظام القائم.

• في المقابل، تعمل طهران على تحصين نفوذها التقليدي عبر دعم سياسي ولوجستي لبعض فصائل الإطار وأجنحتها الانتخابية، وتحرص على بقاء القرار الأمني والعسكري منسجمًا مع مصالحها الإقليمية.

 

كما توجد قوى عربية وإقليمية دخلت بهدوء على خط الانتخابات القادمة، مقدّمةً دعماً محدوداً لبعض الشخصيات المستقلة والمعتدلة، بغرض منع انزلاق العراق نحو محورٍ واحدٍ دون آخر.

 

لكن الحقيقة الثابتة هي أن المال الخارجي لا يحسم وحده تشكيل الحكومة.

بل إن الموقف الصدري – بحجمه الشعبي وقدرته على تعطيل أو تمكين أي كتلة – سيبقى العامل المرجّح.

فلا حكومة عراقية مستقرة دون موافقة ضمنية من التيار الصدري أو على الأقل عدم معارضته الصريحة.

 

الضرورة الوطنية والرؤية المستقبلية

 

في ظل اشتداد التنافس الخارجي على العراق، تبرز ضرورة وطنية حقيقية لتشكيل حكومة توازن وطني تضع السيادة فوق المصالح الحزبية.

وهنا تأتي مسؤولية التيار الصدري باعتباره القوة الشعبية الأكثر استقلالاً عن الارتباطات المالية الخارجية، ليكون صمّام أمان سياسي بين القوى المتصارعة.

 

إن أي خطوة إصلاحية جادّة في المرحلة المقبلة تتطلب موقفًا صدريًا متوازنًا، لا يقوم على المواجهة فقط، بل على الرؤية الوطنية الواقعية التي تراعي مصلحة العراق أولًا، وتبني شراكات مشروطة بالإصلاح ومكافحة الفساد واستقلال القرار الوطني.

 

خاتمة

الانتخابات المقبلة ليست مجرد سباق مقاعد، بل اختبار مصيري للسيادة العراقية.

التيار الصدري يمتلك اليوم مفتاح الحسم، سواء عبر التوجيه الجماهيري الانتقائي أو عبر التفاهمات المرحلية مع الإطار.

وفي كلتا الحالتين، سيكون قراره الأخير بمثابة ميزان القوى الذي سيحدّد شكل الحكومة المقبلة، واتجاه العراق خلال السنوات الأربع القادمة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات