العمارات السكنية .. وجدران العزلة الإجتماعية

العمارات السكنية .. وجدران العزلة الإجتماعية

اعتاد المجتمع العراقي وخاصة في المدن العيش في البيوت الكلاسيكية أو التراثية ، وغالباً ما تكون هذه البيوت مبنية من مادة الطابوق والجص فضلاً عن مواد البناء التقليدية الأخرى . وان سكان مثل هذه المجتمعات تتمتع بعلاقات قوية وترابط أسري ، ومن مميزات هذه البيوت انها تتجاور، ويتقارب سكانها بالعادات والتقاليد .

في الفترة الأخيرة بدأت في بغداد ( حضارة جدران العزلة ) وأقصد بها العمارات السكنية متعددة الطوابق ، ولكن هذه المساكن بنيت من ( جدران الحديد والاسمنت ) وهذه البيوت ( الشقق ) ينتظرها مستقبل تحطيم أواصر التواصل بين الأسر والأفراد ، بل ستزيل أنهار الحب وينابيعه الجميلة التي كانت تتصف بها بيوتنا التقليدية ، والأسباب متعددة بضمنها عدم وجود تجانس ثقافي بين من يسكن في هذه العمارات إلا بالحدود الضيقة .

في فترة اغترابي عن العراق ، كنت أسكن في مثل هذه العمارات وكنت أشعر بعزلة حقيقية لأن المجتمع الذي كنت أعيش معه اعتاد على العزلة ، فكنت على اتصال هاتفي وبفترات متقاربة مع أحد الأصدقاء في بغداد وهو أيضاً يسكن في عمارة سكنية متعددة الطوابق ، وكان حديثنا يدور حول العزلة ، مع التذكير هو أيضاً كان يشكو من الشعور بالعزلة وذلك لأسباب متعددة ، ومنها نمط الحياة وخاصة الممارسات اليومية التي كان معتاداً عليها مع الجيران والأصدقاء وذلك لتقارب الثقافات والعادات ، اما في هذا المجتمع الجديد فيشعر بالغربة والعزلة .

الجدران السميكة التي تتحكم في ( عملية العزل ) المفروضة ، عازلة للصوت والأنين وحتى البكاء ، والطفل بعد أن تنشأ طفولته في مجتمع منغلق ويصبح شاباً ، يكون هنا قد عاش في فضاء المجتمعات مقطوعة العلاقات الأسرية .

السكن في هكذا أماكن وعمارت شاهقة ، تكون كأنها ولادة من نوع جديد ترافقها عملية نسيان كاملة لعلاقات أسرية امتدت لعقود من السنين ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات