ردّ حماس على مقترح ترامب ،،بين حيرة المؤيدين و حزن المتربصين

ردّ حماس على مقترح ترامب ،،بين حيرة المؤيدين و حزن المتربصين

“حكمة المضطر المخذول”
نظرا ان خطة ترامب -كما فصّلنا في مقال سابق-لا تحمل شيئا في طياتها لأهل فلسطين وعلى ضوء خذلان العرب وتخلي المسلمين ، فقد فرح المتربصون من مثقفي أمتنا بانحصار حماس في زاوية ضيّقة من قبل اعداء الأمة ، وكل ما كان يعنيهم ان يروا المقاومين منتهين مستسلمين وان يشمتوا مدّعين ان نظرياتهم حول خسارة حماس كانت صحيحة وان “حكمتهم وذكاءهم” في لوم حماس على المقاومة غير المتوازنة كانت في محلها وان عملية اكتوبر كانت “اعتداء” متهورا على اسرائيل المحتل “المسالم” ،
هؤلاء كانوا يلفّون الحقد على المقاومين وتضييع حقوق فلسطين وحسد الشرف الذي يناله فصيل من “المجاهدين المسلمين” بالتستّر تحت غطاء الحرص على المدنيين ، وقد جاء مقترح ترامب ونتانياهو -بوضع حماس بين ناري الاستسلام الخاسر او الابادة الكاملة “تحت انظار ضعف زعماء الامة”- متماهيا كثيرا مع احلامهم وحقدهم اكثر مما هو متماهي مع احلام اليهودي بن غفير نفسه ، فانتظروا رفض حماس -حيث لا منطقية ولا معقولية ولا مخرج للقبول- وفرحوا بوصول الأساطيل الأمريكية التهديدية وتيقّنوا كما تيقّنت حماس ان القادم هو الابادة الكاملة والتهجير الفوري الكامل في حالة الرفض او الابادة البطيئة والتهجير الكامل والتمدد الناعم في حالة القبول ،
ويشهد الله ويشهد المنطق وتشهد ردود افعالهم بعد رد حماس المخالف لكل التوقعات انهم انصعقوا واحترقوا وبكوا دما أن وافقت حماس مضطرّة نزولا عند ضغوط الأمّة ولوضع العالم أمام مسؤوليّاته في حماية المدنيين ، وان اسرائيل لم تحزن ولا ترامب بقدر المتربّصين العرب بهذا الرد “الحكيم المضطر” فانطلقوا ينفثون سمومهم الجديدة على صفحات التواصل والإعلام ، فبعد ان كانوا يقولون الى آخر لحظة “لماذا لا تطلق حماس الرهائن لنرى صدق ما يعد به الاعداء” صاروا بلحظة واحدة الآن يقولون : “انظر لقد وافقت حماس على اطلاق الأسرى ووقف المقاومة جبنا واستسلاما وتحقيقا لمصالحها الدنيوية في حملة القادم من الاعمار ، ولماذا لم تفعل ذلك من قبل ولماذا كل هذا الانتظار حتى حصول الدمار”! ،وكانّما لم توافق حماس قبل عام وقد اطلقت الأسرى يوم غدرت اسرائيل ، بل وكأنّما كل من حارب انتصر وكل من قاوم تحرّر وكل من وضع خطة او اضطر اليها ظفر ،
أما حماس فقد تحوّلت باضطرار من مبدا الإمام علي كرم الله وجهه الصارم في صراعاته “والله لا أداهن في ديني” الى مبدا النبي عليه الصلاة والسلام في صلح لا بد منه للذي يجتمع العالم ضده حتى أهله وعمومته ، ولا شك انّ ما وافقت عليه حماس هو كأس السم الذي لا بدّ من تجرّعه إزاء البقاء وحيدا وسط الأعداء والأفاعي من كل جانب ، فإنّ مثقفي العرب ومؤثري المسلمين وزعماء العالم ونتانياهو وترامب ألقوا جميعهم باللوم على حماس ان لم توافق على صلح “لا صالح فيه الا وقف اطلاق نار غير مضمون وشروط مواربة لعدوّ قد يغدر لحظة تسليم الأسرى” ، ولكنّ حماس -بدهاء- صنعت ردّا يتماشى مع خبث المقترح وصاحبه وسكوت قادة المسلمين “المغلوبين” عليه ، وأمام نظرة قراءة لما آلت اليه الأمور من اعتراف المجتمع الدولي بدولةٍ لفلسطين وإيقاظ لضمير المتعاطفين وبعد أن شاهد العالم كله بسالة المقاومين المرابطين ألقت حماس أخيرا الكرة في ملعب ترامب والمتربصين والمخذّلين وأحرجت قادة المسلمين الذين جلسوا معه ، وبتشاور معهم وبتأكيدهم للحركة ان توافق على المقترح الأصلي الذي صاغوه مجتمعين مع ترامب وليس المقترح المعلن الذي صاغه نتانياهو وتلاعب به ترامب – ستُطلق حماس الأسرى وتتخلى عن حكم القطاع وتوقف العمليات العسكرية ،،و سترى بعدها ماذا سيفعل أعداؤنا وحلفاؤهم من بني جلدتنا؟ فإن غدروا بعد كل ذلك فلا بدّ من موقف إسلامي وعالمي صارم وبوادر حرب أوسع على الابواب -ان بقيت كرامة-، وان التزموا بما عاهدوا فإن الحرب سجال ويوم لك ويوم عليك ، ونعلّل النفس بفرحة سلام لسكّان غزة المعذّبين واستراحة محاربين ، و يكفي قادة الطوفان وسام الشهادة الذي نالوه ويكفي المقاومين شرف انهم اعادوا بتضحياتهم قضية فلسطين الى الواجهة العالميّة من جديد ، وإن غُلبوا بجولة فقد غَلبوا جولات وإن خسروا معركة فقد خسر النبيّ عليه الصلاة والسلام معركة أحد ومعركة حنين وهو نبيّ يوحى اليه ، و {إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِن اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}

أحدث المقالات

أحدث المقالات