كفنٍّ تشكيلي – سياسي , اعلن الأمريكان عن تشكيل ” مجلس السلام ” في غزة , وكأنّ السلام حلّ وطلّ ! بينما المدفعية الأسرائيلية ومدفعية الدبابات وصواريخ الطائرات صارت تعمل بطاقتها القصوى في تدمير كل ما يرتفع عن سطح الأرض في غزة من حجر وبشر, قبل حلولِ سلامٍ مفترض ومُتخيّل , وربما على عجالة .!
المجلس المُشكّل سيغدو برئاسة دونالد ترامب ( في سعيه الدؤوب لمحاولة الحصول العابثة على جائزة نوبل للسلام) لكنه من الناحية العملية , فيتولّى توني بلير ” رئيس الوزراء البريطاني السابق ” الإدارة العملية والفعلية لقطّاع غزة , وبما يفوق صلاحيات بول بريمر ” الحاكم الفعلي للعراق ” في السنة الأولى من الأحتلال الأنكلو – امريكي في عام 2003 ” , لا من جهةٍ دولية ولا اقليمية رشّحت بلير لهذا المنصب , ولا طرحت أسمه اصلاً , وانما جرت الأمور من خلف الستار وفرضه تحت اضواء الإعلام وشرعنته , احدى اهداف ذلك تفريغ واخلاء سلطة القُطاع من كل ما هو عربي مع اضافة بعض الرتوش المتفرقة التي تستبدل ايّ دور للسلطة الفلسطينية في ذلك , بالرغم من التهجمات النقدية للرئيس محمود عباس ” ابو مازن ” لحركة حماس وفي توقيتاتٍ متفرقة , ضمن محاكاةٍ للإدارة الأمريكية بغية البقاء في ممارسة دور السلطة الفلسطينية في غزة , والتي تفتقد اصلاً ايّ دورٍ ما داخل قطاع غزة .
الهدف الآخر من تولية توني بلير لولاية إدارة القطاع , هو التفعيل الفعلي لوضع غزة تحت الأنتداب والوصاية الدولية , وبالأحرى تحت الهيمنة الأنكلو – امريكية , وهذا ما يتعارض مع اعتراف حكومة بريطانيا الحالية بالدولة الفلسطينية ” ولعلّ ذلك يدفع لرسم بعض علائم الإستفهام , فهو محسوب على سياسة المملكة المتحدة كرئيس وزراءٍ سابق , وسيّما اعترافه بخطأ مشاركته الأمريكان في غزو العراق , وبإصراره بأنّه غير نادمٍ على ذلك .! , وهذا ما يشكل شرخ في سمعة وسياسة المملكة بشكلٍ وآخر ربما .
السيد توني بلير مرفوضٌ ومنبوذٌ على مستوى الرأي العام العربي وعلى صعيد المجتمع الدولي الحُر, ليس بسبب ممارسات الجنود البريطانيين البشعة بحق الأسرى العراقيين في محافظة البصرة اثناء الغزو فحسب , وانما ايضاً عبر اسلوب الغدر الذي اتبعه رئيس الوزراء البريطاني السابق , حين قام بزيارةٍ سريّة الى طهران قبل ايامٍ من الشروع بالأحتلال , وحصلَ على موافقة الأيرانيين بإدخال قوات بريطانية سرّاً الى الأراضي الأيرانية , وثم الخروج من حدودها المشتركة مع العراق بغية الإلتفاف على الجيش العراقي من شمال مدينة البصرة ومحاصرتها من هناك , بينما لم يقم العراق ” قبل ذلك بأيّ موقفٍ معادٍ ومتضاد ضدّ بريطانيا – ولا علاقة بهذا الكلم بنظام الحكم العراقي السابق ” .
لعلّ الأنكى بعد انتهاء حرب سنة 1991 واستقرار الأوضاع , هو اختيار واستدعاء الكويت لتوني بلير ليعمل كمستشارٍ لديها ” مقابل اموالٍ طائلة ” , للعمل على التسبب في تجيير وتوظيف الأوضاع الدولية للتسبب بأكبر الأضرار والخسائر المادية والأقتصادية للعراق ومضاعفة عزلته الدولية طوال حقبة تسعينيات القرن الماضي , وصولاً الى الغزو والإحتلال في عام 2003 .!
بتعابيرٍ مجازيةٍ وغير مجازية , ودونما تجاوزٍ للإعتبارات اللفظية والبروتوكولية , ألا يمكن توصيف المدعو توني بلير هذا بأنّه كحشرةٍ ضارّة في السياسة الدولية , وكتشويهٍ مسبق ” لمجلس السلام ” المفترض وكأنه مجلس < شالوم > .!