المقدمة :
التسقيط السياسي (smear campaign) أسلوب قديم في الصراع السياسي: يُستخدم لتقويض سمعة الخصم عبر اتهاماتٍ مبوّبة، تسريبات، وصناعة روايةٍ تسيء إليه أو تشكّك بمشروعيته. في السياق العراقي بعد 2003 اتّهمت أطرافٌ عدة بعضها بحزب الدعوة الإسلامية باستخدام وسائل تسقيط استراتيجية ضدّ منافسين سياسيين، خصوصًا حين توفّرت فرصة لإضعاف خصم سياسي مركزي أو طريقة لتبرير إجراءات أمنية وسياسية ضده. هذه الادعاءات لا تعني صدور حكم قضائي دائمًا، لكنها وثّقتها صحافة محلية وإقليمية وتحليلات أكاديمية.
تعريف نطاق التسقيط السياسي
أقصد بالتسقيط هنا: منظومة ممارسات متناسقة تهدف إلى إسقاط خصم سياسي من خلال (1) تشويه السمعة، (2) ترويج الاتهامات الجنائية/الأخلاقية أو الانتماء لأحزاب محظورة، (3) خلق ضغطٍ مؤسساتي (قضائي/أمني) لإقصائه، و(4) استعمال شبكات إعلامية واجتماعية لتدعيم الرواية. هذه الممارسات قد تكون قانونية الشكل (نشر دليل أو رفع دعاوى) لكنها تظلّ مشكوكًا في نزاهتها حين تُصنَع الأدلة أو تُستخدم الأجهزةُ الدولة أو الإعلامُ الحزبيّ لأهداف سياسية.
أساليب التسقيط الشائعة — وصف تحليلي مع أمثلة نمطية
1. ترويج اتهامات الانتماء إلى البعث/النظام السابق كـ«شماعة»
في العراق تُعدّ تهمة «البعثية» وسيلة فعّالة لتمييع شرعية الخصوم وإخضاعهم لآليات اجتثاث أو سجن أو تجريد من الحقوق. نُشرت تقارير وتحليلات تشير إلى استعمال تسمية «بعثي» في معارك سياسية داخلية، سواء لتبرير إجراءات أمنيّة أو لكسر تحالفات الخصم. لكن مراقبين يشيرون أنّ وصف الحركات والفاعلين بـ«البعثية» استُخدم أحيانًا كأداة سياسية أكثر منه دليلاً قضائياً قاطعًا.
2. التسريبات المركّبة (سندات وعناوين منسّقة)
نشر تسجيلات مسرّبة أو «صناديق سوداء» أو مستندات معدّة يمكن أن يقلب الرأي العام. ملفّات وتعليقات إعلامية حول تسريبات تتناول قادة أو خصوم قد أدّت إلى أزمات سياسية واتهامات متبادلة على مستوى قيادات الصفّ الأول. هذه التسريبات تُستخدَم لإرباك الخصم وفرض سردية تبرّر الإقصاء أو المساءلة.
3. التحشيد الإعلامي: جهاز إعلامي حزبي وشبكات التواصل
بنية إعلامية مرتبطة بالحزب أو تحالفاته تُسوّق للاتهامات عبر منصات محدّدة، وتُعيد تدوير أخبارٍ مُرشّحة لتأكيد روايةٍ معادية للخصم. الإعلام هنا لا ينقل الحدث فحسب، بل يشكل «حقلًا معنويًا» يقوّي التأييد السياسي ضدّ المستهدف.
4. استخدام آليات الدولة (قضاء، أمن، تحقيقات) لخلق ضغط قانوني
تحويل الاتهامات إلى تحقيقات رسمية أو استغلال أجهزة أمنية لاعتقالات أو ملاحقات يضفي طابعًا قانونياً على حملة التسقيط. مراقبون وصفوا حالات تحوّل الاتهامات السياسية إلى إجراءات قضائية كوسيلة لإضعاف خصوم سياسيين. مع ذلك، ثمة جدل واسع حول استقلالية هذه الإجراءات ومطابقتها لمعايير العدالة.
5. تجنيد حلفاء محليين وإقليمين لصياغة قضايا تشويش
تحصيل دعم فصائل أو شخصيات مرجعّية لنشر فتاوى أخلاقية أو مواقف تضغط على الخصوم سياسياً واجتماعيًا. في المشهد العراقي، تداخل المرجعية والطائفية والأسلاك الحزبية يجعل من هذه الوسيلة ذات فاعلية خاصة.
آثار هذه الممارسات
تفكيك الثقة بالمؤسسات وبتداول السلطة.
إحالة السياسة من ساحةٍ للمنافسة إلى ساحةٍ للصراع «الوجودي» (خيانة/بعثية/عملاء)، ما يسهِم في استقطاب وتجنيد الشارع.
استنزاف القيادات الوطنية بالمعارك الداخلية بدل التركيز على القضايا العامة (خدمات، اقتصاد، أمن).
نقد منهجي وأخلاقي
حتى إن نجحت استراتيجيات التسقيط قصيرًا في إقصاء منافس، فإنها تترك إرثًا مؤسساتيًا سلبياً: سُمعة لتسييس القضاء والإعلام، وتحويل الشأن العام إلى سجال مستمرّ غير منتج. التحليل الموضوعي يلحّ على ضرورة تمييز الحقائق المثبتة قضائيًا عن الروايات الإعلامية والسياسية، واحترام معايير العدالة قبل أي اتهام مجتمعي أو قانوني.
خاتمة واقتراحات للبحث العملي
إذا كان هدف بحثك تفكيك مناهج التسقيط كأداة سياسية لدى حزب الدعوة أو أي فاعل آخر، أقترح:
1. جمع أمثلة زمانية محددة (تسريبات، دعاوى قضائية، مقالات إعلامية) وربط كل مثال بسياقه السياسي.
2. تحليل الأدلة المتاحة: هل كانت قضائية أم مجرد اتهامات؟ وما دور القضاء؟
3. مقابلات مع مصادر صحفية وسياسية (إن أمكن) لتحصيل نسخ من التسريبات أو بيانات رسمية.
4. فصل الممارسات القانونية المشروعة (مقاضاة فاعل بتهمة محددة) عن التسقيط السياسي الممنهج.