في زمن “المواعيد الرقمية” والهواتف الذكية، ما زال بيننا رجل قرر أن يحيا بمنطق “اللامبالاة بالمواعيد”، فمواعيده لا تبدأ بساعة محددة ولا تنتهي بساعة محددة، وإنما تبدأ متى شاء وتتمدد إلى ما شاء الله لها أن تتمدد.
بطلنا هذا بنّاء بارع، يرصّ الطابوق كما يرصّ الجندي بندقيته، يغلّف الجدران بالسيراميك حتى يلمع الجدار كأنه مرآة عروس، يشهد له القاصي والداني أن عمله متين، متماسك، نظيف، مليء بالإخلاص والعرق.
لكن… كل هذه الصفات تنهار أمام عيب واحد: مشكلة المواعيد!
لا تثق بساعة قالها، ولا بتاريخ وعدك به. فالرجل يمكنه أن يعطي في اليوم الواحد أربعة مواعيد، وربما يضع الثلاثة في نفس الساعة!
وحين تعاتبه؟ تخرج الأعذار من جيوبه كما تخرج ورق اللعب من يد ساحر.
مرةً: “والله يا أخي كنت أرافق مريضًا في المستشفى”.
فتكتشف أنه كان يعمل في أحد الأحياء القريبة منك!
مرةً أخرى: “أحد العاملين معي أصابه مغص شديد”.
فإذا بك تسمع أنه قد أنهى عملًا كاملًا في قضاء بعيد!
وإذا حاصرته بلطف، دون أن تتهمه بالكذب، يهز رأسه ويقول بتواضع تمثيلي:
“نعم، مع اعتذارات تمتد طولًا، كنت عنده في الساعة التاسعة أو العاشرة، أثبت حضوري فقط! وأجريت له عملًا بسيطًا لأنه لا يتطلب خبرة العامل المريض”.
وكأن الحضور لثوانٍ يساوي إنجاز جدار من الطابوق كما تبين.
المساكين هم أصحاب البيوت، يظلون واقفين بين السلم والباب، والعائلة كلها تستيقظ مفكرة بالاستعداد لمجيئه إلى العمل، وهو يقسم عليهم بـ”أغلى الأيمان” أن يصبروا، وحين تقول له: “يا رجل، ليكن الدور عليّ الآن، أنت وعدتني قبل غيري”، يبتسم بدهاء ويقول:
“سبقك في الموعد فلان، وما باليد حيلة”.
هكذا يدوّخ الجميع، ويحوّل حياتهم إلى برنامج مسابقات في الصبر والتحمّل. والحق يُقال: لو كان التهرب من المواعيد رياضة أولمبية، لكان صاحبنا في منصة التتويج يرفع الميدالية الذهبية، ويعتذر للجمهور لأنه تأخر عن الحفل!
اخيرا عليك ان تتاسف كونه يضع الطابوق بامتياز، وقد يرصّ السيراميك بإتقان، لكن في رصّ المواعيد؟ لا يملك الرجل “الماء”، بل يملك نهرًا من الأعذار يسقي به ضحايا انتظاره.