في نهاية حزيران 2009 قام المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بدعوة بعض مدراء القنوات الفضائية ورؤساء تحرير الصحف المحلية المشهورة لحضور المؤتمر الصحفي مع رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي لمناسبة إعادة كامل السيادة إلى العراق بعد توقيع اتفاقية الانسحاب الأمريكي , وقد كان عدد المدعوين بحدود 38 ممن ذكرتهم , وقد تحدث المالكي عن أهمية توقيع الاتفاقية والمكاسب المتحققة للعراق وما سينعكس عن ذلك للعراق عادا إياها عرسا عراقيا يتوجب الاحتفال به كل عام , وخلال المؤتمر كان المالكي سعيدا وودودا بما أسهم في خلق جو من الصراحة وسمح بطرح العديد من الأسئلة المهمة وكان المالكي يجيب عنها باسترسال , وقد تم التطرق إلى موضوع انتشار الفساد الإداري واستخدام المال الفاسد في العمل السياسي وخلال المناقشات أعجبته كلمة الفساد السياسي فبدأ باستخدامها للمرة الأولى من ذاك الزمان والمكان وقال إنها تعني بأن يكون السياسي معك في النهار وينقلب عليك في الليل أو بالعكس , واسترسل قائلا إن بعض السياسيين يذهبون للخارج سواء الخارج العربي أو الإقليمي أو الدولي ويقولون لهم ماذا تريدون منا بدلا من أن يقولوا لهم ماذا نريد منكم وكان يتحدث عن هذا الموضوع بمرارة وألم حتى بادره احد الحاضرين للسؤال هل لديكم مثال عن هؤلاء فأجاب وعلى الفور هناك العديد من الأمثلة وليس مثالا فحسب , ورغم إن المؤتمر كان مخصصا لاتفاقية الانسحاب إلا إن أمورا كثيرة طرحت وتوضحت فيه العديد من الأمور , وبعد نهاية المؤتمر الصحفي تمت دعوة الحاضرين إلى مأدبة غداء في إحدى القاعات القريبة من مكتبه في المنطقة الخضراء وقد صادف جلوسي على مقربة من مكان جلوسه , وخلال الغداء دارت بعض المناقشات مع الموجوين وكان يجاوب ويتفاعل مع الحاضرين بشكل خال من أي تكلف أو ممانعات مما شجع الآخرين على الحديث بدون أية تحفظات , وعندما وجدت الفرصة مناسبة بدأت الحديث معه وقلت له أريد أن أسألك عن موضوع لم اطرحه في المؤتمر لأنني علمت بان الوقائع تسجلها الفضائية العراقية وسيتم بثها لاحقا بدون تقطيع وهذا السؤال ربما فيه شيئا من الإحراج فسألني عل الحال وماهو , فقلت له في أكثر المرات التي تدير فيها جلسة أو مؤتمرات صحفية تتحاشى فيها ذكر الأمريكان وعندما تضطر إلى ذكرهم تقول الجانب الآخر فرد سريعا ولكني ذكرتهم في المؤتمر اليوم فقلت لهم لقد ذكرتهم بكلمة الطرف الآخر ولم تقول الأمريكان أبدا فابتسم ثم أطلق ضحكة خفيفة لاتنم عن أي قصد قائلا انتم الصحفيون ( متكعدون راحة بالكم على كل كلمة ) وعندها قلت له إن كثيرا من السياسيين غالبا ما يذكرون فضل الأمريكان في تخليص العراق من النظام البائد فحتى رئيس الجمهورية جلال الطالباني يكرر ذلك باستمرار فقال وأنا لم أنكر لهم ما قاموا به ولكن لكل منا طريقته في التعبير , وذكرت له بان ذلك ربما يسبب بعض الحساسية عند بعضهم حين يشعرون بأنك تتقصد عدم ذكرهم وأنا عراقي وقد اكتشفت ذلك واعتقد إن لهم قدرات عالية في بعض الجوانب الإعلامية وربما قد رصدوا هذا الشيء , وعلق في وقتها بأنه غير مهتم بمثل تلك المشاعر فالمهم أن نمضي كعراقيين للأمام وان علاقته مع الأمريكان ليست سيئة وانما إطارها المطلوب , ولكني قلت له اعتقد إنهم في إحدى المرات سيسعون ليجعلوك في حالة قد تضطر لتذكر فضلهم وأجاب بما يعني ليس من الضرورة أن نذكرهم في كل جلسة وفي كل وقت , وللأمانة أقول انه لم يكون غاضبا أو منزعجا عن ما ذكرته ولكني نظرت أليه وقد وجدت إن هناك شيئا ما يجول في داخله ولم يريد الإفصاح عنه فانا لست صديقا له وكل ما جمعنا هو المؤتمر الصحفي , وقد شعرت في تلك اللحظات انه لايريد أن يمجد بالأمريكان أو يعطيهم دورا في أحاديثه تترك عندهم انطباعات بأنه سهل المراس , وقد سبق وان أكد ذلك في الدور الذي أداه في صياغة الاتفاقية الإستراتيجية , فقد كان المالكي رقما صعبا في تلك المفاوضات مما أوصل العراق لتوقيع الاتفاقية بالوصف الذي عرضناه في الجزء الأول أمس . والمهم بان ذلك اللقاء انتهى بعد أن استمر أكثر من أربع ساعات وعندما غادرنا والقينا السلام وتبادل عبارات المجاملة تصافحت معه ونظر بعضنا مع بعض وكأننا نقول لبعض لنرى ماذا سيحدث عن التنكر لدور الأمريكيين لاسيما بأنه تأكد من خلال المحادثة بأنني أتكلم بصدقية العراقي وليست لي أية علاقة مع الأمريكان أو غيرهم لا من قريب ولا من بعيد , وبعد أن غادرت بقي هذا الموضوع في ذاكرتي ولم انشره في أي مكان ولكنني عدت لأتذكره مرة أخرى عندما تمت دعوة المالكي لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية بعد شهرين أي في النصف الثاني من سنة 2009 , حيث وضعت في جدول الزيارة فقرة تتضمن زيارة النصب الخاص بالأمريكيين الذين سقطوا ضحايا حرب العراق وتحتوي على قبورهم ومن ضمن متطلبات تلك الزيارة إلقاء كلمات لتخليد ذكراهم , وقد سلط الإعلام الأمريكي الكثير من الأضواء على هذه الفقرة بالذات , وقلت معي نفسي في حينها لقد وجد الأمريكان الرد المناسب في المكان المطلوب , وتكرر الحال في الزيارة الأخيرة للمالكي والوفد المرافق نفسه إلى الولايات المتحدة وخلالها عقد لقاءا مع الرئيس الأمريكي باراك اوباما لم يستغرق سوى عدة دقائق , مما يؤشر بان للأمريكان ضغينة مع المالكي ربما بدأت من مفاوضات وضع الاتفاقية الإستراتيجية وترافق ذلك مع تنكره ( لأفضالهم ) , وقد يسال سائل لماذا إذن لم يعترضوا على ترشيحه للولاية الثانية وقد حصلت في سنة 2010 أي بعد توقيع الاتفاقية التي أحرجهم فيها , ولهذا الموضوع تفاصيل أخرى ربما سنخصها في مقالة أخرى بإذن الله , وما نريد التوصل أليه فيما عرضناه , إن المالكي لم يكن من المقربين للإدارة الأمريكية وان هناك الكثير من الصقور لم يكونوا يستسيغونه ومن المرجح انه يعلم بذلك , ولهذا فان جزءا من الحملة الأمريكية التي تشن ضده هذه الأيام قد يعود إلى تلك المواقف إلى جانب المواقف الأخرى التي عرضها اوباما وكيري خلال ظهوراتهم الأخيرة , وليس القصد مما ننشره أن نمجد او نبرأ المالكي أو الوقوف إلى جانبه على أساس انصر أخاك ظالما أو مظلوما كما انه ليس القصد إن نظهر ما ذكرناه على أساس انه احد الأخطاء , وإنما لعرض بعض الحقائق من باب الأمانة الصحفية والتاريخية التاريخية فحسب .